الجواب عن هذه الشبهه في مقدمتين:
١-إنّ سؤالكم ينحل إلى سؤالين :
۱ ـ إنّ الدين لم يصل إلى الجميع ، وهذا مناف لما دلت عليه الآية الكريمة
۲ ـ ما ذنب الولد إذا نشأ من والدين أو في بيئة بعيدة عن الدين ؟
أمّا بالنسبة إلى السؤال الأوّل : فهو مبتنٍ على أنّ الأنبياء الذين جاؤوا بالدين لا يتجاوز مقدارهم عدد الأصابع ، والحال إنّ الذي دلّت عليه بعض الروايات أنّ عددهم كبير يبلغ ( ۱۲۰۰۰۰ ) ، وكان البعض مرسلاً إلى قريته أو عشيرته فقط ، وبناءً على هذا فمن المحتمل أنّ الأقوام الموجودة في أماكن بعيدة قد أرسل لهم الله سبحانه نبياً ، وليس لكم من مناقشة بعد هذا إلا أن تقولوا إنّ دين الإسلام الذي هو أكمل الأديان لم يصل إليهم .
والجواب : إنّ النبي صلى الله عليه وآله قد أرسل رسله إلى الأقطار ونقاط الأرض ، وقد طبع قبل فترة كتاب يجمع رسائل النبي صلى الله عليه وآله ، ومن الطبيعي أنّ ما جمع وذكر في هذا الكتاب هو بعض ما أرسله الرسول صلى الله عليه وآله ، وعليه فالدعوة الإسلامية يمكن أن يقال بوصولها إلى جميع نقاط الأرض.
على أنّه لو سلمنا بعدم وصولها إلى جميع نقاط الأرض ، فمن المحتمل أنّ المصلحة اقتضت وصول الإسلام بنحو التدرج إلى جميع بقاع الأرض ، كما اقتضت المصلحة أن لا يكون الدين منذ اليوم الأوّل ، هو دين الإسلام بل يتدرج في الأديان إلى أن وصلت النوبة إلى الإسلام .
وأمّا السؤال الثاني : فيمكن أن يجاب عنه بأنّ التقصير واللوم ينصبّ على الوالدين حيث عاشا في مكان بعيد ، أو لم يسلما ، أو لم يلتزما بالدين ، ولم يعيشا الأخلاق الفاضلة ، فصار ذلك سبباً لبعد الولد عن الأجواء الصالحة ، نظير ما إذا زنى الوالدان فخرج الولد منبوذاً لدى المجتمع ؛ فإنّ اللوم ينصب على الوالدين دون الله سبحانه .
وبإمكاننا أن نقول ضمن عبارة ثانية : إنّ الله سبحانه اعطى القوة للوالدين على الانجاب والعيش في أي بقعة من الأرض ، وعلى اختيار الطريق المستقيم ، فإذا قصّرا ولم يحصل منهما التزام بالشكل المطلوب ، وقاما بانجاب الولد ، فاللوم ينصبّ على الوالدين دون الله سبحانه الذي منحهما تلك القوة ، وإلا فالإشكال يرد على صانع السكين مثلاً حيث صنعها حادّة قتّالة ، وليس من جواب إلا أن يقال أن كونها كذلك هو كمال فيها وليس نقصاً ، وإنّما النقص هو في استعمالها بشكل غير صحيح ، وهكذا الحال في محل كلامنا ، فإنّ تقصير الوالدين هو السبب في نشوء الولد في بيئة فاسدة وعلى سلوك غير إسلامي .
٢- اعلم أن غير المسلم الشيعي، إذا كان جاهلا قاصرا، لم تصله دعوة الإسلام والتشيّع أو لم تتسنّ له معرفتها،
كأن يكون في الغابات المنقطعة عن التواصل الإنساني، كمجاهل أفريقيا أو الصين،
فهذا مشمول برحمة الله تعالى ولا عذاب له يوم القيامة على الأظهر على بعض الاقوال .
إلا أن يُقال أن الله تعالى لا يترك الإنسان إلا أن يقيم عليه حجة تقوده إلى دينه، ولهذا القول وجه وليس المجال هنا لتفصيله. كما أن ثمة قولا آخر وهو أن الله تعالى يختبر ويمتحن بعض هؤلاء يوم القيامة امتحانا خاصا،
فمن آمن أدخله الجنة، ومن كفر أدخله النار.
وأما إذا كان غير المسلم الشيعي جاهلا مقصّرا، وصلته دعوة الإسلام والتشيّع وكان بإمكانه التعرّف عليها لكنه قصّر في ذلك وتلكّأ، فهذا مُرجَأ إلى أمر الله سبحانه يوم القيامة،
إن شاء رحمه وإن شاء عذبه، كلٌّ حسب أعماله في الدنيا، فلعلّ الله تعالى يغفر لمن فعل الخير في الدنيا ولم يؤذِ أحدا،
فلا يعذبه بالنار، كما لا يدخله الجنة، .
ولعلّ الله يعذب بعض من تساوت أعماله الخيّرة والشريرة، فيدخله النار لفترة لم يخرجه منها، ولعلّ الله يدخل من طغت مساوئه على حسناته في الدنار ويخلده فيها. كل هذه احتمالات، ويبقى الأمر لله تبارك وتعالى من قبل ومن بعد.