رفع أجساد الأنبياء إلى السماء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . تحيتنا وسلامنا لسماحة آية الله السيد جعفر مرتضى العاملي حفظه الباري . . فإنه ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : ما من نبي ، ولا وصي نبي ، يبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيام ، حتى ترفع روحه ، ولحمه ، وعظمه ، إلى السماء ، وإنما تؤتى مواضع آثارهم ، ويبلّغونهم من بعيد السلام ، ويسمعونهم في مواضع آثارهم من قريب . وورد أيضاً عن الصادق ( عليه السلام ) : لا تمكث جثة نبي ، ولا وصي نبي ، في الأرض أكثر من أربعين يوماً . 1 - كيف الجمع بين هذين الخبرين بالنسبة إلى الثلاثة أيام والأربعين يوماً ؟ . . 2 - كيف الجمع بين هذين الخبرين ، وبين الأخبار الكثيرة الدالة على بقاء أبدانهم ( عليهم السلام ) في الأرض ، كأخبار نقل عظام آدم ( عليه السلام ) ، ونقل عظام يوسف ( عليه السلام ) ؟ . 3 - كيف الجمع بين أخبار نقل عظام آدم ( عليه السلام ) ، وعظام يوسف ( عليه السلام ) ، وبين ما دل على أن أجساد الأنبياء والأوصياء لا تبلى ولا تأكلها الأرض ؟ . ودمتم عزاً وذخراً أيها المدافع عن أهل البيت . .
الجواب : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . . فإن رفع الأجساد إلى السماء ، ليس بالأمر الذي يصح التشكيك فيه ، بعد تصريح القرآن ، وتواتر الحديث به . . فإن معراج نبينا الأعظم بجسده وروحه ، ثابت بلا ريب ، وقد أشارت إليه آيات القرآن الكريم [1] . . والأحاديث الشريفة المتواترة . . وهذا دليل على الوقوع فضلاً عن الإمكان . . كما أن الله تعالى قد أشار إلى رفع النبي إدريس عليه السلام ، إلى السماء * ( وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً ) * [2] . وقد صرحت الروايات بأن الله تعالى قد قبض روحه هناك [3] . . كما أن النبي عيسى عليه السلام ، قد رفعه الله إليه ، كما صرحت به الآيات الكريمة . قال تعالى : * ( إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ) * وقال : * ( بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ) * [4] والروايات قد أكدت ذلك أيضاً [5] . .غير أن الكلام إنما هو في أن أجساد الأنبياء والأوصياء ، هل تبقى بعد موتهم في قبورهم ؟ ! أم أنها ترفع إلى السماء ؟ ! . . وعلى الثاني ، هل تبقى في السماء ، أم أنها تبقى مدة في السماء ثم تعود إلى القبور ؟ ! . . هذه هي الأسئلة المطروحة . . وللإجابة عليها نقول : قد نجد من يقول بأنها تبقى في القبور ، وإن كانت لا تفنى من حيث إن الله سبحانه ، قد حرم لحومهم ( عليهم السلام ) على الأرض [6] . . ولكن قد ذكر الشيخ المفيد ، والكراجكي ، والفيض الكاشاني ، وغيرهم : أن فقهاءنا وعلماءنا متفقون على أن أجساد الأنبياء والأئمة صلوات الله وسلامه عليهم ، ترفع بعد دفنها إلى السماء . . وذلك استناداً إلى روايات رأوا أنها دالة على ذلك . . وأما أحاديث تحريم لحومهم على الأرض ، فلا تنافي هذه الروايات ، لأنها ساكتة عن أمر الرفع وعدمه ، فيمكن أن يكون عدم أكل الأرض للحومهم عليهم السلام ، بسبب عدم بقائهم فيها ، ويمكن أن يكون ذلك مع بقائهم ، وعدم فنائهم . . وقد حاولنا تتبع هذه الروايات وجمعها ، فوجدنا منها طائفة صرح العلماء بالاستناد إليها ، بالإضافة إلى بضع روايات أخرى يمكن أن يستدل بها على ذلك أيضاً . . ثم وجدنا طائفة أخرى من الروايات تدل على خلاف ذلك ، وهي كثيرة