logo-img
السیاسات و الشروط
رياض ( 19 سنة ) - العراق
منذ سنتين

موضوع

ارجو تفسير هذه الآية ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدرِهِ وَالأَرضُ جَميعًا قَبضَتُهُ يَومَ القِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطوِيّاتٌ بِيَمينِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشرِكونَ﴾ وهل لله يدان؟


وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما جواب السؤال الثاني: إن الله ليس لديه يدين، وهنا التعبير مجازي، ويعني به قدرة الله، كما ستعرف في جواب السؤال الأول، في تفسير الآية ٦٧ من سورة الزمر المذكورة في السؤال.. وأما جواب السؤال الأول: تفسير الآية: ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، في تفسيره تفسير الامثل جزء ١٥ صفحة ١٤٣ في تفسير الاية ٦٧ من سورة الزمر: (( ‏ ... المزید الآية الأخيرة في بحثنا هذا تكشف عن الجذر الرئيسي لانحرافهم، و تقول: ‏وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ‌. و لهذا تنزلوا باسمه المقدس حتی جعلوه رديفا للأوثان!! نعم، فمصدر الشرك هو عدم معرفة البارئ عزّ و جلّ بصورة صحيحة، فالذي‌ يعلم: ‏أوّلا: أنّ اللّه مطلق و غير محدود من جميع النواحي. ‏و ثانيا: أنّه خالق كلّ الموجودات التي تحتاج إليه في كلّ لحظة من لحظات وجودها. ‏و ثالثا: أنّه يدير الكون و يحل كلّ عقد المشاكل، و أنّ الأرزاق بيده، و حتی الشفاعة إنّما يتمّ بإذنه و أمره، فما معنی توجه من يعلم بكلّ هذه الحقائق إلی غير اللّه. ‏و أساسا فإنّ وجود مثل هذه الصفات في موجودين اثنين أمر محال، لأنّه من غير الممكن عقلا وجود موجودين مطلقين من جميع الجهات. ‏ثمّ يأتي القرآن بعبارتين كنائيتين بعد العبارة السابقة، وذلك لبيان عظمة وقدرة البارئ عزّ وجلّ، إذ يقول كلام اللّه المجيد: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ‌. ‏«القبضة»: الشي‌ء الذي يقبض عليه بجميع الكف، تستخدم- عادة- للتعبير عن القدرة المطلقة و التسلط التام، مثلما نقول في الاصطلاحات اليومية الدارجة: ‏إن المدينة الفلانية هي بيدي، أو الملك الفلاني هو بيدي و في قبضتي. ‏«مطويات»: من مادة (طي) و تعني الثني، و التي تستعمل أحيانا كناية عن الوفاة و انقضاء العمر، أو عن عبور شي‌ء ما. ‏و العبارة المذكورة أعلاه استخدمت بصورة واضحة بشأن السماوات في الآية (١٠٤) من سورة الأنبياء يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ‌. ‏فالذي يثني طومارا و يحمله بيده اليمنی يسيطر بصورة كاملة علی الطومار الذي يحمله بتلك اليد، و انتخبت اليد اليمنی هنا لأن أكثر الأشخاص يؤدون أعمالهم المهمّة باليد اليمنی و يحسون بأنّها ذات قوة و قدرة أكثر. ‏خلاصة الكلام، أنّ كلّ هذه التشبيهات و التعابير هي كناية عن سلطة اللّه‌ المطلقة علی عالم الوجود في العالم الآخر، حتی يعلم الجميع أن مفتاح النجاة و حل المشاكل يوم القيامة هو بيد القدرة الإلهية، كي لا يعمدوا إلی عبادة الأصنام و غيرها من الآلهة بذريعة أنّها ستشفع لهم في ذلك اليوم. ‏و لكن هل أنّ السماء و الأرض ليستا في قبضته في الحياة الدنيا؟ فلم الحديث عن الآخرة؟ ‏الجواب: إنّ قدرة البارئ عزّ و جلّ تظهر و تتجلّی في ذلك اليوم أكثر من أيّ وقت مضی، و تصل إلی مرحلة التجلّي النهائي، و كل إنسان يدرك و يشعر أنّ كلّ شي‌ء هو من عند اللّه و تحت تصرفه. إضافة إلی أنّ البعض اتجه إلی غير اللّه بذريعة أنّ أولئك سينقذونه يوم القيامة، كما فعل المسيحيون، إذ أنّهم يعبدون عيسی عليه السّلام متصورين أنّه سينقذهم يوم القيامة، و طبقا لهذا فمن المناسب التحدث عن قدرة البارئ عزّ و جلّ في يوم القيامة. ‏و يتّضح بصورة جيدة ممّا تقدم أنّ طابع الكناية يطغی علی هذه العبارات، و بسبب قصور الألفاظ المتداولة فإنّنا نجد أنفسنا مضطرين إلی صبّ تلك المعاني العميقة في قو هذه الألفاظ البسيطة، و لا يرد إمكانية تجسيم البارئ عزّ و جلّ من خلالها، إلّا إذا كان الشخص الذي يتصور ذلك ذا تفكير ساذج و عقل بسيط جدّا، حيث نفتقد ألفاظا تبيّن مقام عظمة البارئ عزّ و جلّ بصورة واضحة، إذن فيجب الاستفادة بأقصی ما يمكن من الكنايات التي لها مفاهيم كثيرة و متعددة. ‏علی أية حال، فبعد التوضيحات التي ذكرت آنفا، يعطي البارئ عزّ و جلّ في آخر الآية نتيجة مركزة و ظاهرية، إذ يقول: سُبْحانَهُ وَ تَعالی‌ عَمَّا يُشْرِكُونَ‌. ‏فلو لم يكن بنو آدم قد أصدروا أحكامهم علی ذات اللّه المقدسة المنزهة وفق مقاييس تفكيرهم الصغيرة و المحدودة، لما انجر أحد منهم إلی حبائل الشرك و عبادة الأصنام.)) ودمتم بخير.