بسم الله الرحمن الرحيم..
هذا حديث رواه بعض أعلامنا، ومنهم الشيخ الكليني، فقد رواه في كتابه (الكافي، ج٥، ص٥١٠) بسندين ضعيفين عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالة بعثها إلى ابنه الحسن (عليه السلام)، قال: ((لا تُملِّك المرأةَ من الأمر ما يجاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فإنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، ولا تَعدُ بكرامتها نفسها، واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك، ولا تطمعها أن تشفع لغيرها، فيميل عليك من شَفَعَتْ له عليك معها، واستبقِ من نفسك بقيَّةً، فإنَّ إمساكك نفسك عنهنَّ وهُنَّ يرينَ أنك ذو اقتدار خيرٌ من أن يرينَ منك حالاً على انكسار)).
١- أما قوله (عليه السلام): ((لا تُملِّك المرأةَ من الأمر ما يجاوز نفسها)): فالظاهر أن المقصود: لا تجعل بيدها من شؤون الأسرة والبيت ما هو ليس من شأنها الخاصِّ، بل من شأن الزوج، لأن الرجال قوّامون على النساء، وليس العكس، وبالتالي على الزوج أن يتحمَّل هو مسؤوليَّة الأسرة، ولا يرهق زوجته بتحمُّلها.
ولهذا قال بعد ذلك: ((فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها)): أي: أن تحمّل الزوج للمسؤولية يجعل الزوجة تعيش الراحة والنعيم والرخاء، بل ويكون ذلك سبباً في المحافظة على جمالها، لأن تحمُّل شؤون الأسرة وهمومها ينعكس سلباً على وجهها وبدنها وكل ما يتعلق بجمالها كما ثبت ذلك بالتجربة.
ثمّّ بيَّن (عليه السلام) السبب في عدم تحميل الزوجة مسؤولية الأسرة، حيث قال: ((فإنَّ المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة))، والقهرمان لفظ أصله فارسي يعني : الخازن لما تحت يده والمتصرِّف فيه، فهو يناسب معنى المسؤوليّة وتحمُّلها.
ولعل المقصود من الريحانة نبتة الريحان، تشبيهاً للزوجة بهذه النبتة، فإن لها رائحة طيبة، كما شبَّه بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) في الحديث المعروف: ((الحسن والحسين ريحانتاي من الدنيا))، فيكون المقصود: أن يجعل الزوج زوجته محطة لراحته وتفريغ همومه، وإزالة أتعابه، وأما لو تجعلها تتحمّل المسؤولية فكلاهما سوف يعانيان من تعب الحياة ومشاكلها، فلا يجد أحدهما شخصاً يستريحان إليه، وهذا بخلاف ما لو تحمّل الزوج المسؤولية عنها، فحينئذٍ ستكون هي الملجأ الذي يجد الزوج راحته عنده.
٢- وأما قوله (ع): ((ولا تَعدُ بكرامتها نفسها)) فلعل المقصود: أن الزوج حينما يريد إكرام زوجته فعليه أن يكرمها وحدها ولا يكرم معها غيرها، ليشعرها بخصوصيّتها، كما لو جلب لها هدية دون بقية أفراد الأسرة. والله أعلم.
٣- وأما قوله: ((واغضض بصرها بسترك، واكففها بحجابك)) فالمقصود: أن تستر المرأة واحتجابها من خلال بقائها في المنزل أفضل لها من خروجها ورؤيتها للرجال ثم مطالبتها بأن تغضَّ بصرها وتكف نظرها عن الرجال.
٤- وأما قوله (ع): ((ولا تطمعها أن تشفع لغيرها، فيميل عليك من شَفَعَتْ له عليك معها)) فهو واضح، فإن الزوجة أحياناً تتوسَّط لغيرها عند زوجها، كما لو توسَّطت لابنهما الذي يريد الخروج للعب مثلاً والأب لا يرضى بخروج ابنه في ذلك الوقت، فلو قبل وساطتها وسمح لابنه بالخروج للعب فإن هذا يترك أثراً سلبياً على الزوجة، لأن الزوجة حينما يستجيب لها الزوج في الوساطة لمرَّةٍ فإنها ستطمع في التوسُّط مرَّة أخرى، وحينها لو رفض الوساطة الثانية فسوف تكون هي والذي توسَّطت من أجله ضد زوجها. والله أعلم.
٥- وأما قوله (ع): ((واستبقِ من نفسك بقيَّةً، فإنَّ إمساكك نفسك عنهنَّ وهُنَّ يرينَ أنك ذو اقتدار خيرٌ من أن يرينَ منك حالاً على انكسار)) فلعلَّه تعليل لما مضى، وكأن الزوج إذا استجاب لشفاعة زوجته في كلّ مرَّة فسوف يكون ضعيفاً منكسراً في نظر زوجته، فتطمع في أن يستجيب لكل طلباتها، وهذا بخلاف ما لو رفض شفاعتها، فإنها ستشعر أن القرار بيد زوجها فلو شاء لم يستجب لطلبها، وأنه إذا استجاب فإنما يستجيب إذا اقتضت المصلحة ذلك. والله أعلم.