أيضاً . . ونحن نذكر هنا ما عثرنا عليه من هذه الطائفة وتلك ، ثم نعقب عليها بما يقتضيه المقام . . فنقول : الطائفة الأولى : ما يدل على أن أجساد الأنبياء في قبورهم ، وهي كثيرة ، كاد بعضهم أن يصرح بتواترها ، ونذكر منها ما يلي : 1 - روي : أن الناس قحطوا في سر من رأى ، فأمر الخليفة بصلاة الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيام متتالية يستسقون ، فما سقوا . . فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ، ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلما مد يده إلى السماء ، هطلت السماء بالمطر ، وفعل مثل ذلك في اليوم الثاني . . فشك أكثر الناس ، وتعجبوا ، ومالوا إلى النصرانية ، فبعث الخليفة إلى الإمام الحسن العسكري - وكان محبوساً - فاستخرجه من حبسه ، وطلب منه حسم الأمر . . فخرج الجاثليق في اليوم الثالث ، والرهبان معه ، وخرج الإمام عليه السلام في نفر من أصحابه . . " فلما بصر بالراهب ، وقد مد يده ، أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ، ويأخذ ما بين أصبعيه . ففعل ، وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود . فأخذه الحسن عليه السلام بيده ، ثم قال له : استسق الآن ، فاستسقى - وكانت السماء متغيمة - فانقشعت ، وطلعت الشمس بيضاء . . فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمد ؟ ! . . فقال عليه السلام : هذا رجل مر بقبر نبي من أنبياء الله ، فوقع بيده هذا العظم ، وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر . . " [7] . 2 - وروي أن الإمام الصادق عليه السلام ، قال للمفضل بن عمر : " إذا أردت زيارة أمير المؤمنين ، فاعلم أنك زائر عظام آدم ، وبدن نوح ، وجسم علي بن أبي طالب . . " . ثم يذكر أن الله تعالى أوحى إلى نوح عليه السلام ، أن استخرج من الماء تابوتاً فيه عظام آدم ، وأن نوحاً قد فعل ، وأن عظام آدم كانت مع نوح في السفينة ، فلما خرج منها صير قبره تحت المنارة التي بمسجد نبي . . إلى أن قال : " . . فإذا أردت جانب النجف ، فزر عظام آدم ، وبدن نوح ، وجسم علي بن أبي طالب " [8] . . 3 - الحديث الذي يدل على نقل عظام النبي يوسف عليه السلام ، حيث روي أن الله سبحانه أوحى إلى النبي موسى بن عمران عليه السلام ، أن أخرج عظام يوسف بن يعقوب من مصر ، فأخرجه في صندوق من مرمر إلى الشام . . [9] . 4 - قد ذكروا : أن إبراهيم الديزج قد نبش قبر الإمام الحسين عليه السلام ، بأمر من المتوكل ، فوجده طرياً ، على بارية جديدة . . [10] . 5 - إنهم يقولون : إنهم حفروا في الرصافة بئراً ، فوجدوا فيها شعيب بن صالح [11] . ويروى أن أبا هارون العبدي " المكفوف " قد دخل على الإمام الصادق ( عليه السلام ) وأنشده قوله في رثاء الإمام الحسين ( عليه السلام ) : أمرر على جدث الحسين * وقل لأعظمه الزكية يا أعظماً لا زلت من * وطفاء ساكبة روية [12] ولم يعترض عليه الإمام ( عليه السلام ) فلم يقل له : إن جسد الحسين ليس موجوداً في ذلك الجدث ، بل هو في السماء . مع ملاحظة : أن الحديث عن الأعظم الزكية من قبل الشاعر يراد به الحديث عن الجسد كله ، ولا يراد به الإشارة إلى فنائه . فذلك كله يدل على أن أجساد الأنبياء والأوصياء موجودة في القبور ، ولم ترفع إلى السماء . ونحن لا بد لنا هنا من إلقاء نظرة على الروايات المذكورة لكي نرى إن كانت تكفي للدلالة على المدَّعى أم لا ، فنقول : إننا لا يمكننا