logo-img
السیاسات و الشروط
علي البلوشي - عمان
منذ 5 سنوات

 رواية صحيحة عبد أهل السنة تحكي واقعة التصدق

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: ذكر الطبري عدّة أقوال وردت فيمن نزلت الآية، وكان من بينهم عليّ بن أبي طالب، وذكر أيضاً عبادة بن الصامت، وقال أيضاً: إنّه قد قيل أنّه عني به جميع المؤمنين، ومن صفاتهم أنّهم يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون، وكتاب ابن عساكر تاريخي لا يحتجّ به في العقائد، وأيضاً كتاب الأنساب. وأقول: إنّ الواضح البيّن من الآية أنّ الولاية، تكون في المؤمنين بعد الله ورسوله، وإن كان المعني في (( وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) : عليّ، فتحديد الولاية جاء في المؤمنين، ومن ثمّ هل كان الأئمّة الاثنا عشر يؤتون الزكاة وهم راكعون أيضاً؟ (دلّل على ذلك إن كان نعم).


الأخ علي المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته 1- لا بدّ لك قبل أن تعلّق أن تقرأ كلّ ما كتب في الموضوع من إجابات على الأسئلة المطروحة، حتى يتم لك استيعاب الجواب من جميع جوانبه، وأمّا أن تكتفي بإجابة واحدة جاءت على قدر ما هو مطروح في السؤال، وتعتقد أنّه تمام الدليل في ما يدّعيه الشيعة، وأنّهم لم يجيبوا لحدّ الآن على الاعتراضات الواردة، فهو بعيد عن الإنصاف. 2- لا بدّ في قراءتك للجواب أن تستوعب مقدار ما يراد من الدلالة لكلّ دليل مذكور بالضبط، لا أن تفهم من الدليل دلالة أوسع، أو دلالة أُخرى لا يريدها من ذكر الدليل. 3- لا بدّ أن تعرف منحى ومجرى الدليل، وما هو موضعه الدلالي، ورتبته من بين المقدّمات الأُخرى للدليل، فلعلّ ما اعتبرته دليلاً ليس هو من صلب الاستدلال، أو ليس هو الدليل كاملاً، بل هو دليل على بعض مقدّمات الاستدلال، أو جزء الدليل. ولتوضيح ذلك، نقول على تعليقك: إنّ ما ذكر كدليل على نزول آية الولاية في عليّ(عليه السلام) كان تضافر واشتهار النقل من علماء الطرفين بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام)، وليس الدليل هو الاستناد على ما نقله الطبري كأحد الآراء في الآية فقط؛ فلاحظ! ولذا يكون إيراد قول الطبري لأنّه أحد مفردات هذا التضافر, فقوله وقول غيره هو الذي يتمّم المدّعى من الشهرة والتضافر، حتى يصحّ الادّعاء بأنّ الآية نزلت في عليّ(عليه السلام). فالاعتراض بأنّ الطبري ذكر عدّة آراء يكون صحيحاً لو كان الدليل يتم بقوله هو وحده فقط، ولم يكن أحد الشواهد على التضافر، كما هو المدّعى. وأمّا القول في الآراء الأُخرى على التسليم بأنّها ظاهر قول الطبري: فأولاً: إنّها آراء شاذّة لا يأُخذ بها مقابل المشهور المتضافر، بل المجمع عليه، وفيه روايات صحيحة نقلنا بعضها في الأجوبة الأُخرى؛ فراجع! فتعداد الأقوال لا ينقض المدّعى، فالشاذّ يطرح ولا يعوّل عليه، وإلاّ لم يسلم لنا قول في آية واحدة من آيات القرآن الكريم. وثانياً: إنّ الطبري نفسه خبط وخلط (لو سلّمنا أنّه أراد ظاهرَ تعدّد الأقوال)، وحاول الإبهام