السلام عليكم
هل تحدث اهل البيت صلوات اَلله عليهم عن الجُبُنْ؟وكيفية علاجه و اكتساب الشجاعة؟
فنرى اكثر الشباب الان يعانون من الجبن فبعضهم يخاف حتى ان يدافع عن عرضه واذا دافع فيهزم بسهولة بسبب سيطرة الخوف عليه؟
وما صحة القول ان الذي يولد جبان سيبقى جبان مهما حاول اكتساب الشجاعة؟
وما علاقة قوة الايمان بأكتساب الشجاعة؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
اهلا وسهلا بالسائل الكريم
الشجاعة
أبرز صفات الرجولة، واعز ملكاتها، وأكثرها أثراً في تهذيب الأخلاق، وتنظيم الأعمال، لأن تهذيب الملكات جهاد، والمحافظة على الملكات المهذبة جهاد آخر، والمجاهد مخذول إذا لم تناصره الشجاعة ولم يرافقه الصبر، وبالثبات تنجح المساعي وتبلغ المقاصد، وتتم الإعمال، والشجاعة بنفسها إحدى الملكات التي لا تحصل إلا بالمجاهدة، لأنها توازن في قوة الغضب، وكيف يتوازن الغضب من غير كفاح، وكيف ترد عاديته بغير جهاد، وإذن فلا بد للإنسان من قوة أخرى تضرب الغضب بالغضب وتمزج اللين بالقوة لتركب من المجموع مزيجاً معتدلاً يسمى بالشجاعة، وتلك القوة هي الحكمة، وجنديها المكافح هو قوة الإرادة.
(الغضب ممحقة لقلب الحكيم) بهذه الكلمة القصيرة يصف الإمام الصادق (ع) آثار الغضب ثم يقول بعدها: (من لم يملك غضبه لم يملك عقله)[11] الحكمة دليل الخير ورائد الإصلاح، وقلب الحكيم مصدر هذه الدلالة ومشرق ذلك النور ولكن ماذا يجدي هذا الدليل إذا هاج الغضب، وماذا ينفع هذا إِذا احتدم الغيظ.
قد يسترشد الأعمى فيرشد، وقد يستدل الحائر فيهتدي والغاضب لا يقبل الإرشاد ولا يسمع النصح، لأن الغضب جنون والمجنون لا يسمع نصح الناصحين، دليل هذه الدعوى ظاهر في عيني الغاضب، وعلى تجاعيد وجهه، واحتباس أنفاسه، وتزاحم الكلمات على شفتيه، ثم هو قد يعتذر بعد ذلك عن أعماله بأنه غاضب، إذن فهو يعترف على نفسه بالجنون (ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله).
وتهذيب الغضب يكون قبل حصوله، وطريقه هو التفكير في أسباب الغضب والتأمل في عواقبه وما يجره على النفس وعلى الغير من أضرار وأخطار. وليس من الصلاح ان يتعرض المرشد للإنسان في ساعة غضبه، لأنه قد يضيف بإرشاده إلى الغضب غضباً ويجمع إلى النار حطباً، ولكن من الخير ان يتمهله في النتيجة، وان يصرفه عن الفكرة صرفاً تدريجياً، لأن الغضب ثورة في دم القلب هم كما يقولون وبالتماصل وصرف الفكر تسكن هذه الثورة ويخلد الإنسان إلى السكون، ويقول بعض علماء النفس (إذا غضبت فعد العشرة) وهو يشير إلى هذا المعنى لأن تعداد العشرة يستدعي فرصة ولو قصيرة ويسبب تغيراً في وجهة النظر لو قليلاً.
(الغضب مفتاح كل شر)[12] يزول الغضب عن الإنسان ببطء أو بسرعة، ويبقى في النفس ما تبقى النار في الهشيم، وإذا خلقت النار أثراً واحداً أو أثرين، فإن الغضب يبقي آثاراً كثيراً لا يضبطها حساب، فالحقد، وحب الانتقام والقسوة وسوء الخلق، والبغي، والعجب، والكبر، و ... المزیدو... كل هذه من ثمرات التهور والإفراط في قوة الغضب.
