الاحاديث كلها صحيحة ام بعضها وهل الصحيحه اكثر من الضعيفه
هل دعاء الفرج ( الهي عظم البلاء) صحيح وهل الروايات المتعارضه في الكافي وبحار الانوار صحيحه؟
اهلا وسهلا بالسائل الكريم وهو الدعاء المشهور اليوم بين الإماميّة بدعاء الفرج، وهو ما رواه الطبري صاحب دلائل الإمامة، وأنقله بنصّ السيد ابن طاووس، حيث قال: (ومن الكتاب المذكور، ما رويناه بإسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطبري، قال: حدّثنا أبو جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، قال: حدّثني أبو الحسين بن أبي البغل الكاتب، قال: تقلّدت عملاً من أبي منصور الصالحان، وجرى بيني وبينه ما أوجب استتاري عنه، فطلبني وأخافني، فمكثت مستتراً خائفاً، ثم قصدت مقابر قريش ليلة الجمعة، واعتمدت المبيت هناك للدعاء والمسألة، وكانت ليلة ريح ومطر، فسألت أبا جعفر القيم يقفل الأبواب وأن يجتهد في خلوة الموضع لأخلو بما أريده من الدعاء والمسألة.. فمكثت أدعو وأزور وأصلّي، فبينا أنا كذلك، إذ سمعت وطئاً عند مولانا موسى عليه السلام، وإذا هو رجل يزور فسلّم على آدم وعلى أولي العزم، ثم على الأئمة واحداً واحداً إلى أن انتهى إلى صاحب الزمان، فلم يذكره، فعجبت من ذلك، وقلت في نفسي: لعلّه نسي أو لم يعرف، أو هذا مذهبٌ لهذا الرجل.. فالتفت إليّ، وقال: يا أبا الحسين بن أبي البغل، أين أنت عن دعاء الفرج؟ قلت: فما هو يا سيدي؟ قال: تصلّي ركعتين وتقول: يا من أظهر الجميل وستر القبيح، يا من لم يؤاخذ بالجريرة، ولم يهتك الستر، يا عظيم المنّ، يا كريم الصفح، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا منتهى كلّ نجوى وغاية كلّ شكوى، يا عون كلّ مستعين، يا مبتدءاً بالنعم قبل استحقاقها، يا ربّاه عشر مرات، يا منتهى غاية رغبتاه عشر مرات، أسألك بحقّ هذه الأسماء، وبحقّ محمد وآله الطاهرين إلا ما كشفت كربي، ونفّست همّي، وفرّجت غمّي، وأصلحت حالي، وتدعو بعد ذلك ما شئت وتسأل حاجتك، ثم تضع خدّك الأيمن على الأرض، وتقول مائة مرّة في سجودك: يا محمد يا علي، اكفياني فإنّكما كافياي، وانصراني فإنكما ناصراي، ثم تضع خدّك الأيسر على الأرض، وتقول: أدركني يا صاحب الزمان، وتكرّر ذلك كثيراً، وتقول: الغوث الغوث الغوث، حتى ينقطع النفس، وترفع رأسك، فإنّ الله بكرمه يقضي حاجتك إن شاء الله، فلما اشغلت بالصلاة والدعاء، خرج، فلمّا فرغت خرجت إلى أبي جعفر لأسأله عن الرجل، وكيف دخل، فرأيت الأبواب على حالها مقفلة، فعجبت من ذلك، وقلت: لعلّ باباً هنا آخر لم أعلمه، وانتهيت إلى أبي جعفر القيّم، فخرج إليّ من باب الزيت، فسألته عن الرجل ودخوله، فقال: الأبواب مقفلة، كما ترى، ما فتحتها، فحدّثته الحديث، فقال: هذا مولانا صاحب الزمان، وقد شاهدته دفعات في مثل هذه الليلة عند خلوتها من الناس، فتأسّفت على ما فاتني منه، وخرجت عند قرب الفجر