قبول دلالة الحديث الذي ذكر : أن نصرانياً وجد عظم نبي فكان يكشفه للسماء ، فيهطل المطر ، وقد أخذه الإمام العسكري عليه السلام منه ، فلم يعد يقدر على الاستسقاء - نعم لا نقبل دلالة هذا الحديث على أن الأنبياء لا بد أن يكونوا في قبورهم بالفعل . . وذلك لعدة أسباب : أولاً : لقد دلت الروايات على أن الله قد حرم لحوم الأنبياء على الأرض مع أن هذه الروايات تقول : إن أجسادهم فنيت ، وبقيت عظام منها . . وقد أثبتت الوقائع : أن أجساد بعض المؤمنين والشهداء ، ومنهم الحر بن يزيد الرياحي قد بقيت غضة طرية رغم توالي القرون والأحقاب . كما أن الروايات قد دلت على أن من يواظب على غسل الجمعة ، لا يفنى جسده ، كرامة من الله تعالى له . إلا أن يقال : إن الحديث الوارد عن النبي صلى الله عليه وآله ، يقول : " إن الله حرم لحومنا على الأرض ، الخ . . " [13] وليس بالضرورة أن يكون الضمير في هذا الخبر راجعاً للأنبياء ، فلعله صلى الله عليه وآله ، يتحدث عن نفسه ، وعن أهل بيته الطاهرين . . ثانياً : إنه ليس بالضرورة أن يكون العظم الذي أخذه ذلك الراهب من الأجزاء المتصلة بالجسد ، فقد يكون عظماً من قبيل الضرس ، أو السن ، أو الظفر المدفون مع الجسد ، حيث يستحب دفن هذه الأجزاء ، التي تؤخذ من الجسد حال الحياة . . وربما يشير إلى ذلك ما أظهرته الرواية المشار إليها ، من صغر حجم ذلك العظم ، حتى إن الراهب قد وضعه بين إصبعيه : السبابة والوسطى . . وإذا كان الأمر كذلك ، فإن الحصول على هذا العظم لا يتناقض مع النصوص القائلة : إن أجساد الأنبياء لا تفنى ، فلعل الجسد باق ، وقد بقي معه ما دفن من أجزاء منفصلة عنه . . كالظفر ، والسن ، وما إلى ذلك . . بل إن الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة قد دلت على أن المجرمين والطغاة كانوا يقتلون النبيين بغير حق ، وكانوا يقطعون أجسادهم بالمناشير . . فلعل هذا الجزء من ذلك الجسد الطاهر قد قطع ثم دفن . وهو لم يفن بعد . . حديث زيارة عظام آدم ويوسف : وأما بالنسبة لحديث المفضل بن عمر ، حول زيارة عظام النبي آدم ، وبدن النبي نوح ، وجسم الإمام علي عليهم السلام ، فنقول : أولاً : إن الحديث لا يصرح بموضع وجود تلك العظام ، وذلك البدن ، أو الجسد ، فلعلها رفعت في السماء ، لكن زيارتها في ذلك الموضع الذي كانت قد دفنت فيه توجب وصول السلام والزيارة إلى المزور عن قرب [14] ، لخصوصية في موضع الدفن . . ثانياً : قد يكون المراد بقوله : زر عظام آدم ، وبدن نوح ، وجسم علي ، هو التصريح بذلك في الكلام الذي يزورهم به ، فيقول مثلاً : السلام على بدن نوح ، أو عظام آدم . . ونحو ذلك . . وأما السبب في طلب هذا التصريح ، فيبقى سراً من الأسرار ، ليس لنا سبيل إلى معرفته . . ثالثاً : إننا حول نقل عظام النبي آدم والنبي يوسف ( عليهما السلام ) ، نقول : إنه لا بد من ثبوت ذلك بسند قابل للاحتجاج به . . رابعاً : لو سلمنا صحة الخبر بذلك ، فإننا نقول : إن وجود عظام النبي آدم في تابوت تحت الماء ، كما إن عظام النبي يوسف أيضاً قد استخرجت في صندوق من مرمر - يشير إلى أن تلك الجثة لم تكن قد دفنت بعد ، وأنها كانت مودعة في ذلك الموضع . . ربما ليتولى دفنها نبي من أولي العزم ، تشريفاً للنبي آدم وللنبي يوسف عليهما السلام ، وتكريماً لهما . . خامساً : إن نقل الميت من مكان إلى مكان ، يحتاج إلى مبرر وسبب أيضاً ، ولا نجد سبباً معقولاً يسمح بنبش قبر النبي يوسف عليه