السلام عليكم
ماحكم ضرب الأب لأبنته التي لم يتجاوز عمرها الستة عشر عاماً، لأني رفضت بيع الآيباد الخاص بي.. فقام بضربي بالحزام أكثر من مرة، وجرني من شعري وثاني مرة ضربني بسبب عدم ردي عليه لأنني كنت أبكي ورفضت الرد لأنه يظهر بصوتي أنني أبكي.. وما الحكم فإنهُ يقوم بأهانتي بألفاظ بذيئة، لأنني رفضت صب الشاي لأخي الصغير، وبقيَ على هذا الحال لمدة أسبوع..
والمرة الثالثة أيضاً أخي ضربني فقمت بضربه ضربة خفيفة فقام والدي بالبصق في وجهي وقال لي اهينكِ بالبصق في وجهك فقلت له أنتم تهينون أنفسكم، وقام بضربي ع رأسي بقوة..
أتمنى الرد.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
إبنتي الكريمة..
إن الله تبارك وتعالى، قد أوجب وشرع أنظمة وقوانين، بأدق التفاصيل، وجعل حقوق وواجبات على كل فرد منا.. فإن على الوالدين واجبات وحقوق.. ولهما واجبات وحقوق كذلك.. ومن عرف تكليفه وأداه بصورة صحيحة، فمما لا شك فيه أن الحياة تكون بأحسن حال والعلاقات الأسرية بأبهى صورة..
يقول تعالى : ﴿ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا﴾
[ الكهف: 88].. ويقول تعالى : [وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ] (46) سورة الرحمن..
وفي المقابل، إذا كان الإنسان خارج عن الطاعة، ولا يكترث بالواجبات، فإن النتيجة تكون عكسية.. يقول تعالى : [وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ] (124) سورة طه..
جاء عن أبي الحسن (موسى بن جعفر عليه السلام ) قال: " جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال:، يا رسول الله ما حق إبني هذا؟ قال: تحسن إسمه وأدبه، وضعه موضعاً حسناً ".
وسأله رجل فقال: يا رسول الله من أبر؟ قال: بر والديك. قال: ليس لي والدان. قال: بر ولدك، كما أن لوالديك عليك حقاً كذلك لولدك عليك حقاً ".
وقال (صلى الله عليه وآله): " رحم الله والداً أعان ولده على بره " (أي لم يحمله على العقوق بسوء عمله)..
ومن واجبات الوالدين أن يحسنوا تربية أطفالهم وينفقوا عليهم مع الحاجة..
كذلك يجب عليهم تربيتهم بما تتوقّف عليه تنشئتهم نشأة دينيّة صالحة..
وواجب على الأب أن يصون الولد عمّا يفسد أخلاقه ويؤدّي إلى إنحرافه، فيكون حريصاً عليه كل الحرص..
كما أنه إذا توقّف التأديب على إعمال القوّة والضرب جاز، ولكن على الأحوط لزوماً أن لا يتجاوز في ذلك ثلاث جلدات وأن يكون برفق بحيث لا يوجب ذلك احمرار البدن أو اسوداده، وفي جوازه بالنسبة للبالغين إشكال فالأحوط لزوماً تركه.. فلا يضرب البالغ مطلقاً على الأحوط لزوماً (هذا كله في حال توقف إصلاحه على ذلك، حرصاً من الأب على ذريته، وأن لا يكون الضرب تشفياً أو إنتقاماً، بل لابد من كونه برفق)..
أما بالنسبة للذرية :
يجوز للولد أن يناقش والديه فيما لا يعتقد بصحّته من آرائهما، ولكن عليه أن يراعي الهدوء والأدب في مناقشته، فلا يحدّ النظر إليهما ولا يرفع صوته فوق صوتهما فضلاً عن استخدام الكلمات الخشنة معهما..
أما ما هو الواجب أحدهما على الآخر، فهو :
الأول : الإحسان اليهما بالانفاق عليهما إن كانا محتاجين ، وتأمين حوائجهما المعيشية ، وتلبية طلباتهما فيما يرجع إلى شؤون حياتهما في حدود المتعارف والمعمول ، حسبما تقتضيه الفطرة السليمة ، ويعدّ تركها تنكراً لجميلهما عليه ، وهو أمر يختلف سعة وضيقاً بحسب إختلاف حالهما من القوة والضعف..
الثاني: مصاحبتهما بالمعروف ، بعدم الإساءة اليها قولاً أوفعلاً وإن كانا ظالمين له ، وفي النص : ( وإن ضرباك فلا تنهرهما وقل : غفر الله لكما)..
هذا فيما يرجع إلى شؤونهما وأما فيما يرجع إلى شؤون الولد نفسه ، مما يترتب عليه تأذّي أبويه فهو على قسمين :
١- أن يكون تأذّيه ناشئاً من شفقته على ولده ، فيحرم التصرّف المؤدّي إليه سواء نهاه عنه أم لا..
٢- أن يكون تأذّيه ناشئاً من اتصافه ببعض الخصال الذميمة ، كعدم حبّه الخير لولده دنيوياً كان أم اخروياً ، ولا أثر لتأذّي الوالدين إذا كان من هذا القبيل ، ولا يجب على الولد التسليم لرغباتهما من هذا النوع ، وبذلك يظهر أن إطاعة الوالدين في أوامرهما ونواهيهما الشخصية غير واجبة في حد ذاتها..
وبقي أمر لابد من ذكره، وهو :
كل ما تقدم يبين الحد الأدنى أو الأعلى في طرق التعامل ومعرفة الواجب من غيره على كل فرد..
لكن يبقى للصبر والإحسان والتحمل، موضع في نفس المكلف.. فمن أُبتلي بأب ٍ أو أُم ٍ لا مراعاة له (أو لها) فيما حدده الله وشرعه، وتمادى في التربية في غير حدها، وكان الفهم قاصراً منه، نتيجة الترسبات والعادات التي لم ترتوي من منبع الشريعة، فكان قاسياً أو شديداً.. فعلى الإبن أو البنت جعل ذلك كله (من الصبر وعدم أذية الأبوين) في خانة (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ... المزید)
بل حتى لو أنهما كانا يقترفان أعظم ذنب (وهو الشرك بالله) فصحيح لا طاعة لهما بذلك علينا، ولكن تبقى المعاملة الحسنة لهما.. يقول تعالى : [وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ] (15) سورة لقمان..
وأختم بما أعده الله سبحانه وتعالى للصابرين..
[قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ ۗ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ ۗ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ] (10) سورة الزمر..
والله المستعان.