بسم الله الرحمن الرحيم..
جاء ذكر الوصية في بعض مصادرنا، ومن بينها كتاب الكافي للشيخ الكليني (قده) المتوفى سنة ٣٢٩هـ، حيث نقل في ذلك ثلاث روايات:
(الرواية الأولى): ما رواه بسنده عن معاذ بن كثير ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((إن الوصية نزلت من السماء على محمد كتابا ، لم ينزل على محمد (صلى الله عليه وآله) كتاب مختوم إلا الوصية ، فقال جبرئيل (عليه السلام): يا محمد ، هذه وصيتك في أمتك عند أهل بيتك ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أيُّ أهل بيتي يا جبرئيل ؟ قال : نجيب الله منهم وذريته ، ليرثك علم النبوة كما ورثه إبراهيم (عليه السلام) ، وميراثه لعلي (عليه السلام) وذريتك من صلبه ، قال : وكان عليها خواتيم ، قال : ففتح علي (عليه السلام) الخاتم الأول ومضى لما فيها ، ثم فتح الحسن (عليه السلام) الخاتم الثاني ومضى لما أمر به فيها ، فلما توفي الحسن ومضى فتح الحسين (عليه السلام) الخاتم الثالث ، فوجد فيها : أن قاتل ، فاقتل وتقتل ، واخرج بأقوام للشهادة ، لا شهادة لهم إلا معك ، قال : ففعل (عليه السلام) ، فلما مضى دفعها إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) قبل ذلك ، ففتح الخاتم الرابع فوجد فيها : أن اصمت وأطرق لما حجب العلم ، فلما توفي ومضى دفعها إلى محمد بن علي (عليهما السلام) ، ففتح الخاتم الخامس ، فوجد فيها : أن فسّر كتاب الله تعالى ، وصدق أباك ، وورّث ابنك ، واصطنع الأمة ، وقم بحق الله عز وجل ، وقل الحق في الخوف والامن ، ولا تخش إلا الله ، ففعل ، ثم دفعها إلى الذي يليه)). قال : قلت له : جعلت فداك فأنت هو ؟ قال : فقال : ((ما بي إلا أن تذهب يا معاذ فتروي عليَّ)). قال : فقلت : أسأل الله الذي رزقك من آبائك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك مثلها قبل الممات ، قال : ((قد فعل الله ذلك يا معاذ))، قال : فقلت : فمن هو جعلت فداك ؟ قال : ((هذا الراقد)). وأشار بيده إلى العبد الصالح وهو راقد. [الكافي، ج١، ص٢٧٩، الحديث١]
(الرواية الثانية): ما رواه بسنده عن محمد بن أحمد بن عبيد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ((إن الله عز وجل أنزل على نبيه (صلى الله عليه وآله) كتابا قبل وفاته ، فقال : يا محمد ، هذه وصيتك إلى النَّجَبَةِ من أهلك ، قال : وما النجبة يا جبرئيل ؟ فقال : علي بن أبي طالب وولده (عليهم السلام) ، وكان على الكتاب خواتيم من ذهب ، فدفعه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وأمره أن يفكَّ خاتماً منه ويعمل بما فيه ، ففك أمير المؤمنين (عليه السلام) خاتما وعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى ابنه الحسن (عليه السلام) ففك خاتما وعمل بما فيه ، ثم دفعه إلى الحسين (عليه السلام) ، ففك خاتما فوجد فيه : أن اخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، واشر نفسك لله عز وجل ، ففعل ، ثم دفعه إلى علي بن الحسين (عليهما السلام) ، ففك خاتما فوجد فيه : أن أطرق ، واصمت ، والزم منزلك ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه محمد بن علي (عليهما السلام) ، ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس ، وأفتهم ، ولا تخافنَّ إلا الله عز وجل ، فإنه لا سبيل لأحد عليك [ ففعل ] ، ثم دفعه إلى ابنه جعفر ، ففك خاتما فوجد فيه : حدّث الناس ، وأفتهم، وانشر علوم أهل بيتك ، وصدق آبائك الصالحين ، ولا تخافنَّ إلا الله عز وجل ، وأنت في حرز وأمان ، ففعل ، ثم دفعه إلى ابنه موسى (عليه السلام) ، وكذلك يدفعه موسى إلى الذي بعده ، ثم كذلك إلى قيام المهدي صلى الله عليه)). [الكافي، ج١، ص٢٨٠، الحديث٢]