السلام ، إلا إذا كان هو الآخر ، قد وضع على سبيل الإيداع - لا الدفن - إلى أن تحين الفرصة لنقله إلى المكان الذي أعده الله ، ورضيه له ، على يد نبي من أنبياء الله تعالى . . بل لقد ذكر البحراني رحمه الله في الدرة النجفية : أن المستفاد من جملة الأخبار : أن دفن الميت إنما يقع في موضع تربته التي خلق منها . . فراجع صحيحة محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام : قال : من خلق من تربة دفن فيها . . وعن الصادق ( عليه السلام ) : إن النطفة إذا وقعت في الرحم بعث الله ملكاً ، فأخذ من التربة التي يدفن فيها ، فماثها في النطفة . فلا يزال قلبه يحن إليها حتى يدفن فيها . . فلعل نقل عظام النبي آدم ويوسف ، قد جاء على هذا السبيل ، أي أنه قد أودع أولاً في غير المكان المعد له . . ثم نقل ليدفن في تربته الحقيقية . . تذكير : إنه قد يظن البعض : أن التعبير بكلمة عظام النبي آدم ، يشير إلى فناء جسم هذا النبي الكريم ( عليه السلام ) . . غير أننا نقول : إنه بعد أن دلت الروايات على أن لحومهم محرمة على الأرض ، فإن ذلك يصلح قرينة على أنه عليه السلام ، قد أراد بالعظام جثة النبي آدم عليه السلام . . لكنه عبر بهذه الكلمة ، لأنه بالعظام يكون قوام البدن ، فحملها ونقلها ، حمل ونقل للبدن كله . . كما أن كون تلك العظام في التابوت المغمور بالمياه ، يشير إلى أن الأرض لم يكن لها مع بدنه عليه السلام ، صلة أو رابطة ، بل طريق إليه لتأكل منه أو تترك . . وأما ما ورد في الزيارة ، فنقول : إن الظاهر هو أن المراد تخصيص العظام للنبي آدم بالزيارة ، والبدن للنبي نوح ، والجسم للإمام علي صلوات الله وسلامه عليهم ، لحكمة يعلمها الله تعالى . . وربما يكون على طريقة التنويع في التعبير ، لغرض لا نعلمه . . إبراهيم الديزج وقبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) : وأما فيما يرتبط بما يزعمونه من أن الديزج قد نبش قبر الإمام الحسين عليه السلام ، بأمر المتوكل ، فلا يصح الاحتجاج به أيضاً ، وذلك لما يلي : أولاً : إن ذلك إنما يستند إلى إخبار الديزج نفسه ، وليس الديزج بمأمون ، بعد أن كان هو المتولي لحرث قبر الإمام الحسين ، وإجراء الماء عليه ، وقد أقر بأنه حتى بعد أن زعم أنه رأى جسد الإمام عليه السلام على بارية جديدة . لم يرتدع عن إجراء الماء عليه ، وانتهاك حرمته بأمور أخرى . ولعله بأقواله هذه يريد أن يخفف من انتقاد الناس ، ومقتهم له ، وأن يلطف الأمر ، وأن يتخلص من بعض ما لحق به من سوء السمعة بسبب فعله ذاك . . ثانياً : لو سلمنا صحة ما قاله الديزج ، فمن الذي قال : إن الذي شاهده هو خصوص جسد الإمام الحسين عليه السلام ، وما الذي أدراه به ، فلعله جسد بعض الشهداء الآخرين . . ثالثاً : لو سلمنا صدق الديزج فيما أخبر به ، فإننا نقول : إن ذلك لا يمنع من أن يكون الجسد قد تمثل له أو أنه عاد إلى ذلك المكان الطاهر في تلك اللحظات ، لحكمة بالغة أرادها الله سبحانه . . شعيب بن صالح : وأما فيما يرتبط بجثة شعيب بن صالح ، التي وجدت في بئر ، فإننا نقول : أولاً : من الذي قال : إن الجثة التي وجدوها هي جثة شعيب بن صالح ، فلعلها جثة رجل آخر مدفون هناك . . ثانياً : من الذي حدد لهم مكان دفن شعيب بن صالح ؟ ! . . وما مدى صدق من أخبرهم بمكان دفنه هذا ؟ ! . . ومن أين استقى معلوماته حول هذا الموضوع ؟ ! . . الطائفة الثانية : أما الروايات التي تشير إلى أن أجساد الأوصياء تكون في السماء مع أجساد الأنبياء ، فنذكر منها : 1 - ما روي عن حذيفة بن اليمان ، أنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " الأوصياء مع الأنبياء حيث كانوا . لو أن نبياً مات بالمغرب ، ومات وصيه بالمشرق ، لأمر الله تعالى الأرض أن تنقله إليه " [15] . 2 - روي : أن مما أوصى به الإمام علي ولده الإمام الحسن عليهما السلام ، قوله : " فإذا أردت الخروج من قبري ، فافتقدني ، فإنك لا تجدني ، وإني لاحق بجدك رسول الله صلى الله عليه وآله . واعلم يا بني ، ما من نبي وإن كان مدفوناً بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب ، إلا ويجمع الله عز وجل بين روحيهما ، وجسديهما ، ثم يفرقان فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره ، إلى موضعه الذي حط فيه ، الخ . . " [16] . 3 - عن سعد الإسكاف ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : لما أصيب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، قال للحسن والحسين ( عليهما السلام ) : غسلاني ، وكفناني ، وحنطاني ، واحملاني على سريري ، واحملا مؤخره تكفيا مقدمه ، فإنكما ستنتهيان إلى قبر محفور ، ولحد ملحود ، ولبن موضوع ، فألحداني ، وأشرجا اللبن علي ، وارفعا لبنة مما يلي رأسي ، فانظرا ما تسمعان . . فأخذا اللبنة من عند رأسه ، بعدما أشرجا عليه اللبن ، فإذا ليس في القبر شيء ، وإذا هاتف يهتف : أمير المؤمنين كان عبداً صالحاً ، فألحقه الله بنبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وكذلك يفعل بالأوصياء بعد الأنبياء ، حتى لو أن نبياً مات في المشرق ، ومات وصيه في المغرب ، لألحق الله الوصي بالنبي [17] . 4 - وفي نص آخر لوصية الإمام علي لولده : " ثم ضع علي سبع لبنات كبار ، ثم انظر ، فإنك لن تراني في لحدي . . " [18] . 5 - وفي حديث آخر عن أم كلثوم بنت علي ، تروي فيه حديث دفن أبيها الإمام علي عليه السلام : " قالت أم كلثوم : فانشق القبر ، فلا أدري أغار سيدي في الأرض ، أم أسري به إلى السماء . . " [19] . 6 - وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث . . [20] . 7 - عن الإمام الصادق عليه السلام : ما من نبي ولا وصي يبقى في الأرض بعد موته أكثر من ثلاثة أيام حتى ترفع روحه وعظمه ، ولحمه إلى السماء . وإنما تؤتى مواضع آثارهم ، ويبلغهم السلام من بعيد ، ويسمعونه في مواضع آثارهم من قريب [21] . 8 - عن أبي عبد الله عليه السلام : لا تمكث جثة نبي ولا وصي في الأرض ، أكثر من أربعين يوماً . . [22] . 9 - عن عبد الله بن بكير ، بعدما سأل الإمام الصادق عليه السلام عن مسائل عديدة ، قلت : جعلت فداك ، أخبرني عن الحسين عليه السلام ، لو نبش كانوا يجدون في قبره شيئاً ؟ ! . . قال : يا ابن بكير ، ما أعظم مسائلك ، إن الحسين مع أبيه ، وأمه ، وأخيه الحسن ، في منزل رسول الله صلى الله عليه وآله ، يحيون كما يحيى ، ويرزقون كما يرزق ، فلو نبش في أيامه ، لوجدوا . وأما اليوم فهو حي عند ربه يرزق ، وإنه لينظر إلى . . الخ . . [23] . وقفات مع الروايات : إننا بغض النظر عن اعتبار أسانيد هذه الروايات وعدمه ، نقول : إن لنا مع هذه الروايات عدة وقفات ، يمكن أن نعرضها ضمن العناوين التالية : إلحاق الوصي بالنبي بعد الموت : هناك عدة روايات تحدثت عن لحوق الوصي بالنبي بعد الموت ، ويرد عليها : أولاً : إن رواية حذيفة قد ذكرت أن الأرض هي التي تنقل جسد الوصي إلى النبي ، وهذا