وقصدت الكرخ إلى الموضع الذي كنت مستتراً فيه، فما أضحى النهار إلا وأصحاب ابن أبي الصالحان يلتمسون لقائي، ويسألوا عنّي أصحابي وأصدقائي، ومعهم أمانٌ من الوزير ورقعة بخطّه فيها كلّ جميل، فحضرت مع ثقة من أصدقائي فقام، والتزمني وعاملني بما لم أعهده، وقال: انتهت بك الحال إلى أن تشكوني إلى صاحب الزمان صلوات الله عليه، فإنّي رأيته في النوم البارحة ـ يعني ليلة الجمعة ـ وهو يأمرني بكلّ جميل، ويجفو عليّ في ذلك جفوة خفتها، فقلت: لا إله إلا الله، أشهد أنّهم الحقّ ومنتهى الحقّ، رأيت البارحة مولانا في اليقظة، وقال لي كذا وكذا، وشرحت ما رأيته في المشهد، فعجب من ذلك، وجرت منه أمورٌ عظام حسان في هذا المعنى، وبلغت منه غاية لم أظنّها، وذلك ببركة مولانا صلوات الله عليه) (فرج المهموم: 245 ـ 247، وأصل الرواية في دلائل الإمامة للطبري: 551 ـ 553). ونجد هذا الدعاء عند الكفعمي حيث قال: (ومن ذلك دعا علّمه صاحب الأمر عليه السلام لرجل محبوس فخلص، (إلهي) اللهم عظم البلاء وبرح الخفاء وانكشف الغطاء وانقطع الرجاء، وضاقت الأرض ومنعت السماء، وأنت المستعان وإليك المشتكى، وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء. اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد أولي الأمر الذين فرضت علينا طاعتهم، وعرّفتنا بذلك منزلتهم، ففرّج عنّا بحقّهم فرجاً عاجلاً قريباً كلمح البصر أو هو أقرب. يا محمّد يا علي، يا علي يا محمّد، اكفياني فإنّكما كافياي، وانصراني فإنّكما ناصراي، يا مولانا يا صاحب الزمان، الأمان الأمان الأمان، الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الساعة الساعة الساعة، العجل العجل العجل، يا أرحم الراحمين، بمحمّد وآله الطاهرين) (الكفعمي، المصباح: 176؛ وانظر: البلد الأمين: 152؛ ونقله عنه القمي في مفاتيح الجنان: 205). وقد نقل هذا المضمون العلامة المجلسي والشيخ النوري عن الطبرسي صاحب التفسير في كتاب كنوز النجاح (انظر: بحار الأنوار 53: 275؛ والنجم الثاقب 2: 135). كما جاء مضمون هذا الدعاء عند المشهدي في (المزار: 591)، لدى الحديث عن زيارة السرداب، وذكره الشهيد الأوّل في (المزار: 210) أيضاً. وقد جعل المحدّث النوري (1320هـ) هذه القصّة هي الحكاية رقم 30، من الباب السابع من كتابه النجم الثاقب، وهو الباب الذي خصّصه لذكر قصص وحكايات الذين وقع لهم اللقاء بالإمام المهدي بعد غيبته (النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب 2: 145 وما بعد). كما ذكر السيد ابن طاووس صلاةً أسماها بصلاة الحجّة عليه السلام فقال: (صلاة الحجّة القائم عليه السلام: ركعتين تقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب إلى إيّاك نعبد وإياك نستعين، ثم تقول مأة مرّة: إياك نعبد وإياك نستعين، ثم تتمّ قراءة الفاتحة وتقرأ بعدها الإخلاص مرّة واحدة، وتدعو