تأثير العقل الباطن على الحياة
هنالك أناس يقولون: إنّ العقل الباطن يمكنه أن يحقّق الأحلام بإذن الله، وينحف ويجلب المال وهذه الأمور، فهل هذا صحيح؟ و هل هو حرام أم حلال؟
العقل الباطن واللاوَعي (مُصطلَحٌ في علمِ النفسِ لوصفِ العمليّاتِ العقليّةِ والأفكارِ والتصوّراتِ والمشاعرِ التي تدورُ في عقولِ الناسِ دونَ إدراكٍ منهم). ومدارس التحليل النفسي لمّا لم تدرك الجانب الروحي للإنسان حصرت الإنسانَ في مجموعةٍ منَ الغرائزِ البدائيّة، وبخاصّةٍ الغريزة الجنسيّة التي أرجعَ إليها فرويد كلَّ الأسبابِ المؤدّيةِ للاضطراباتِ النفسيّة، وفي ذلكَ إهمالٌ واضحٌ لعواملِ البيئةِ والثقافةِ وجميعِ مؤثّراتِ المُحيطِ الذي يعيشُ فيه الإنسان، وقد التفتَ العلماءُ لهذا القصورِ فعملوا على تطويرِ المدرسةِ التحليليّةِ بحيثُ تستوعبُ جميعَ هذه الأسباب، ولذا اعتبرَ روّادُها الجددُ أنَّ المشكلةَ النفسيّةَ تعودُ إلى خليطٍ بينَ الثقافةِ واللا شعور، واعتقدَ آخرونَ أنَّ المحرّكَ الأساسَ للأزماتِ النفسيّةِ هوَ الثقافةُ والتنشئةُ الاجتماعيّة، وهكذا بدأ علمُ النفسِ التحليليّ يوسّعُ دائرةَ الأسبابِ كما يوسّعُ تبعاً لذلكَ أساليبَ العلاج، فكانَ منَ الطبيعيّ أن تُصبحَ تقويةُ الروحِ والإرادةِ الإنسانيّةِ منَ العواملِ المُهمّةِ لعلاجِ الأمراضِ النفسيّة، وبذلكَ تجذّرَت مدرسةٌ جديدةٌ قائمةٌ على العلاجِ بالمعنى، أي تحفيزِ النفسِ الإنسانيّةِ بمعانٍ إيجابيّةٍ وبنظرةٍ مُتفائلةٍ للحياة، وقد ظهرَ ذلكَ بشكلٍ واضحٍ في اتّجاهاتِ التنميةِ البشريّة، أو ما يُسمّى بالبرمجةِ اللغويّةِ العصبيّة، وممّا لا شكَّ فيه أنَّ هناكَ ثماراً إيجابيّةً لهذا العلمِ إذا تمَّ توظيفُه في حدودِ الضوابطِ العقليّةِ والشرعيّة. فتوظيف العقل الباطن في تلك الحوافز يصنع المعاجز. إذا عرفت هذا علمتَ الفارق بينه وبين بعض الأفكار الشاذة التي لها توجّهات مادّيّة بحتة صوّرَتِ العقلَ الباطنَ موجوداً قادراً على صنع كلّ ما يريد، وكأنّه إلهٌ له قدراتٌ مُطلقةٌ، فهوَ المغني والمعافي والمجمِّل والمنحِّف والمسيِّر للآخرين المتحكم ببالعمليات الجسمانية وما حوله؛ فهوَ الذي يجعلُ الإنسانَ سليماً أو مريضاً، سعيداً أو تعيساً، غنيّاً أو فقيراً، وهذا ما لا يمكنُ قبولهُ والتسليمُ به، وقد أشارَ السائلُ في سؤالِه لهذا المعنى، فليسَ هناكَ خوارق لقوانينِ الطبيعةِ ولا وجودَ لقوّةٍ باطنيّةٍ يمكنُها أن تتجاوزَ السّننَ الكونيّةَ وما قدّرَه اللهُ للإنسان، وكلُّ ما يمكنُ قبولهُ مِن هذا العلمِ هوَ التطبيقاتُ العلميّةُ التي يشهدُ بها العقل وتصدّقُها التجاربُ الصحيحة، فمثلاً قانونُ الجذبِ الفكري الذي تتحدّثُ عنه البرمجةُ اللغويّةُ العصبيّة لا يمكنُ التسليمُ بكونِه مسؤولاً عن كلِّ ما يصيبُ الإنسان، فقوّةُ العقلِ الباطنِ لا يمكنُ أن تكونَ صاحبةَ الأقدار، ولا يعني ذلكَ أنّنا نتجاهلُ تأثيرَ التفكيرِ الإيجابي والتفاؤل الذي مدحته الشريعة أو التشاؤم الذي ذمته واعتبرته واقعاً على المتفائل والمتشائم، وإنّما نتحرّزُ أن يمنعنا ذلكَ منَ الإيمانِ بقُدرةِ اللهِ وتقديرِه، فاللهُ هوَ مَن يُقدّرُ حياةَ الإنسانِ وليسَ اللا وعي، ومنَ المؤكّدِ أنَّ إيمانَنا بقُدرةِ اللهِ وتقديرِه لا تتعارضُ معَ التفاؤلِ والعملِ إلّا أنَّ النتيجةَ النهائيّةَ تبقى بيدِ اللهِ ومشيئتِه وليسَ مُجرّدَ التفكيرِ العميقِ يجذبُ بذاتِه ما يفكّرُ فيه الإنسانُ استقلالاً عن تقديرِ الله، فكم من متأمل للغنى مات فقيراً وللشفاء مات مريضاً، كما أراد الله لهم ذلك خلاف عقلهم الباطني فليس التفكير في الغنى أو في الصحّةِ أو في الخلودِ يجعلُ الإنسانَ حتماً غنيّاً ومُعافى وخالداً شاءَ اللهُ ذلكَ أو لم يشأ قدّرَ اللهُ ذلكَ أو لم يُقدّره، وإلا لكان العقل الباطن إلهاً، حتى لو جعلتم قيد (بإذن الله) فسيكون مفوَّضاً إليه إيجاد الغنى والصحة والتحكّكم وهذا خلاف ما نصّ عليه أهل البيت عليهم السلام من بطلان التفويض في مثل تلك الأمور، في قولهم: (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين). النتيجة: أنَّ أصلَ وجودِ عقلٍ باطنٍ وأنَّ له تأثيراً على سلوكِ الإنسانِ لا يتعارضُ معَ الشرع، طالما كانَ ذلكَ التأثيرُ ضمنَ السننِ والقوانينِ التي يعترفُ بها العقلُ الواعي، ولكن الذي لا يمكنُ قبولهُ هوَ الإيمانُ بالعقلِ الباطنِ الذي تنتفي معهُ إرادةُ الإنسان، أو الاعتقادُ بأنَّ العقلَ الباطنَ له سلطةٌ خارقةٌ تنتفي معَها سلطةُ اللهِ وقُدرتُه، أو أنّ بيده العصى السحرية المجعولة من الله بحيث إذا ركز على الغنى بطريقة معينة اغتنى صاحبه، فهذا كله باطل غير مقبول.