اهلا وسهلا بالسائل الكريم
نقل الصدوق (رحمه الله) في علل الشرائع، أن هذه المقولة وقعت من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، حينما جاء أحد الاشقياء إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وأخبرها أن علياً أبي الحسن (عليه السلام)، فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقا ما تقول: فقال: حقا ما أقول - ثلاث مرات - فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها .
وبعدها ذلك الحديث طويل الذيل، قال رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قال: فقال علي: بلى يا رسول الله قال: فقال: فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): صدقت وصدقت.
ومتن الحديث هو:
علل الشرائع: حدثنا علي بن أحمد قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن يحيى عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبد الله قالا: أتى رجل أبا عبد الله (عليه السلام) فقال له:
يرحمك الله هل تشيع الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة وقنديل أو غير ذلك مما يضاء به؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله (عليه السلام) من ذلك واستوى جالسا ثم قال: إنه جاء شقي من الأشقياء إلى فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله) فقال لها: أما علمت أن عليا قد خطب بنت أبي جهل فقالت: حقا ما تقول: فقال: حقا ما أقول - ثلاث مرات - فدخلها من الغيرة ما لا تملك نفسها وذلك أن الله تبارك وتعالى كتب على النساء غيرة وكتب على الرجال جهادا. وجعل للمحتسبة الصابرة منهن من الاجر ما جعل للمرابط المهاجر في سبيل الله.
قال: فاشتد غم فاطمة (عليها السلام) من ذلك، وبقيت متفكرة هي حتى أمست وجاء الليل حملت الحسن على عاتقها الأيمن والحسين على عاتقها الأيسر وأخذت بيد أم كلثوم اليسرى بيدها اليمنى ثم تحولت إلى حجرة أبيها فجاء علي (عليه السلام) فدخل في حجرته فلم ير فاطمة (عليها السلام) فاشتد لذلك غمه وعظم عليه، ولم يعلم القصة ما هي فاستحيى أن يدعوها من منزل أبيها فخرج إلى المسجد فصلى فيه ما شاء الله ثم جمع شيئا من كثيب المسجد واتكأ عليه.
فلما رأى النبي (صلى الله عليه وآله) ما بفاطمة من الحزن أفاض عليه الماء ثم لبس ثوبه ودخل المسجد، فلم يزل يصلي بين راكع وساجد وكلما صلى ركعتين دعا الله أن يذهب ما بفاطمة من الحزن والغم وذلك أنه خرج من عندها وهي تتقلب وتتنفس الصعداء فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله) أنها لا يهنئها النوم، وليس لها قرار قال لها: قومي يا بنية فقامت فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحملت فاطمة الحسين وأخذت بيد أم كلثوم فانتهى إلى علي (عليه السلام) وهو نائم فوضع النبي رجله على رجل علي فغمزه وقال: قم يا أبا تراب، فكم ساكن أزعجته، ادع لي أبا بكر من داره وعمر من مجلسه وطلحة.
فخرج علي (عليه السلام) فاستخرجهما من منزلهما، واجتمعوا عند رسول الله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي أما علمت أن فاطمة بضعة مني وأنا منها، فمن آذاها فقد آذاني [ومن آذاني فقد آذى الله] (1) ومن آذاها بعد موتي كان كمن آذاها في حياتي، ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قال: فقال علي: بلى يا رسول الله قال: فقال: فما دعاك إلى ما صنعت؟ فقال علي: والذي بعثك بالحق نبيا ما كان مني مما بلغها شئ ولا حدثت بها نفسي فقال النبي (صلى الله عليه وآله): صدقت وصدقت.
ففرحت فاطمة (عليها السلام) بذلك وتبسمت حتى رئي ثغرها فقال أحدهما لصاحبه: إنه لعجب لحينه ما دعاه إلى ما دعانا هذه الساعة قال: ثم أخذ النبي (صلى الله عليه وآله) بيد علي (عليه السلام) فشبك أصابعه بأصابعه فحمل النبي (صلى الله عليه وآله) الحسن وحمل الحسين علي (عليه السلام) وحملت فاطمة (عليها السلام) أم كلثوم وأدخلهم النبي (صلى الله عليه وآله) بيتهم ووضع عليهم قطيفة، واستودعهم الله ثم خرج وصلى بقية الليل.