عقيبها فتقول: اللهم عظم البلاء وبرح الخفاء، وانكشف الغطاء، وضاقت الأرض بما وسعت السماء، وإليك يا ربّ المشتكى، وعليك المعوّل في الشدّة والرخاء. اللهم صلّ على محمد وآل محمد الذين أمرتنا بطاعتهم، وعجّل فرجهم بقائمهم، وأظهر إعزازه. يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، اكفياني فإنكما كافياي، يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، انصراني فإنّكما ناصراي، يا محمّد يا عليّ، يا عليّ يا محمّد، احفظاني فإنّكما حافظايّ، يا مولاي يا صاحب الزمان ـ ثلاث مرات ـ الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الأمان الأمان الأمان) (جمال الأسبوع بكمال العمل المشروع: 181؛ ونقل هذه الصلاة عن ابن طاووس جماعة منهم الشيخ عباس القمّي في مفاتيح الجنان: 102). وهذه الرواية تؤكّد موضوع التوسّل بأعلى معانيه، ولا يهمّني هنا الآن دراستها من هذه الزاوية، بل نريد أن نتأكّد من صحّة هذه القصّة ـ وكذلك الدعاء ـ وما تقدّمه وتعطيه، ويمكنني أن أشير لبعض الأمور: أولاً: إنّ صاحب هذه القصّة الأصلي هو أبو الحسين بن أبي البغل، وهو شخص لم يُذكر اسمه أبداً في كتب الحديث ولا في كتب الرجال والجرح والتعديل، وتكاد لا تكون له إلا هذه القصّة، ولم يوثقه أو يمدحه أحدٌ على الإطلاق، حتى اعترف الشيخ النمازي الشاهرودي بأنّهم (لم يذكروه)، مشيراً بذلك إلى إهمال ذكره بالمرّة في كتب الرجال والجرح والتعديل (مستدركات علم رجال الحديث 8: 363). هذا على مستوى المعلومات الحديثية والرجاليّة عنه، لكنّ الظاهر ـ بمراجعة الكتب الأدبيّة والتاريخيّة وكتب التراجم ـ أنّ المراد به أبو الحسين محمّد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل الكاتب الشاعر، وهو من رجال الدولة العباسيّة، وكان من أعيان كتاب الدواوين، عاملاً ووالياً على الجبل وإصفهان، وراغباً في الوزارة، وتوسّطت له أم موسى القهرمانة، وأحسّ الخاقاني الوزير بذلك، فقبض عليه، واستنقذته أم موسى، فأعيد إلى إصفهان، ولما قبض على أم موسى صرف عن عمله، واعتقل، وكان يخشى القتل، لما ورد الخبر بعزل الوزير ابن الفرات، فكتب في تقويم لديه، اليوم ولد محمد بن أحمد بن يحيى، وله إحدى وثمانون سنة، كان صاحب شعر ونظم ونثر، ونقل عنه أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي، وأبو اسحق إبراهيم بن علي الهجيمي وغيرهما، وتوفي عام 313هـ. وتشير بعض القصص التي نقلها القاضي التنوّخي إلى بعض أخلاقه التي لا تبدو جيدة، كما تشير منقولات أخرى إلى بعض القصائد التي مدحته بوصفه والياً (انظر: مسكويه الرازي، المنتظم في تاريخ الأمم 5: 113؛ والحموي، معجم الأدباء 17: 145 ـ 146؛ والأمين، أعيان الشيعة 9: 78 (عند ترجمتهما لابن طباطبا)؛ والحموي، معجم البلدان 2: 498؛ والتذكرة الحمدونية 4: 54؛ وصبح الأعشى 9: 168؛ والصفدي، الوافي