ويقابله من جانب التفريط الجبن، وإذا كان التهور خروجاً عن حدود الإنسانية إلى حد الجنون، فإن الجبن ضعة في صفات الرجولة إلى حد السقوط.
يعيش الجبان في جو من الاضطراب ،ويخلق لنفسه مشاكل من الذعر. لأنه يفقد أعز شيئين يحتاج إليهما الإنسان، وهما: الثقة بالنفس، وقوة الإرادة، وعدوه الأول والأخير: الخوف والشعور بالنقص، ولو فكر قليلاً لعلم ان جميع ذلك من نسيج الوهم، وان الاحتياط الذي يتخذه لنفسه هو أشد ظلمة من الواقع الذي يحذر منه، لأن عاقبة هذا الخوف معلومة الخطر أما الواقع الذي يفر منه فهو خطر محتمل، ويحدثنا التاريخ ان كثيراً من الجبناء قتلهم الخوف من حيث أنهم يجتنبون مواضع الخوف.
وللجبن أثر سيئ على الصفات والأعمال، فهو يطبع الأخلاق بطابع الذعر، ويسم الإعمال بسمة التردد، وقد يكون من المستحيل على الجبان ان يتم عملاً واحداً صحيحاً حتى في هذه الأعمال التي يتحصن بها من الخوف من غير وجود سبب يوجب الخوف، والعجز عن احتمال ما يجب تحمله من الأمور، وضعة النفس وقصور الهمة، وفقدان الغيرة.
أما الشجاعة فهي أول فضيلة للقوة الغضبية، ولها مظهران: ثبات في مقام الدفاع. وإقدام في محل الجهاد.
والشجاعة لا تتميز بلون واحد، ولا تختص بسمة خاصة، فالغضب للحق شجاعة لأنه مما يأمر به العقل، والحلم عن الجهل الجاهل شجاعة لأنه مما يدعو إليه الرشد والثورة على الباطل شجاعة لأنها مما تقتضيها الحكمة، يتقدم الشجاع في موضع التقدم على الباطل شجاعة لإنها مما تقتضيها الحكمة، يتقدم الشجاع في موضع التقدم، ويتأخر في محل التأخر، وهو في كلتا الحالتين شجاع لأنه ثابت القلب أمام المخاطر، شجاع لأنه يدبر حركاته بالحكمة. ويقسمها المتأخرون من الخلقيين إلى شجاعة بدنية، وشجاعة أدبية.
الشجاعة البدنية:
(جبلت الشجاعة على ثلاث طبائع، لكل واحدة منهن فضيلة ليست للأخرى: السخاء بالنفس، والأنفة من الذل، وطلب الذكر، فإذا تكاملت في الشجاع كان البطل الذي لا يقام لسبيله والموسوم بالإقدام في عصره، وإذا تفاضلت فيه بعضها على بعض كانت شجاعة في ذلك الذي تفاضلت فيه أكثر وأشد أقداماً)[13] .
عناصر الشجاعة ثلاثة على ما يقرره الإمام الصادق (ع) في هذا الحديث، يجب توفرها في الشخص ليسمى شجاعاً بالاستحقاق، والذي يفقد واحداً منها لا يستحق هذه الصفة لأنه يفقد ركناً من أركان الشجاعة.
(1) السخاء بالنفس، وهذا هو العنصر الأول في الأهمية أيضاً، وإذا عرفنا ان السخاء بالشيء هو بذله عن طيب نفس علمنا الذي يتكلف بذل نفسه لبعض الدواعي لا يستحق ان يسمى شجاعاً، وان اجتمعت فيه العناصر الأخرى للشجاعة ولكن قد يتكرر هذا التكلف من الإنسان حتى يصبح معتاداً عليه، ويعود سخياً ويستحق صفة الشجاعة إذا استكمل بقية عناصرها.
