السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
حمورابي. هو الملك صاحب الشريعة الذي هو أحد السلالة الأولى من ملوك بابل، وقد اختلف في تاريخ ملكه اختلافا شديدا لا ينطبق أكثر ما قيل فيه زمان حياة إبراهيم وهو (200) ق م فقد ذكر في كتاب العرب قبل الاسلام انه تملك بابل سنة 2287 - 2232 ق م وفى شريعة حمورابي نقلا عن أقدم شرائع العالم للأستاذ ف. ادوارد أن سني ملكه 2205 - 2167 ق. م، وفى قاموس اعلام الشرق والغرب انه تولى سلطنة بابل سن 17278 - 1686 ق. م وفى قاموس الكتاب المقدس أنه تولاها سنة 1975 - 1920 ق م.
وأوضح ما ينافي هذا الحدث ان الذي اكتشفوا من النصب في خرائب بابل وعليها شريعة حمورابي تشتمل على ذكر عدة من آلهة البابليين، ويدل على كون حمورابي من الوثنيين، ولا يستقيم عليه ان يكون كاهنا للرب.
وقد وقع الكلام بين الباحثين بأن شريعة أبراهيم هي شريعة حمورابي ،فقد ذكر بعض الباحثين مانصه:
وقد عثر الباحثون على شرائع حمورابي الملك الصالح الذي كان في عهد إبراهيم وباركه وأخذ منه العشور - كما في سفر التكوين - فإذا هي كالتوراة في أكثر أحكامها وأما فرض الله الحج على لسان إبراهيم فقد كان في قوم ولده إسماعيل لا في قومه الكلدانيين وأما هذه الأمة فإن من موحديها من يعذبون بالمعاصي على قدرها لانهم خوطبوا بشريعة كاملة يحاسبون على اقامتها، انتهى.
وقد علق صاحب تفسير الأمثل على ذلك من بما حاصله :
وفي كلامه من التحكم ما لا يخفى فقد تقدم أن الملك حمورابي هذا كان يعيش على رأس سنة ألف وسبع مائة قبل المسيح، وإبراهيم كان يعيش على رأس الألفين قبل المسيح تقريبا كما ذكره.
وحمورابي هذا وإن كان ملكا صالحا في دينه عادلا في رعيته ملتزما العمل بقوانين وضعها وعمل بإجرائها في مملكته أحسن إجراء وإنفاذ وهى أقدم القوانين المدنية الموضوعة على ما قيل إلا أنه كان وثنيا، وقد استمد بعدة من آلهة الوثنيين في ما كتبه بعد الفراغ عن كتابة شريعته على ما عثروا عليه في الآثار المكشوفة في خرائب بابل، والالهة التي ذكرها في بيانه الموضوع في ختام القانون، وشكرها في أن آتته الملك العظيم ووفقته لبسط العدل ووضع الشريعة واستعان بها واستمد منها في حفظ شريعته عن الزوال والتحريف هي (ميروداخ) إله الالهة، وأي إله القانون والعدل والاله (زماما) والاله (إشتار) إله الحرب و (شاماش) الاله القاضي في السماء والأرض و (سين) إله السماوات، و (حاداد) إله الخصب و (نيرغال) إله النصر و (بل) إله القدر والإلهة (بيلتيس) والإلهة (نينو) والإله (ساجيلا) والذي ذكره من أن الله لم يكلف قوم إبراهيم شيئا غير التوحيد اكتفاء بتربية المدنية (الخ) يكذبه أن هذا يحكى عن لسان إبراهيم عليه السلام الصلاة كما في أدعيته في سورة إبراهيم ويذكر أن الله أوحى إليه فعل الخيرات وإيتاء الزكاة كما في سورة الأنبياء، وأنه شرع الحج وأباح لحوم الانعام كما في سورة الحج، وكان من شريعته الاعتزال عن المشركين كما في سورة الممتحنة، وكان ينهى عن كل ظلم لا ترتضيه الفطرة كما في سورة الأنعام وغيرها، ومن شرعه التطهر كما تشير إليه سورة الحج ووردت الاخبار أنه عليه السلام شرع الحنيفية وهى عشر خصال: خمس في الرأس وخمس في البدن ومنها الختنة، وكان يحيى بالسلام كما في سورة هود ومريم.