بالوفيات 2: 36؛ والإصفهاني، الأغاني 10: 285؛ و23: 44؛ والقاضي التنوّخي، نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة 2: 152 ـ 156 وغيرهم). وهذا يعني أنّ الرجل لا نملك عنه معلومات كافية، فهو من رجال الدولة العباسيّة، وربما كان يعمل بالتقيّة، وربما كان صادقاً فيما ينقل أو كاذباً، فلا نعرف عنه أيّ معلومات يمكنها أن تؤكّد لنا صدقه فيما يدّعيه، ولم أتمكّن من التأكّد أساساً من كونه شيعيّاً، ولم يُذكر حتى في قسم من لم يرو عنهم من كتاب الرجال للشيخ الطوسي. وعليه فصاحب القصّة لا يمكن التأكّد من صدقه، حتى لو ثبت كونه شيعيّاً يعمل بالتقيّة، لاسيما وأنّ أمراً من هذا النوع يجرّ منفعةً معنويّة لصاحب القصّة، وهي كرامة لقائه بالإمام المهدي. ثانياً: لقد كان ابن أبي البغل شخصاً معروفاً ووالياً من ولاة إصفهان، وهذه القصّة يفترض أنّها تدلّ على لقياه الإمام، ومع ذلك ورغم وجودها في كتاب دلائل الإمامة للطبري، لم ينقلها الطوسي ولا النعماني ولا الصدوق ولا المفيد ولا غيرهم فيما كتبوه من قضية المهدويّة والغيبة. بل وجدنا القصّة عند الطبري، ثم عند ابن طاووس في القرن السابع، لتعود وتظهر في العصر الصفوي وما بعده. ثالثاً: إنّ أبا جعفر محمد بن هارون بن موسى التلعكبري، الذي نقل القصّة للطبري لم تثبت وثاقته، نعم في كلام النجاشي ما يوحي بالتوثيق. رابعاً: يقول ابن أبي البغل بأنّه التقى بذلك الرجل، ولكن كيف عرف أنّه الإمام المهديّ؟ وجواب هذا السؤال يظهر من خلال تأمّل القصّة، فهناك عدّة مؤشرات: أ ـ كون ذلك الرجل لم يسلّم على الإمام المهدي وهو يزور، مما يعني أنّه هو. ب ـ كلام أبي جعفر القيّم، الذي كان يفتح ويغلق الأبواب، بأنّ هذا الشخص يأتي مراراً، وأنّه الإمام المهدي. ج ـ دخوله وخروجه دون فتح الأبواب. د ـ المنام الذي رآه ابن أبي الصالحان، والذي أخبره لابن أبي البغل بعد لقائه به في اليوم التالي. ولو أخذنا كلّ واحدة على حدة، لرأينا أنّ الأولى لا تشير لشيء، وهذا ما اعترف به ابن أبي البغل نفسه عندما سمع ذلك الرجل لا يذكر اسم الإمام المهدي. وأمّا المؤشر الثاني فنحن لا نعرف أبا جعفر القيّم هذا، وأنّه كيف عرف بأنّه المهديّ، بل لا نعرف مدى الثقة به وصدقه، فربما كان إنساناً بسيطاً يتراءى له الأمر، والغريب أنّه أخبر فوراً عن الإمام المهدي لمجرّد أن ابن أبي البغل قد سأله، مع أنّه يفترض به أن يكون محتاطاً جداً في الأمر. وأمّا المؤشر الثالث، فهو يدلّ على أنّ هذا الرجل له كرامة، لكنّه لا يؤكّد أنّه الإمام المهدي، فقد يكون وليّاً من الأولياء، لاسيما وأنّه لم يقل ولم يفصح عن اسمه وعن شخصه، وإنّما تمّ استنتاج هذا الأمر استنتاجاً. وأمّا المؤشر الرابع، فهو لا يقول بأنّ الذي جاء في المنام قال بأنّني التقيتُ بابن أبي البغل، فلعلّ هذا الوليّ الذي علّم ابن أبي البغل هذا