(2) و (3) الأباء والشمم، وهما خلقان نفسيان متلازمان في الأكثر، وأثر الأباء احتفاظ الإنسان بكرامة نفسه وترفعه عن الدنيء من الأمور، وأثر الشمم، طلب الرفعة والتوجه إلى المراتب الجليلة، وهما قريبان في المعنى من عزة النفس، وعلو الهمة، وسنذكرهما فيما يأتي. وهذه العناصر الثلاثة المتقدمة قد تجتمع في الشخص بأرقي مراتبها فيصفه الإمام (ع) بالشجاع الكامل وبالبطل الذي لا يقام لسبيله. وقد يضعف فيه بعض العناصر فيفقد من الشجاعة الكاملة بمقدار ذلك النقص.
أما الشرط الأول للشجاعة وهو إخضاع قوة الغضب لقوة العقل فيقول فيه: ثلاثة تعقب مكروها. حملة البطل في الحرب في غير فرصة، وان رزق الظفر[14] .النفس أثمن شيء يجده الإنسان، ونفس البطل أعز ذخيرة يحتفظ بها ليومها الأكبر، فيجب عليه ان لا يخاطر بهذه النفس إلا إذا أحرز الفرصة ووثق بالفوز، وإلاّ فإنه يبيع نفسه من غير ثمن، والعقل يعد مجازفاً وإن رزق النصر، لأن نصره هذا وليد المصادفة، والمصادفات لا تدخل تحت مقياس.
والشجاعة لا تختص بالجندي يقدم نفسه فداء للدين، أو يبذل دمه لنصرة الوطن فإن للشجاعة البدنية أنواعاً كثيرة, لأن شدائد الحياة لا تدخل تحت حساب، وملاقاة هذه الأهوال شجاعة متى كان الإقدام فيها بإشارة العقل وإرشاده فالشجاعة تكون في الجندي وفي القائد، والطبيب ورجال الإنقاذ على سواء إذا اجتمعت في هؤلاء عناصر الشجاعة التي ذكرها الإمام في حديثه السابق.
الشجاعة الأدبية
قد يصوب الإنسان رأياً من الآراء أو يعتنق مبدءاً من المبادئ، فيعتقد أنه الحق، ثم يجهر بهذه العقيدة وان كلفة الجهر بها غالياً، وأدى ثمنها مضاعفاً فيسمى جهره هذا شجاعة أدبية عند الأدباء المعاصرين.
والشجاعة الأدبية خطة كبيرة يقوم عليها أساس نشر الحق وإعلان المبادئ السامية، وهي خطة المصلحين العظماء الذين اضطهدوا في إسعاد البشر وما توا لإحيائهم، والذين تنكرت لهم البشرية أحياءًٍٍ ثم خلدت لهم الذكر أمواتاً، ومن هؤلاء جنود مجهولون خدموا الناس فأنكرهم الناس وجهلهم التاريخ، ولكن أعمالهم مدونة في سجل هو أرفع من التأريخ، وإذا شكر الحق أعمالهم، ورفع لهم منازلهم فماذا يصنعون بتقدير الناس.
والشريعة الإسلامية تجعل هذا المبدأ من أهم فروضها، وأكبر واجباتها وتسميه (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)،ويقول الإمام الصادق(ع) في بيان وجوبه: (ويل لقوم لا يدينون الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[15] ويقول في الحث عليه: (مروا بالمعروف وأنهوا عن المنكر، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يقربا أجلاً ولم يباعداً رزقاً)[16] . (منقول) .
—————————————————————————-
[1] الكافي الحديث9 باب الرفق
[2] الحديث8 من المصدر المتقدم
[3] جامع السعادات ص361.
[4] أصول كافي الحديث4 باب حب الدنيا.
[5] الكافي الحديث9 باب كراهية الكسل من كتاب المعيشة.
[6] جامع السعادات ص361.
[7] جامع السعادات ص361.
[8] تحف العقول ص89.
[9] الكافي الحديث16 باب الرفق.
[10] الكافي الحديث الأول باب الدين.
[11] الكافي الحديث13 باب الغضب.
[12] الحديث الثالث من المصدر المتقدم.
[13] كتاب تحف العقول ص78.
[14] تحف العقول ص78.
[15] الكافي الحديث4 باب الأمر بالمعروف.
[16] الوسائل الحديث34 باب وجوب الأمر بالمعروف.