يعني : أن اللقاء بينهما سوف يكون في الأرض ، لا في السماء . . إذ لو كان في السماء ، فلا بد من أن يكون الناقل لجسده هو ملك أو غيره ، وليس الأرض نفسها . . ثانياً : لو سلمنا أنها لا تدل على ذلك ، فإننا نقول : إن الرواية لم تبين موضع هذا اللقاء بين النبي والوصي . . فلا بد من دليل آخر يستطيع إثبات : أنه سيكون في السماء . . وكذلك الحال بالنسبة للرواية الثانية ، وهي وصية الإمام علي عليه السلام ، لولده الإمام الحسن عليه السلام ، فإنها صريحة في أن النبي والإمام يرجعان إلى موضع قبريهما ، حيث قالت : ما من نبي ، وإن كان مدفوناً بالمشرق ، ويموت وصيه بالمغرب ، إلا ويجمع الله عز وجل بين روحيهما ، وجسديهما ، ثم يفرقان ، فيرجع كل واحد منهما إلى موضع قبره ، إلى موضعه الذي حط فيه . . ثالثاً : بالنسبة لرواية سعد الإسكاف حول موت أمير المؤمنين عليه السلام ، وفقدانه من قبره بعد وضعه فيه ، بعدما أشرجا عليه اللبن ، وأن الله تعالى ألحقه بنبيه ، نقول : إنها لم تبين لنا : إلى أين لحق به ، بل يظهر من التعبير بأنه يلحقه من المغرب إلى المشرق ، أن ذلك في الأرض ، لا في السماء . . وبذلك يتضح : أن الرواية التي تقول : إنه عليه السلام ، قال للإمام : ثم انظر ، فإنك لن تراني في لحدي . . وكذلك رواية أم كلثوم ، لا تدلان على أنه عليه السلام قد رفع إلى السماء أيضاً ، بل هما ساكتتان عن ذلك . . رواية الثلاثة أيام : أما ما روي من أن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث . . وحديث : لا تمكث جثة نبي ، ولا وصي في الأرض ، أكثر من أربعين يوماً . . فقد حاول البعض أن يسجل احتمال أن يكون المراد بقاءها على الأرض قبل أن تدفن . . وقد يؤيد هذا الاحتمال : بأن الرواية لم تصرح بإصعاد الجثمان إلى السماء . . كما أنه قد ورد في الروايات : أن بدن الإمام الكاظم ، وكذلك الإمام الهادي عليهما السلام ، قد بقيا ثلاثة أيام بلا دفن . . ويروي أهل السنة أيضاً مثل ذلك بالنسبة للرسول أيضاً ، وإن كنا نعتقد أنه دفن بعد ساعات من استشهاده صلى الله عليه وآله ، كما تدل عليه الشواهد القوية والحاسمة . . بل لقد روي : أن بدن الإمام الهادي عليه السلام قد بقي عشرة أيام بلا دفن أيضاً . . غير أننا نقول : إن جميع هذه المؤيدات لا تفيد ، إذ إن ظاهر الرواية يأبى ذلك ، فإنها قالت : لا يدعني في الأرض ، وكلمة " في " تشير إلى الظرفية ، ولو كان المراد هو ما ذكروه لكان الأنسب أن يقول : على الأرض . . إلا أن يقال : إن ذلك قد جاء على طريقة قوله تعالى : * ( وَهُوَ الْذِي فِي الْسَمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) * . . رفع الروح ، واللحم ، والعظم : وأما الرواية التي صرحت برفع روح النبي والوصي ، وعظمه ولحمه إلى السماء ، فلا بد من رد علمها إلى أهلها ، لأنها قالت : إن حال الروح حال العظم ، واللحم في ذلك . . مع أن الروح تصعد إلى بارئها بعد أن يقبضها ملك الموت ، فما معنى بقائها في الأرض مدة ثلاثة أيام ؟ ! . . إلا أن يقال : إن الروح بعد خروجها من الجسد تبقى قريبة منه طيلة هذه المدة وإن لم تكن حالةً فيه . . جسد الإمام الحسين ( عليه السلام ) : وحول ما نقله ابن بكير ، عن الإمام الصادق عليه السلام ، حول جسد الإمام الحسين عليه السلام ، نقول : ألف : قد يقال : إن الجهر بالقول بأن الإمام عليه السلام قد رفع إلى السماء ، ربما يؤدي إلى إثارة جو من التشكيك والإتهام ، وله سلبيات لا بد من تحاشيها ، وذلك الأمر الذي يفرض درجة من التحفظ على هذا الأمر ، والتزام جانب الحكمة ، في الإجابة على الأسئلة المرتبطة به . . ب : إن ابن بكير لم يسأل الإمام عن رفع جسد الإمام الحسين عليه السلام إلى السماء ، بل سأله عن أن جسده هل فني وبلي ، وصار تراباً ، كسائر الأبدان ؟ ! أم أنه باق على حاله ؟ ! . . فأجابه الإمام على حسب ما يليق بحاله ، أو بحسب الظروف المحيطة به ، فأكد له : أنه لو نبش القبر في الأيام الأولى لوجد الجسد على حاله . . وأما بعد مضي عشرات السنين ، فهو حي عند ربه يرزق . . ج : إن قوله ( عليه السلام ) : إنه حي عند ربه يرزق ، لا يثبت رفعه إلى السماء ، ولا ينفيه ، بل هو يتلاءم مع حالتي النفي والإثبات على حد سواء . د : كما أنه لا يثبت فناء الجسد ولا ينفيه ، بل هو إجابة فيها مراعاة لحال السائل ، الذي سوف يتفاجأ حتى لمجرد سماعه لخبر عدم فناء الجسد الطاهر ، فكيف لو أخبره بما هو أبعد من ذلك ، مثل رفعه إلى السماء مطلقاً ، أو لفترة محدودة . . ه : إن الأخبار قد دلت على أنه ليس للأرض في أبدانهم حقاً ، وأن الله قد حرم لحومهم عليها . . ولكن الإمام عليه السلام لم يرد أن يجيب ابن بكير حتى بذلك ، بل ترك الأمر بدون بيان . . ولعل هذا يؤيد أن لا تكون أجسادهم عليهم السلام موجودة في قبورهم . . النتيجة : وبعدما تقدم نقول : إنه قد ظهر أن أكثر الروايات المتقدمة لا يمكن الاستدلال بها على أن أجساد الأنبياء ترفع إلى السماء ، سوى رواية : أنا أكرم على الله من أن يدعني في الأرض أكثر من ثلاث . . ورواية : أكثر من أربعين يوماً . . مع احتمال أن يكون المراد بكلمة " في " في قوله : " في الأرض " ، ليس هو الظرفية ، بل الكينونة عليها بعد الموت قبل الدفن ، على حد قوله تعالى : * ( وَهُوَ الْذِي فِي الْسَمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ ) * [24] . . كما أنه يمكن أن يستدل برواية رفع الروح ، واللحم ، والعظم ، إذا قبلنا بالتوجيه الذي يقول : إن الروح تبقى قريبة من الجسد إلى أن ترفع معه إلى السماء . . الثلاثة أيام والأربعون : ولكن يبقى أنه لا بد من الجمع بين رواية الثلاثة أيام ، ورواية الأربعين . . ولم نجد في النصوص ما يصلح قرينة للجمع بين هذين النصين ، ولو بأن نحملهما على اختلاف درجات ومقامات الأنبياء ، سوى قوله صلى الله عليه وآله في الرواية نفسها : أنا أكرم على الله من أن يدعني . . الخ . . فإنه قد اعتبر ذلك من الكرامة الإلهية له صلى الله عليه وآله ، وليس في الأنبياء من يدانيه في ذلك ، فيكون إبقاؤه لمدة ثلاثة أيام فقط خاصاً به صلى الله عليه وآله ، وتمييزاً له عما عداه . . أما سائر الأنبياء ، حتى أولو العزم ، فإن الله أكرمهم برفعهم صلوات الله وسلامه عليهم وعلى نبينا وآله ، غير أنهم إنما يرفعون بعد مضي أيام قد تصل إلى الأربعين . . وإنما قلنا ذلك لأن لحن الكلام ، يقتضي أن يكون رقم " الأربعين يوماً " قد جاء لتحديد الغاية القصوى . . فلا مانع من أن يرفع بعضهم بعد موته بشهر ، أو أقل ، أو أكثر ، بحسب ما له من مقام عند الله تعالى . . والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين . . [1] سورة الإسراء الآية رقم 1 . وسورة النجم الآية 5 - 18 . [2] سورة مريم الآية 57 . [3] راجع : تفسير البرهان ج 3 ص 17 . [4] سورة آل عمران الآية 55 وسورة النساء الآية 158 . [5] راجع : تفسير البرهان ج 1 ص 285 . [6] قد