(الرواية الثالثة): ما رواه بسنده عن عيسى بن المستفاد أبي موسى الضرير قال : حدّثني موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال : ((قلت لأبي عبد الله : أليس كان أمير المؤمنين (عليه السلام) كاتب الوصية ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) المملي عليه ، وجبرئيل والملائكة المقربون عليهم السلام شهود ؟ قال : فأطرق طويلا ، ثم قال : يا أبا الحسن قد كان ما قلت ، ولكن حين نزل برسول الله (صلى الله عليه وآله) الأمر نزلت الوصية من عند الله كتاباً مسجلاً ، نزل به جبرئيل مع أمناء الله تبارك وتعالى من الملائكة ، فقال جبرئيل : يا محمد ، مُر بإخراج من عندك إلا وصيك ، ليقبضها منا ، وتشهدنا بدفعك إيَّاها إليه ضامناً لها - يعني عليا (عليه السلام) - فأمر النبي (صلى الله عليه وآله) بإخراج من كان في البيت ما خلا علياً (عليه السلام) ، وفاطمة فيما بين الستر والباب ، فقال جبرئيل : يا محمد ، ربك يقرئك السلام ويقول : هذا كتاب ما كنت عهدت إليك وشرطت عليك وشهدت به عليك وأشهدت به عليك ملائكتي وكفى بي يا محمد شهيدا ، قال : فارتعدت مفاصل النبي (صلى الله عليه وآله) ، فقال : يا جبرئيل ، ربي هو السلام ، ومنه السلام . وإليه يعود السلام ، صدق عز وجل وبر ، هات الكتاب ، فدفعه إليه ، وأمره بدفعه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال له : أقرأه ، فقرأه حرفاً حرفاً ، فقال : يا علي ، هذا عهد ربي تبارك وتعالى إليَّ شرطه عليَّ وأمانته وقد بلَّغتُ ونصحتُ وأدَّيتُ ، فقال علي (عليه السلام) : وأنا أشهد لك [ بأبي وأمي أنت ] بالبلاغ والنصيحة والتصديق على ما قلت ، ويشهد لك به سمعي وبصري ولحمي ودمي ، فقال : جبرئيل (عليه السلام) : وأنا لكما على ذلك من الشاهدين ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي ، أخذت وصيَّتي وعرفتها وضمنت لله ولي الوفاءَ بما فيها؟، فقال علي (عليه السلام) : نعم ، بأبي أنت وأمي عليَّ ضمانها ، وعلي الله عوني وتوفيقي على أدائها ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي ، إنّي أريد أن أُشهد عليك بموافاتي بها يوم القيامة . فقال علي (عليه السلام) : نعم أَشهِدْ ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إن جبرئيل وميكائيل فيما بيني وبينك الآن وهما حاضران معهما الملائكة المقرَّبون لأُشهِدَهم عليك ، فقال : نعم ليشهدوا ، وأنا - بأبي أنت وأمي - أُشهِدُهم ، فأَشهَدَهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكان فيما اشترط عليه النبي بأمر جبرئيل (عليه السلام) فيما أمر الله عز وجل أن قال له : يا علي ، تفي بما فيها من موالاة من وَالَى الله ورسوله ، والبراءة والعداوة لمن عادى الله ورسوله ، والبراءة منهم على الصبر منك [ و ] على كظم الغيظ ، وعلى ذهاب حقّك وغصب خمسك ، وانتهاك حرمتك ؟ فقال : نعم يا رسول الله ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد سمعت جبرئيل (عليه السلام) يقول للنبي : يا محمد ، عَرِّفه أنه ينتهك الحرمة ، وهي حرمة الله وحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وعلى أن تخضَّب لحيته من رأسه بدم عبيط ، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : فصُعِقتُ حين فهمت الكلمة من الأمين جبرئيل ، حتى سقطت على وجهي ، وقلت : نعم قبلت ورضيت وإن انتُهِكَت الحرمة ، وعُطِّلت السُّنن ، ومُزِّق الكتاب ، وهُدمت الكعبة ، وخضِّبت لحيتي من رأسي بدم عبيط صابراً محتسباً أبدا حتى أقدم عليك ، ثم دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاطمة والحسن والحسين ، وأعلمهم مثل ما أعلم أمير المؤمنين ، فقالوا مثل قوله ، فختمت الوصية بخواتيم من ذهبٍ لم تمسَّه النار ، ودفعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)). فقلت لأبي الحسن (عليه السلام): بأبي أنت وأمي ألا تذكر ما كان في الوصية ؟ فقال : ((سنن الله ، وسنن رسوله)). فقلت : أكان في الوصية تَوَثُّبُهُم وخلافهم على أمير المؤمنين (عليه السلام) ؟ فقال : ((نعم والله ، شيئاً شيئاً ، وحرفاً حرفاً ، أما سمعت قول الله عز وجل : (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شئ أحصيناه في إمام مبين)؟ ، والله لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين وفاطمة (عليهما السلام): أليس قد فهمتما ما تقدَّمتُ به إليكما وقبلتماه ؟ فقالا : بلى ، وصبرنا على ما ساءنا وغاظنا)). [الكافي، ج١، ٢٨١، الحديث٤]