عبد الرحيم - إسبانيا
منذ 4 سنوات

 تغاير آيتي التطهير والتخيير في سبب ووقت النزول

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنّ آية التطهير لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي تابثة لهم قبل نزول الآية, وإنّما جاءت لتطهّر تشريعياً المحيط الذي يعيش فيه أهل البيت(عليهم السلام) كرامة للعصمة الذاتية التي خصهم الله بها، ولذلك فهي جاءت في سياق الأوامر الموجهة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم). أي إنّ الغاية من الأوامر المشددة لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومضاعفة الثواب للمحسنة منهن وضعف العذاب لمن أساءت منهن, هو إبعاد الرجس عن بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، باعتبار أنّ من تعمل الرجس من نساءه فقد ارتكبت الإثم والإساءة لآل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في وقت واحد, فتعاقب على الإثم وعلى الإساءة. ولذلك فالإرادة هنا تشريعية، أيّ أنّ هذه الآية لا تعصم من وجهّت إليهن الأوامر المشدّدة من المعصية. أمّا إذا أردنا إثبات العصمة لآل البيت(عليهم السلام)، فيكفي أنّا نصلّي عليهم في صلاتنا (...كما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد)، فلأنّه تعالى حميد مجيد، فقد صلّى وبارك على آل محمّد وعلى آل إبراهيم في العالمين، أيّ عالم الدنيا والآخرة، كما أخبر الله تعالى، فقال له الله: (( إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الغَاوِينَ )) (الحِجر :42)، فهم عباد الله المخلصون (بفتح اللام). ألم تقرأ قوله تعالى عن يوسف(عليه السلام): (( كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ )) (يوسف:24) (بالفتح)، ولم يقل سبحانه: كذلك لنصرفه عن السوء والفحشاء، أنّ يوسف(عليه السلام) صامد على عبوديته لله، والسوء والفحشاء هم الذين يقتربون منه, فتدخل الله ليصرف عنه ما اقترب منه بمعجزة فتح الباب الذي أغلقته إمرأة العزيز, كذلك: ليذهب عنكم أهل البيت ما قد يلحقكم من أذى في حال عصيان نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لله ولرسوله, وليس: ليذهبكم عن الرجس، فهم صامدون على عبوديتهم لله تعالى.


الأخ عبد الرحيم المحترم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأول: الظاهر من كلامك الأوّل حدوث خلط بين الإنشاء والإخبار! فإنّ الإنشاء هو جعل حكم لشيء، والإخبار هو الإخبار عن شيء واقع سابقاً على ما هو عليه. ولذا فالآية هنا إخبار عن وجود العصمة لأهل البيت(عليهم السلام) واستمرارها، وكلامك ((لم تخبر بعصمة آل البيت(عليهم السلام) الذاتية فهي ثابتة لهم قبل نزول الآية)) وهم! وأمّا استدلالنا بالآية على عصمتهم(عليهم السلام) فهو في مقام الإثبات لا في مقام الثبوت - أيّ الواقع - فإنّ العصمة ثابتة لهم في جميع الأزمنة، ولكن نحن نستدل لإثبات وجودها بهذه الآية. الثاني: إنّ متعلق الإذهاب هم أهل البيت(عليهم السلام) في الآية لا نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، حتى يصح ما قلته ((إنّما جاءت لتظهر تشريعياً))! فإنّ الكلام حول الآية بالذات هل هي تشريعية أو تكوينية؟ فلا تخلط بها الآيات التي سبقتها! نعم، المجيء بها في هذا الموضع؛ فيه إشارة للنساء بفضيلة هذا البيت وما يتوجب عليهن نحوه كما أشرت أنت. نعم، حثّ النساء في الآيات الخاصّة بهن تشريع لهن، لكنه لا يتعارض مع الإرادة التكوينية الخاصّة بأهل البيت(عليهم السلام) في الآية حتى تنقلب الإرادة تشريعية. الثالث: أمّا اعتبار الإرادة الواردة في الآية الكريمة تشريعية، فيرد عليه محذور أنّ الحصر في غير محله، فالتشريع بطلب التطهّر - لو حملنا الإرادة في الآية على التشريع دون جعل العصمة - لا وجه في إختصاصه بأهل البيت(عليهم السلام) دون غيرهم، إذ ما وجه التشريع بطلب التطهّر من الذنوب وعمل المعاصي من جماعة دون جماعة، وروح الشريعة من هذه الناحية واحدة، إذ المطلوب من الجميع أن يكونوا منزهين عن ارتكاب الذنوب واجتراح المعاصي.. فلا محيص من حمل الآية على الإرادة التكوينية، والتي يستفاد منها جعل العصمة لأهل البيت(عليهم السلام)، وهذا هو الذي فهمه المفسرون من الآية الكريمة. قال الطبري في تفسيره: (( (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) (الاحزاب:33)، يقول: إنّما يريد الله يذهب عنكم السوء والفحشاء يا أهل بيت محمّد(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويطهّركم من الدنس الذي يكون في أهل معاصي الله تطهيراً.. ثم قال: وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.. حدّثنا بشر، قال: ثنا زيد، قال: ثنا سعيد بن قتادة، قوله: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) فهم أهل بيت طهّرهم الله من السوء، وخصّهم برحمة منه.. وروى أيضاً عن ابن زيد قوله: الرجس ها هنا: الشيطان)) (1) . وقال ابن عطية الأندلسي (المتوفى456هـ) في (المحرر الوجيز): ((والرجس: اسم يقع على الأثم والعذاب، وعلى النجاسات والنقائص، فأذهب الله جميع ذلك عن أهل البيت(عليهم السلام) )) (2) . الرابع: دعوى أنّ الآية نزلت بحقّ نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، يخالفه ظهور الخطاب في ميم الجمع الذي يخاطب به الأعم من الذكور والإناث. ولو سلمنا دخول النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في الخطاب، لا يستقيم عندها قولكم: أنّ العصمة الذاتية ثابتة لأهل البيت(عليهم السلام) (محمد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين)، إذاً ما فائدة خطاب المعصوم بتشريع يطالبه بالإجتناب عن الذنوب، أليس هذا تحصيل للحاصل، وهو محال؟! ودمتم برعاية الله