دلت الروايات على ذلك ، فراجع : بصائر الدرجات ص 463 و 464 والبحار ج 22 ص 550 وج 27 ص 299 . [7] الخرائج والجرائح ج 1 ص 441 و 442 وأشار في هامشه إلى المصادر التالية : كشف الغمة ج 2 ص 429 وإثبات الهداة ج 6 ص 319 والبحار ج 50 ص 270 وحلية الأبرار ج 2 ص 502 ومناقب آل أبي طالب ج 3 ص 526 ومدينة المعاجز ط حجرية ص 574 والصراط المستقيم ج 2 ص 207 و 208 والفصول المهمة ص 269 ونور الأبصار ص 184 والصواعق المحرقة ص 124 ومفتاح النجا ص 189 ورشفة الصادي ص 196 وجواهر العقدين ص 396 . وراجع : إحقاق الحق ج 12 ص 264 / 266 عن بعض المصادر المتقدمة . . وراجع : الثاقب في المناقب ص 575 وينابيع المودة ج 3 ص 131 و 190 و 306 ووفيات الأئمة ص 405 . [8] المزار للمفيد ص 32 و 33 وكامل الزيارات ص 38 و 90 وفرحة الغري ص 73 و 74 و 101 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 23 ووسائل الشيعة ج 14 ص 385 ط مؤسسة أهل البيت ، والغارات ج 2 ص 854 والأنوار العلوية ص 430 ، والجواهر السنية ص 46 وبحار الأنوار ج 11 ص 268 و 333 وج 13 ص 127 و 129 و 130 وج 22 ص 293 وج 55 ص 171 وج 57 ص 208 وج 79 ص 66 و 67 وج 97 ص 131 و 258 ومستدرك سفينة البحار ج 7 ص 102 ومسند الإمام الرضا ج 1 ص 63 و 64 ومستند الشيعة ج 3 ص 286 جواهر الكلام ج 4 ص 344 ، ومستدرك وسائل الشيعة ج 2 ص 310 وتفسير العياشي ج 2 ص 145 و 146 وقصص الأنبياء للجزائري ص 93 . [9] الذكرى ص 65 وجامع المقاصد ج 1 ص 401 وروض الجنان ص 220 ومجمع الفائدة والبرهان ج 3 ص 504 والمزار ص 221 . [10] أمالي ( الطوسي ) ص 326 وبحار الأنوار ج 45 ص 394 والعوالم للشيخ عبد الله البحراني ص 724 ، ومستدرك سفينة البحار ج 8 ص 386 . [11] البحار ج 97 ص 131 . [12] بحار الأنوار ج 44 ص 287 و 288 ، والعوالم ص 541 ، والغدير ج 2 ص 235 / 236 . [13] راجع : بصائر الدرجات ص 463 و 464 والبحار ج 22 ص 550 . [14] قد دلت على ذلك بعض الأحاديث ، فراجع الحديث الذي يصرح فيه برفع العظم ، واللحم ، والروح إلى السماء ، وهو الآتي في ضمن القسم الثاني من الأحاديث التي ذكرت رفع أجساد الأنبياء والأوصياء إلى السماء . . [15] المزار للمفيد ص 193 وكنز الكراجكي ص 258 حديث 16 وبحار الأنوار ج 97 ص 131 وج 18 ص 298 . [16] بحار الأنوار ج 42 ص 292 . [17] المزار للمفيد ص 192 والبحار ج 42 ص 214 و 236 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 106 وإثبات الهداة ج 5 ص 2 وفرحة الغري ص 30 منشورات الرضي ، قم ، إيران ، وعن مناقب آل أبي طالب ج 1 ص 482 و 483 . [18] فرحة الغري ص 34 وبحار الأنوار ج 42 ص 215 . [19] فرحة الغري ص 35 والبحار ج 42 ص 216 . [20] بحار الأنوار ج 18 ص 298 وج 97 ص 131 وعن الأمالي للطوسي . [21] المزار للمفيد ص 189 والكافي ج 4 ص 567 وبصائر الدرجات ص 465 وكامل الزيارات ص 329 و 330 ومن لا يحضره الفقيه ج 2 ص 345 وتهذيب الأحكام ج 6 ص 106 والبحار ج 11 ص 67 وج 22 ص 550 وج 27 ص 299 و 300 وج 97 ص 129 و 130 ووسائل الشيعة ج 10 ص 254 . [22] البحار ج 97 ص 130 والتهذيب ج 6 ص 106 والمزار ص 189 . [23] كامل الزيارات ص 438 و 201 وبحار الأنوار ج 27 ص 300 وج 44 ص 292 ومقاتل الطالبيين ص 428 ووسائل الشيعة ط الإسلامية ج 10 ص 397 ومستدرك الوسائل ج 10 ص 230 ومدينة المعاجز ج 4 ص 217 والعوالم ( المجلد الخاص بالإمام الحسين ) ص 534 . [24] سورة الزخرف الآية 84 .