عامداً؛ فإنّ المجموع من محصّل كلامه يؤدّي إلى التناقض، لو قبلنا بكلّ أقواله ظاهراً. فهو قد نقل أوّلاً بلفظة (قيل) - وهي لتمريض القول كما هو معروف - الرأي القائل بأنّ الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وجاء بروايات (لا تثبت) مفادها التطابق بين قول وفعل عبادة بن الصامت، وبين أوّل الآية وهو معنى الولاية حسب ما فسّره )ملاحظة: أنّا لا نسلّم بأنّ معنى الولاية هو: النصرة)، ولم يأت بأيّ قول بأنّ عبادة هو من تصدّق بالخاتم. ثمّ إنّه عندما ذكر المعنيّ من قوله تعالى: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ يقيمونَ الصَّلاةَ وَيؤتونَ الزَّكَاةَ وَهم رَاكعونَ )) (المائدة:55), أورد رأيين، قدّمهما بقوله: ((فقال بعضهم، وقال بعضهم)) الأوّل: إنّ المعنيّ بها: عليّ(عليه السلام)، والثاني: إنّ المعني بها: جميع المؤمنين، واختفى (القيل) بأنّ الآية نزلت بحقّ عبادة بن الصامت! ومن الواضح أنّ الآية واحدة، بل أنّ الكلمات في الآية كلّها مترابطة وتؤدّي إلى معنى واحد، لا يمكن معه الفصل بين أوّل الآية والقول أنّها نزلت بسبب نزول غير السبب الذين نزلت به آخر الآية، فأمّا القول بأنّها نزلت كلّها بحقّ عبادة، أو كلّها بحقّ عليّ(عليه السلام)، أو كلّها بحقّ جميع المؤمنين، وهذا ما لم يفعله الطبري؛ فراجع كلامه! وجعل هذه الآية ذات المعنى المترابط الواحد قسمين: الأوّل نزل في حقّ عبادة, والآخر في حقّ عليّ(عليه السلام)، ما هو إلاّ تناقض؛ فلاحظ! ولكن هل نقبل من الطبري هذا؟! أو أنّ هناك مورد نزول واحد، هو في حقّ عليّ(عليه السلام) متحقّق عند الطبري، ولكن أراد إخفاءه وستره لأمر في نفسه! فلم يبرزه واضحاً في كلامه بدون لبس، وإنّما خلطه بغيره، وصاغ عباراته بحيث توهم القارئ المتسرّع بأنّ الأمر فيه أقوال وآراء، ويأخذه ظاهر التقسيم للأقوال، فيظنّ أنّ المراد هو تعدّد موارد النزول. وفعل الطبري هذا هو الذي يجعلنا نتّهمه! وذلك أنّ الطبري بالحقيقة لم يقل أنّ الآية نزلت في حقّ عبادة وعليّ(عليه السلام) من منظور واحد؛ إذ أنّ الطبري عندما نسب سبب النزول إلى عبادة بن الصامت كان من جهة أنّ عبادة كان المخاطب بالآية، أو المخبر بها عن حاله، لا أنّه الذي يجب أن يُتولّى، أي: المعنيّ بقوله: (( وَالَّذينَ آمَنوا الَّذينَ ... المزید )) ، بدليل صريح الروايات التي نقلها الطبري نفسه؛ إذ فيها أنّ عبادة تبرّأ من بني القينقاع، وقال: ((أتولّى الله ورسوله والمؤمنين))، أو قال: ((أتولّى الله ورسوله والذين آمنوا))، فعبادة هنا يخبر عن كونه يَتولّى لا أنّه هو المولّى، فنزلت الآية إخباراً عن حاله وبياناً له وللمؤمنين، في من يجب أن يتولوه وهم الله ورسوله والذين آمنوا...