وقد قال الله تعالى: ملة أبيكم إبراهيم) (الحج: 78) وقال: (قل بل ملة إبراهيم حنيفا) (البقرة: 135) فوصف هذا الدين على ما له من الأصول والفروع بأنه ملة إبراهيم عليه السلام، وهذا وإن لم يدل على أن هذا الدين على ما فيه من تفاصيل الاحكام كان مشرعا في زمن إبراهيم عليه السلام بل الامر بالعكس كما يدل عليه قوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى) (الشورى: 13) إلا أنه يدل على أن شرائعه راجعة إلى أصل أو أصول كلية تهدى إليها الفطرة مما ترتضيه وتأمر به أو لا ترتضيه وتنهى عنه قال تعالى في آخر هذه السورة بعد ما ذكر حججا على الشرك وجملا من الأوامر والنواهي الكلية مخاطبا نبيه صلى الله عليه وآله: (قل إنني هداني ربى إلى صراط مستقيم، دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) (الانعام: 161).
ولو كان الامر على ما ذكره أن الله لم يشرع لإبراهيم عليه السلام شريعة بل اكتفى بما بين يديه من القانون المدني الدائر وهو شريعة حمورابي لكانت الشريعة المذكورة ممضاة مصوبة من عند الله، وكانت من أجزاء دين إبراهيم عليه السلام بل الدين الاسلامي الذي شرع في القرآن لأنه هو ملة إبراهيم حنيفا فكانت إحدى الشرائع الإلهية ونوعا من الكتب السماوية.
والحق الذي لا مرية فيه أن الوحي الإلهي كان يعلم الأنبياء السالفين وأممهم أصولا كلية في المعاش والمعاد كأنواع من العبادة وسننا كلية في الخيرات والشرور يهتدى إلى تشخيصها الانسان السليم العقل من المعاشرة الصالحة والتجنب عن الظلم والاسراف وإعانة المستكبرين ونحوها، ثم يؤمرون بالدخول في المجتمعات بهذا التجهيز الذي جهزوا به، والدعوة إلى أخذ الخير والصلاح ورفض الشر والفحشاء والفساد سواء كانت المجتمعات التي دخلوا فيها يدبرها استبداد الظلمة والطغاة أو رأفة العدول من السلاطين وسياستهم المنظمة.
ولم يشرع تفاصيل الاحكام قبل ظهور الدين الاسلامي إلا في التوراة وفيها أحكام يشابه بعضها بعض ما في شريعة حمورابي غير أن التوراة نزلها الله على موسى عليه السلام وكانت محفوظة في بني إسرائيل فقدوها في فتنه بخت نصر التي أفنت جمعهم وخربت هيكلهم ولم يبق منهم إلا شرذمة ساقتهم الأسارة إلى بابل فاستعبدوا وأسكنوا فيه إلى أن فتح الملك كورش بابل وأعتقهم من الأسر وأجاز لهم الرجوع إلى بيت المقدس، وأن يكتب لهم عزراء الكاهن التوراة بعد ما أعدمت نسخها ونسيت متون معارفها، وقد اعتادوا بقوانين بابل الجارية بين الكلدانيين.
ومع هذا الحال كيف يحكم بأن الله أمضى في الشريعة الكليمية كثيرا من شرائع حمورابي، والقرآن إنما يصدق من هذه التوراة بعض ما فيها، وبعد ذلك كله لا مانع من كون بعض القوانين غير السماوية مشتملا على بعض المواد الصالحة والاحكام الحقة.
دمتم في رعاية الله