هاني علي ( 49 سنة ) - الولايات المتحدة
منذ 4 سنوات

يوم القيامة

يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ) و يقول عز وجل (قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ۜ ۗ هَٰذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَٰنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) صدق الله العلي العظيم. العوالم من عالم الذر حتى عالم الدنيا فعالم البرزخ فعالم الآخرة و غيرها من عوالم لا يعلمها إلا الله، كل عالم له خصوصياته فمثلا عالم الدنيا فيه الوحدات الفيزيائية من وقت و مكان و حجم و طول و سرعة...الخ ، السوال : لماذا يظن المجرمين أنهم لبثوا لحظة قصيرة و أنهم كانوا راقدين في قبورهم، فهل أن في البرزخ لا وقت أو مكان يحد الروح ؟


بسم الله الرحمن الرحيم(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْـمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُواْ غَيرَ سَاعَة كَذلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ (55) الاية تريد بيان مشهد من مشاهد يوم القيامة الأليمة، وذلك بتجسيمه حالة المجرمين في ذلك اليوم، إذ يقول: (ويوم تقوم الساعة يقسمالمجرمون ما لبثوا غير ساعة) في عالم البرزخ أجل (كذلك كانوا يؤفكون)فإنّهم فيما سبق كانوا محرومين من إدراك الحقائق ومصروفين عنها. والتعبير بـ "الساعة" عن يوم القيامة - كما أشرنا إليه سابقاً - هو إمّا لأنّ يوم القيامة يقع في لحظة مفاجئة، أو لأنّه من جهة أن أعمال العباد تحاسب بسرعة هناك، لأنّ الله سريع الحساب، ونعرف أنّ "الساعة" في لغة العرب تعني جزءاً أو لحظة من الزمن(1). وبالرغم من أنّ الآية المتقدمة لم تشر إلى مكان (اللبث) حتى احتمل بعضهم أنّ المراد منه هو لبثهم في الدنيا، الذي هو في الواقع بمثابة لحظة عابرة لا أكثر، إلاّ أنّ الآية التي بعدها دليل واضح على أن المراد منه هو اللبث في عالم البرزخ.. وعالم ما بعد الموت.. وما قبل القيامة، لأنّ جملة (لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث) تنهي هذا اللبث إلى يوم القيامة، ولا يصح هذا إلاّ في شأن البرزخ (فلاحظوا بدقة). ونعرف - هنا أيضاً - أن "البرزخ" ليس للجميع على شاكلة واحدة، فقسم له في البرزخ حياة واعية، وقسم مثلهم كمن يغط في نوم عميق - في عالم البرزخ - ويستيقظون في يوم القيامة، ويتصورون آلاف السنين ساعة واحدة. كيف يقسم المجرمون مثل هذا القسم الكاذب؟ والجواب واضح، فهم يتصورون - واقعاً - مثل هذا التصور، ويظنون أن فترة البرزخ كانت قصيرة جدّاً، لأنّهم كانوا في حالة تشبه النوم، ألا ترى أن أصحاب الكهف الذين كانوا صالحين مؤمنين، حين أفاقوا بعد نوم طويل، تصوروا أنّهم لبثوا يوماً أو بعض يوم في منامهم. أو أن أحد الأنبياء الواردة قصته في سورة البقرة (الآية 259) بعد أن أماته الله مئة عامة ثمّ بعثه للحياة ثانية، لم يظهر في تصوره غير أنّه لبث يوماً أو بعض يوم. فما يمنع أن يتصور المجرمون - مع ملاحظة حالتهم الخاصة في عالم البرزخ وعدم إطلاعهم - مثل هذا التصور!؟ لذا يقول المؤمنون الذين أُوتوا العلم - كما تذكره الآية التي تأتي بعد هذه الآية -: إنّكم غير مُصيبين في قولكم، إذ لبثتم في عالم البرزخ إلى يوم القيامة، وهذا هو يوم القيامة!. ومن هنا تتّضح المسألة الثّانية. أي تفسير جملة (كذلك كانوا يؤفكون)لأنّ "الإفك" في الأصل معناه تبدل الوجه الحقيقي والإنصراف عن الحق، وهذه الجماعة ابتعدت عن الواقع لحالتها الخاصة في عالم البرزخ، فلم تستطع أن تحدد لبثها في عالم البرزخ. ومع ملاحظة أنّه لاحاجة لنا إلى الأبحاث الطويلة التي بحثها جمع من المفسّرين، وفي أنّه لم يكذب المجرمون عمداً في يوم القيامة، لأنّه ليس في الآية دليل على كذبهم العمد في هذه المرحلة!. وبالطبع فإنّنا نرى في آيات القرآن الأخر أمثلة من أكاذيب المجرمين يوم القيامة، وقد بيّنا الإجابة المفصلة على كل ذلك في ذيل الآية (23) من سورة الأنعام، لكن ذلك البحث لا علاقة له بموضوع هذه الآيات! (قالوا ياويلنا من بعثنا من مرقدنا، هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون). نعم فإنّ المشهد مهول ومذهل إلى درجة أنّ الإنسان ينسى جميع الخرافات والأباطيل ولا يتمكّن إلاّ من الإعتراف الواضح الصريح بالحقائق، الآية تصوّر القبور (بالمراقد) والنهوض من القبور (بالبعث) كما ورد في الحديث المعروف (كما تنامون تموتون وكما تستيقظون تبعثون). ففي البدء يستغربون إنبعاثهم ويتساءلون عمّن بعثهم من مرقدهم؟ ولكنّهم يلتفتون بسرعة ويتذكّرون بأنّ أنبياء الله الصادقين، وعدوهم بمثل هذا اليوم، فيجيبون أنفسهم قائلين: (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) ولكن وا أسفاه إنّنا كنّا نستهزىء بكلّ ذلك!! وعليه فإنّ هذه الجملة هي بقيّة حديث هؤلاء المتكبّرين الكفرة بالمعاد والبعث، ولكن البعض ذهب إلى أنّ حديث الملائكة أو المؤمنين، وذلك على ما يبدو خلاف ظاهر الآية، ولا داعي ولا ضرورة له، لأنّ إعتراف الكفّار والمنكرين للمعاد في ذلك اليوم لا ينحصر بهذه الآية، ففي الآية (97) من سورة الأنبياء (واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا ياويلنا قد كنّا في غفلة من هذا بل كنّا ظالمين). وعلى كلّ حال، فإنّ التعبير بـ (مرقد)(2) يوضّح أنّهم في عالم البرزخ كانوا بحالة شبيهة بالنوم العميق، وكما ذكرنا في تفسير الآية (100) من سورة (المؤمنون)، فإنّ البرزخ بالنسبة إلى أكثر الناس الذين هم على الوسط من الإيمان أو الكفر هو حالة شبيهة بالنوم، وفي حال المؤمنين أصحاب المقامات الرفيعة، أو الكفّار الموغلين في الكفر والجحود فإنّ البرزخ بالنسبة إليهم عالم واضح المعالم، وهم فيه أيقاظ يهنأون في النعيم أو يصطرخون في العذاب. احتمل بعضهم أيضاً أنّ هول ودهشة القيامة شديدان إلى درجة أنّ العذاب في البرزخ يكون شبه النوم بالنسبة إلى ما يرونه في القيامة.

1