وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا وسهلا بالسائل الكريم
العثرة بمعنى السقوط إلى الأرض، وهي أمر طبيعي في حياة الإنسان، لأنّه ليس كائناً معصوماً، لاسيما وأنّه كثيراً ما تبهره زخارف الدنيا وزينتها، ولذلك يقترف الذنوب، ويتعدّى على حقوق الله أو الناس.
والنبيّ (صلى الله عليه وآله) يوصى أبا ذر رضوان الله تعالى عليه ويذكّره خطر العثرة والسقوط، لئلاّ تتبدّل عثرته إلى صرعة.
إنّ من السقطات الصغيرة التي يتعرّض لها الإنسان في الدنيا ما تعيقه وتعجزه عن القيام مرّة أخرى، شأنه في ذلك شأن المصاب بمرض بسيط، ولكنّه يغفل عن معالجته حتى يستفحل عليه ويتسبّب له بأمراض خطيرة ومميتة.
إلا أنّ ما يقصده النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) من تحذيره أبا ذر من السقوط، ليس هو السقوط الجسماني والمادّي منه، بل هو السقوط المعنوي، وإذا ما حدث ذلك، فينبغي الإسراع إلى معالجة الأمر، لئلاّ يتحوّل إلى صرعة دائمة مميتة.
قد يحدث أن يصاب جسم الإنسان بجرح عميق، ولكن من شأن هذه الإصابة أن تلتئم في حال المعالجة والعناية الدقيقة، وهكذا هو شأن العثرة المعنويّة، فالذنب والسقوط، مهما عظم وكبر، فإنّ رحمة الله المطلقة وعفوه اللامحدود يُجبران زلّة الإنسان، إن هو أراد التوبة، أمّا إذا عتا واستكبر، فسيذوق وبال أمره، عاجلاً أم آجلاً.
إنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي لم يكن شخصاً مجرماً قاتلاً في بداية حياته، بل قيل إنّه كان من أهل الصلاة والصيام، بل كان إماماً للجماعة، فكيف تحوّل هذا الشخص إلى طاغية جبار كما هو معروف عنه؟!
لقد أصبح الحجّاج حاكماً دموياً بفعل عثراته المتعاقبة وغفلاته المتتالية، حتى كانت عاقبة عثرته الأولى صرعة قاضية في نهاية المطاف.
لهذا وغيره، أوصى أهل البيت سلام الله عليهم أصحابهم مراراً وتكراراً أن يحاسبوا أنفسهم كلَّ يوم. وقد أورد علماؤنا الأعلام ومحدّثونا العظام في كتبهم ـ مثل: أصول الكافي، وبحار الأنوار ـ باباً تحت عنوان «باب محاسبة النفس كل يوم». وهذه الوصايا الكريمة كلّها من أجل الحذر من العثرة، ولئلاّ تُبدّل ـ والعياذ بالله ـ إلى صرعة.
وأكثر من ذلك، هناك من العثرات الفرديّة ما يسري خطرها إلى الجماعة، فمثلاً: إذا كان ربّ البيت سيّئ الخُلُق، فإنّه سيؤثّر شيئاً فشيئاً في سائر أفراد الأسرة. وهكذا سيكون تأثير سوء الخلق لدى الحاكم أو المسؤول أكثر بكثير منه في الأفراد العاديين في المجتمع. كما أنّ الخطر الذي يحدق بالمتسلّق الواقف على قمّة الجبل، أكثر بدرجات من الخطر الذي يهدّد من لم يبدأ الصعود بعد. ولذلك كان الحذر المطلوب من الأوّل أكثر أيضاً، ومن ثم لو زالت قدمه قليلاً، فعليه الإسراع والمبادرة إلى تدارك موقفه، والرجوع بقدمه إلى حيث كانت، وإلا فإنّ الهلاك والموت مصيره المحتوم. (منقول)