الدعاء، دفع ابن أبي البغل للتوجّه بصدق بهذا الدعاء، فاستجاب الله له، فجاء المهدي في المنام لمنصور بن الصالحان. وهذا يعني أنّه لا شيء يؤكّد أنّ الرجل كان هو المهدي فعلاً، سوى قول أبي جعفر القيّم، والمفروض أنّنا لا نعرف كيف عرف بالأمر أصلاً، ولم يقل لنا بأنّ الشخص أخبره بأنّه المهدي، وعليه فلا يوجد شيء يحسم أنّ الرجل الذي علّم ابن أبي البغل هذا الدعاء هو الإمام المهدي، بل في الأمر ظنّ، ومجرّد أنّ ابن أبي البغل تيقّن بذلك نتيجة بعض المعطيات، لا يعني أنّه يشهد بكونه المهديّ شهادةً حسيّة (أرجو التأمّل قليلاً في هذا الموضوع وأمثاله). وعليه فلم يثبت أنّ هذه القصّة هي رواية أصلاً، ولهذا تجد أنّه لو اشتملت هذه القصّة على حكم شرعي إلزامي فمن الصعب أن تجد فقيهاً يفتي بموجبها في هذه الحال، بل لو كانت رواية فمن الصعب إثبات صحّتها، بعد الجهالة المطبقة التي تحيط كلاً من ابن أبي البغل، وأبي جعفر القيّم، ومنصور بن الصالحان نفسه، الذي تقول لنا الرواية بأنّه شيعي إمامي أيضاً، مع أنّ البحث عنه يفضي إلى كونه شخصاً مجهولاً جداً في عالم التشيّع. خامساً: إنّ الصلاة والدعاء الواردين في كلام الكفعمي والشهيد الأوّل وابن طاووس وغيرهم، كلّها روايات غير معتبرة، فما ذكره ابن طاووس لم ينسبه لمعصوم أصلاً، والبقية كلّها مراسيل، لا سند ولا مصدر لها، ونحن نعرف أنّ ابن طاووس توفّي في القرن السابع الهجري، وأنّ الشهيد الأوّل توفّي في القرن الثامن الهجري، وأنّ الكفعمي توفّي في القرن العاشر الهجري، وأنّ المشهدي توفي في القرن السادس الهجري. وهذا يعني أنّ هذه الروايات فاقدة المصدر والإسناد، فلا يعمل بها إلا وفقاً لقاعدة التسامح في أدلّة السنن، لمن يعمل بها. لاسيّما وأنّ هذه الصلوات والأدعية لم ينقلها، لا المفيد في المزار، ولا الطوسي في مصباح المتهجّد، ولا غيرهما من أئمّة الحديث والفقه الأوائل، بمن فيهم من صنّف في الأعمال والأدعية والفضائل والمستحبات. سادساً: لقد جاء في آخر هذا الدعاء ـ وفقاً لنقل جماعة كالكفعمي وغيره كما أسلفنا ذكره ـ العبارة التالية: (يا مولانا يا صاحب الزمان، الأمان الأمان الأمان، الغوث الغوث الغوث، أدركني أدركني أدركني، الساعة الساعة الساعة، العجل العجل العجل، يا أرحم الراحمين، بمحمّد وآله الطاهرين)، وهذا التعبير فيه ركاكة، فإنّ كلمة (يا أرحم الراحمين) لا يظهر رجوعها إلى الله في الكلام، بعد طول الفاصل، فلابدّ ـ بمقتضى ظهور الكلام ـ أن ترجع إلى الإمام المهدي، ومن الغريب توصيفه بأنّه أرحم الراحمين في هكذا سياق، حيث هذا التوصيف منصرف إلى الله تعالى في الأدعية. ولكنّ هذه الملاحظة ليست بالتي تسقط الدعاء؛ إذ احتمال وجود سقط في النقل أو سهو وارد جداً، وليس بالبعيد ولا هو بالأمر العزيز في عالم الأحاديث والروايات. وقد حاول السيد جعفر مرتضى العاملي الانتصار لهذا