سلام عليكم ما تفسير الايتين الكريمتين :
(وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجى الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا )
فهل جميع الناس يدخلون جهنم حتى المؤمنين؟فما الحكمة من ذلك؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٩ - الصفحة ٤٨٩-٤٩٢:
يرى بعض المفسرين أن " الورود " هنا بمعنى الإقتراب والإشراف، أي إن جميع الناس بدون استثناء - المحسن منهم والمسئ - يأتون إلى جانب جهنم للحساب، أو لمشاهدة مصير المسيئين النهائي، ثم ينجي الله المتقين، ويدع الظالمين فيها. وقد استدل هؤلاء لدعم هذا التفسير بالآية (23) من سورة القصص: ولما ورد ماء مدين ... المزید حيث أن للورود هنا نفس المعنى.
والتفسير الثاني الذي اختاره أكثر المفسرين، هو أن الورود هنا بمعنى الدخول، وعلى هذا الأساس فإن كل الناس بدون استثناء - محسنهم ومسيؤهم - يدخلون جهنم، إلا أنها سيكون بردا وسلاما على المحسنين، كحال نار نمرود على إبراهيم يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، لأن النار ليست من سنخ هؤلاء الصالحين، فقد تفر منهم وتبتعد عنهم، إلا أنها تناسب الجهنميين فهم بالنسبة للجحيم كالمادة القابلة للاشتعال، فما أن تمسهم النار حتى يشتعلوا. وبغض النظر عن فلسفة هذا العمل،… فإن مما لا شك في أن ظاهر الآية يلائم وينسجم مع التفسير الثاني، لأن المعنى الأصلي للورود هو الدخول، وغيره يحتاج إلى قرينة. إضافة إلى أن جملة ثم ننجي الذين اتقوا وكذلك جملة ونذر الظالمين فيها كلتاهما شاهدتان على هذا المعنى. علاوة على الروايات المتعددة الواصلة إلينا في تفسير الآية التي تؤيد هذا المعنى، ومن جملتها:
روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري أن رجلا سأله عن هذه الآية، فأشار جابر بإصبعيه إلى أذنيه وقال: صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول:
" الورود الدخول، لا يبقى بر ولا فاجر إلا يدخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار - أو قال لجهنم - ضجيجا من بردها، ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا " (1).
وفي حديث آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي " (2)! ويستفاد هذا المعنى أيضا من بعض الروايات الأخرى. وكذلك التعبير العميق المعنى للصراط، والذي ورد في روايات متعددة بأنه جسر على جهنم، وأنه أدق من الشعرة وأحد من السيف، هذا التعبير شاهد آخر على هذا التفسير (1).
أما ما يقوله البعض من أن الآية (101) من سورة الأنبياء: أولئك عنها مبعدون دليل على التفسير الأول، فلا يبدو صحيحا، لأن هذه الآية مرتبطة بمحل إقامة ومقر المؤمنين الدائمي، حتى أننا نقرأ في الآية التالية لهذه الآية:
لا يسمعون حسيسها فإذا كان الورود في آية البحث بمعنى الإقتراب، فهي غير مناسبة لكلمة مبعدون ولا لجملة لا يسمعون حسيسها.
والسؤال الوحيد الذي يبقى هنا، هو: ما هي الحكمة هذا العمل؟ وهل أن المؤمنين لا يرون أذى ولا عذابا من هذا العمل؟
إن الإجابة على هذا السؤال - التي وردت في الروايات حول كلا الشقين - ستتضح بقليل من الدقة.
إن مشاهدة جهنم وعذابها في الحقيقة، ستكون مقدمة لكي يلتذ المؤمنون بنعم الجنة بأعلى مراتب اللذة، لأن أحدا لا يعرف قدر العافية حتى يبتلى بمصيبة (وبضدها تتمايز الأشياء) فهناك لا يبتلى المؤمنون بمصيبة، بل يشاهدون المصيبة على المسرح فقط، وكما قرأنا في الروايات السابقة، فإن النار تصبح بردا وسلاما على هؤلاء، ويطغى نورهم على نورها ويخمده.
إضافة إلى أن هؤلاء يمرون على النار بكل سرعة بحيث لا يرى عليهم أدنى أثر، كما روي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال في حديث: " يرد الناس ثم يصدون بأعمالهم، فأولهم كلمع البرق، ثم كمر الريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب، ثم كشد الرجل، ثم كمشيه " (1).
وإذا تجاوزنا ذلك، فإن أهل النار أيضا سيلقون عذابا أشد من رؤية هذا المشهد، وأن أهل الجنة يمرون بتلك السرعة وهم يبقون في النار، وبهذا سيتضح جواب كلا السؤالين.
دمتم في رعاية الله