(أي: عليّ(عليه السلام)). فالآية بيان لمورد صاحب الولاية لا للذين يتولّوه.. نعم، هم المخاطبون بذلك، ومنهم: عبادة، وقد يكون أوّلهم، حسب قول الطبري، وإن كانت الرواية شاذّة. وقد ورد في ذلك غيرها الكثير، منها - كما في بعض رواياتنا -: أنّ قوماً من اليهود سألوا رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه بعد أن أسلموا، فنزلت الآية، فخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المسجد يسأل عمّن تصدّق بخاتم وهو راكع، فأخبره السائل أنّه عليّ(عليه السلام) (1) . وعلى هذا يصحّ أن تقول: إنّ هؤلاء اليهود كانوا سبباً للنزول بسؤالهم النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن وصيّه.  ولكن هذه الجهة غير الجهة المدّعاة مورد الاستدلال؛ فإنّ جهة قولنا بأنّ سبب نزولها كان عليّ(عليه السلام)، هو القول بأنّ الآية جاءت لتبيّن أنّ الذي يجب أن يُتولّى بعد الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو: عليّ(عليه السلام)؛ فهو الذي تصدّق بالخاتم وهو راكع، وأنّ المؤمنين جميعاً مأمورون في قول الله: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ )) بولايته وطاعته؛ فهو أولى بالأمر بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وليكن من المؤمنين عبادة بن الصامت فلا ضير. وكأنّ الآية بيان لمورد الولاية الحقيقي الذي يجب على عُبادة وغيره من المؤمنين التمسّك به، أو إخبار للمؤمنين عامّة ولبعضهم خاصّة، وهم: أصحاب السؤال بهذا المورد الحقيقي الذي يجب أن يُتولى؛ فلاحظ! وبهذا يتّضح قول الطبري، ولا تهافت في البين، وإن كنّا نتّهمه بعدم البيان والبسط بوضوح، لغاية الله يعلمها!! وأمّا القول بأنّ مورد النزول هو جميع المؤمنين، فهو لا يتم إلاّ على القول بأنّ معنى الولاية هي النصرة، وهذا ما لا نسلمه! ثمّ إنّ تخصيص مورد النزول بعليّ(عليه السلام) يرده، ولا يمكن أن يكون جميع المؤمنين هم ولاة الأمر إذا كان معنى الولاية هو الأولى بالأمر، إذ لا بدّ أن يكون واحداً في كلّ عصر. وبيان أنّها جاءت بمعنى الأولى بالأمر لا النصرة ذكرناه في محلّه؛ فراجع! وأمّا بخصوص كتاب ابن عساكر، و(الأنساب) للبلاذري، فإنّ اعتراضك وقع بسبب خطأ ووهم منهجي! فإنّا لم نحتجّ بما ورد عنهما لأجل أنّ كتابيهما معتبران؛ إذ لا توجد عندنا قاعدة بأنّ: كلّ كتاب معتبر فإنّا نأخذ بكلّ ما فيه، وكلّ كتاب غير معتبر فنردّ كلّ ما فيه، وإنّما نأخذ ما موجود في الكتب بالسند، ونحاكم السند كرواية مفردة، ويكون مؤلف الكتاب أحد الرواة لا غير. وهذا الاشتباه لا يقع فيه إلاّ من ثبت في ذهنه وجود كتب صحيحة غير القرآن الکريم، مثل البخاري ومسلم! فيأخذ بتصنيف الكتب إلى معتبرة وغير معتبرة، أو يستخدم ذلك عن عمد حتى يردّ ما يريد من الروايات التي لا تعجبه بعد أن يصنّف الكتاب الواردة فيه هذه الروايات بأنّه غير معتبر، كما هو منهج السلفية والوهابية المعاصرين، وإلاّ فإنّ مثل هذا المنهج لم يدخل في علم الحديث والدراية، ولم يتكلّم به علماؤهما؛ لأنّ بطلانه من الوضوح بمكان. وبعد أن ذكرنا لك المقدّمات الثلاث أوّلاً فلا بدّ أن يتوضّح لك مورد الاستدلال بما رويا. وأمّا ما ذكرته من المراد بالزكاة حالة الركوع فهو موضّح في جواب الأسئلة الأُخرى؛ فراجع! ودمتم في رعاية الله