الدعاء، بالقول بأنّ هذا الدعاء المرويّ عند هؤلاء العلماء مؤيّد بعدّة أدعية أخرى تقترب من مضمونه من حيث أصل فكرة التوسّل، كما أنّ كبار علماء الطائفة وأساطينها هم الذين دوَّنوا أدعية التوسّل هذه برمّتها في مصنّفاتهم، وكان تدوينها لأجل العمل بها، لا لمجرّد النقل لها، والتحفّظ عليها، وأنّهم قد صرّحوا في عدد منها بأنّ مضمونها مما يستحبّ فعله. وإذا كان لم يعترض أحد من هذه الطائفة على مضامين هذه الروايات بأنها تتضمّن إيحاءات شركيّة، مع كونهم يرون كيف أنّ الناس يتداولونها، ويلتزمون بمضامينها، وسيستمرّ ذلك منهم, فلو كان فيها أدنى إشكال من هذه الناحية لبادروا إلى التنبيه إليه والتحذير منه، والنكير عليه، بل لم يقتصر الأمر على المتقدّمين, فها هم علماء الطائفة في أيّامنا هذه يباركون العمل بهذه الزيارات, والأدعية, والعبادات، ولا يرون بها أيّ شيء يوجب الاعتراض، فما معنى أن يدَّعي هؤلاء بأنّ دعاء الفرج أساسه منام، وأنّه جاء من عالم الأحلام؟! (جعفر مرتضى، مختصر مفيد 12: 204 ـ 205). كما وتوجد محاولات دفاعيّة موجزة تتصل بعدم بطلان متن الحديث من حيث الشرك، كما رأينا عند الشيخ محمد سند والميرزا جواد التبريزي وغيرهما. ولكنّ هذه المحاولة برمّتها لا تنفع كثيراً هنا حتى لو نفعت بحسب منظار صاحبها في أصل قضيّة التوسّل، فنحن هنا لا نبحث في أصل مسألة التوسّل، فلينتبه القارئ جيداً، وإنّما نبحث في دعاء الفرج بالخصوص، هل هو معتبر أو لا؟ وهل ثبت استحباب قراءته بخصوصه أو لا؟ وهل وقعت هذه القصّة أو لا؟ ومن ثمّ فلو فرضنا أنّه لا إشكال عقديّاً ولا شرعيّاً فيه، فهل هذا يعني أنّه ثابت النسبة لأهل البيت عليهم السلام، وأنّهم دعونا لقراءته أو لا؟ هذا هو مدار حديثنا هنا بالضبط، وقد رأينا أنّ نقل العلماء له لا ينفع في التصحيح والإثبات، فالخبر إما لا سند ولا مصدر له، وإمّا له مصدر وسند لا يعلم معه أنّه رواية عن المعصوم، أو أنّ له مصدراً وسنداً وهو رواية عن المعصوم لكنّ السند الذي تنتهي إليه القصّة ضعيف جدّاً برواة مهملين تماماً، مع العلم أنّ القصّة لم ترد في أيّ مصدر آخر غير دلائل الإمامة للطبري (ولا أريد أن أدخل في الجدال المطروح حول هذا الكتاب أساساً). وأنا أتمنّى أن يجيبنا المدافعون هنا: لو اشتمل هذا الحديث ـ أعني دعاء الفرج ـ على حكم شرعي إلزامي فقهي، فهل يعملون به أو لا؟ وبأيّ معيار؟ كما أنّ نقل العلماء له ـ ولو كان معتمدين عليه ـ لا يدلّ على تصديقهم بصدوره عن المعصوم؛ لأنّ المورد من موارد فضائل الأعمال والأدعية، فيجرون فيه قاعدة التسامح في أدلّة السنن كما قلنا مراراً، ومن ثم فقد يكون الحديث غير ثابت عندهم، ولكنّهم يتبنّونه في باب الفضائل والمستحبات والأدعية عملاً بقاعدة التسامح، ما دام مضمونه غير باطل من وجهة نظرهم. وقد يؤيَّد دعاء الفرج بالخبر الذي نقله الشيخ الكليني في (الكافي 2: 558 ـ 559)، حيث قال: (عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن عليّ بن أسباط، عن إسماعيل بن يسار، عن بعض من رواه، قال: قال: إذا أحزنك أمرٌ فقل في آخر سجودك: يا جبرئيل يا محمّد، يا جبرئيل يا محمّد ـ تكرّر ذلك ـ اكفياني ما أنا فيه، فإنكما كافيان، واحفظاني بإذن الله فإنّكما حافظان). ولكنّ هذا التأييد ضعيف، لا يرقى إلى حدّ الوثوق بصدور دعاء الفرج نفسه؛ وذلك أنّ الحديث المذكور لا يُعلم صدوره عن الإمام أساساً فهو مضمر، إذ يقول: (إسماعيل بن يسار، عن بعض من رواه، قال: قال: إذا أحزنك..)، فلا نعرف من هو القائل أساساً، لاسيما وأنّ الراوي عن هذا القائل غير معروف أيضاً، حتى نقول بأنّه لو كان من المشاهير لكان من البعيد احتمال روايته عن غير المعصوم، بل لو سلّمنا بأنّها رواية فهي ضعيفة بسهل بن زياد الذي اتهمه بعضهم بالغلو، كما أنّ إسماعيل بن يسار لم تثبت وثاقته، لو لم نقل بأنّه إسماعيل بن يسار الهاشمي الذي ذهب بعضهم إلى الحكم بضعفه لنقل النجاشي ذلك، إضافة إلى الإرسال؛ لأنّ ابن يسار يروي عن شخص دون ذكر اسمه، وبهذا يكون الحديث ضعيفاً من ثلاث جهات، ولهذا وصفه العلامة المجلسي بأنّه حديث ضعيف (انظر: المجلسي، مرآة العقول 12: 422)، فحتى لو انضمّ إلى دعاء الفرج هنا لا يحصل بالانضمام بعد مجموعة هذه الملاحظات تقوية للضعيف بهذا المقدار. وأمّا القول بأنّ الموضوع منام ـ كما هو المنسوب للسيد محمد حسين فضل الله ـ فهو غير صحيح، فدعاء الفرج ليس مناماً، بل هو دعاء منسوب لأهل البيت عليهم السلام، غايته أنّ النسبة لم تصحّ، فإذا كان العلامة فضل الله قد قال بأنّه منام، فلعلّه يقصد خصوصيّة منام منصور بن الصالحان فقط، وإلا فالموضوع ليس مناماً برمّته، بل فيه جوانب أخرى كما رأينا، وإن كانت لا قيمة لها في الإثبات التاريخي والحديثي. ولعلّه لما قلناه وما بيّناه من مناقشات، جاء في بعض أجوبة الاستفتاءات للسيد السيستاني النصّ التالي: (السؤال: هنالك البعض من يشكّك في دعاء الفرج، خصوصاً في العبارة التي تقول: يا محمد يا علي ويا محمد، اكفياني فإنّكما كافيان وانصراني فإنكما ناصران. ما هو الردّ المنطقي العقائدي الصحيح على هؤلاء المبلّغين؟ الجواب: ليس للدعاء المذكور سندٌ معتبر حتى يلزمنا الدفاع عنه، ولكنّ المناط في قراءة الأدعية والزيارات ليس هو اعتبار السند، بل ملاحظة المضمون) (السيستاني، الاستفتاءات: 352). وما أفاده هذا الاستفتاء صحيح، فإنّ الدعاء يحتاج لتصحيح المضمون فقط، فلو كان شخص لا يرى مشكلةً في المضمون، فله أن يدعو بهذا الدعاء، وأمّا إذا رأى فيه مشكلةً أو معارضةً لنصوص القرآن الكريم فليس له ذلك، لكنّ نسبة الدعاء للنبي وأهل بيته وترتيب استنتاجات عقديّة أو شرعيّة عليه، يحتاج بالتأكيد إلى إثبات، ولا يجوز ذلك دون بيّنةٍ أو دليل. ((نقل عن البعض ))