فلما مرضت فاطمة (عليها السلام) مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما فلما رأى ذلك أبو بكر أعطى الله عهدا لا يظله سقف بيت حتى يدخل على فاطمة (عليها السلام) ويتراضاها. فبات ليلة في الصقيع ما أظله شئ ثم إن عمر أتى عليا (عليه السلام) فقال له: إن أبا بكر شيخ رقيق القلب، وقد كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الغار فله صحبة وقد أتيناها غير هذه المرة مرارا نريد الاذن عليها وهي تأبى أن تأذن لنا حتى ندخل عليها فنتراضى فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم، فدخل علي على فاطمة (عليها السلام) فقال: يا بنت رسول الله قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد ترددا مرارا كثيرة ورددتهما ولم تأذني لهما وقد سألاني أن أستأذن لهما عليك فقالت: والله لا آذن لهما ولا أكلمهما كلمة من رأسي حتى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه وارتكباه مني.
قال علي (عليه السلام): فإني ضمنت لهما ذلك، قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئا فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشئ فائذن لمن أحببت، فخرج علي (عليه السلام) فأذن لهما فلما وقع بصرهما على فاطمة (عليها السلام) سلما عليها فلم ترد عليهما وحولت وجهها عنهما فتحولا واستقبلا وجهها حتى فعلت مرارا، وقالت: يا علي جاف الثوب، وقالت لنسوة حولها: حولن وجهي، فلما حولن وجهها حولا إليها فقال أبو بكر: يا بنت رسول الله إنما أتيناك ابتغاء مرضاتك، واجتناب سخطك نسألك أن تغفري لنا وتصفحي عما كان منا إليك، قالت: لا أكلمكما من رأسي كلمة واحدة حتى ألقى أبي وأشكوكما إليه، وأشكو صنعكما وفعالكما وما ارتكبتما مني.
قالا: إنا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك فاغفري واصفحي عنا ولا تؤاخذينا بما كان منا، فالتفتت إلى علي (عليه السلام) وقالت: إني لا أكلمهما من رأسي كلمة حتى أسألهما عن شئ سمعاه من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن صدقاني رأيت رأيي قالا: اللهم ذلك لها وإنا لا نقول إلا حقا ولا نشهد إلا صدقا.
فقالت: أنشدكما بالله أتذكر ان أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) استخرجكما في جوف الليل بشئ كان حدث من أمر علي؟ فقالا: اللهم نعم، فقالت: أنشدكما بالله هل سمعتما النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: فاطمة بضعة مني وأنا منها من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي ومن آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي؟ قالا: اللهم نعم فقالت: الحمد لله.
ثم قالت: اللهم إني أشهدك فاشهدوا يا من حضرني أنهما قد آذياني في حياتي وعند موتي، والله لا أكلمكما من رأسي كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما إليه بما صنعتما [به و] بي وارتكبتما مني، فدعا أبو بكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي لم تلدني، فقال عمر: عجبا للناس كيف ولوك أمورهم وأنت شيخ قد خرفت تجزع لغضب امرأة وتفرح برضاها وما لمن أغضب امرأة، وقاما وخرجا.
قال: فلما نعي إلى فاطمة (عليها السلام) نفسها أرسلت إلى أم أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها فقالت: يا أم أيمن إن نفسي نعيت إلي فادعي لي عليا فدعته لها فلما دخل عليها قالت له: يا ابن العم أريد أن أوصيك بأشياء فاحفظها علي فقال لها: قولي ما أحببت، قالت له: تزوج فلانة تكون مربية لولدي من بعدي مثلي، واعمل نعشا رأيت الملائكة قد صورته لي فقال لها علي: أريني كيف صورته، فأرته ذلك كما وصفت له وكما أمرت به، ثم قالت: فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار، ولا يحضرن من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة علي، قال علي (عليه السلام): أفعل.
فلما قضت نحبها صلى الله عليها وهم في ذلك في جوف الليل أخذ علي (عليه السلام) في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها، أخرج علي الجنازة وأشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار، حتى صلى عليها ودفنها ليلا.
فلما أصبح أبو بكر وعمر عاودا عائدين لفاطمة، فلقيا رجلا من قريش فقالا له: من أين أقبلت؟ قال: عزيت عليا بفاطمة، قالا: وقد ماتت؟ قال: نعم، ودفنت في جوف الليل، فجزعا جزعا شديدا ثم أقبلا إلى علي (عليه السلام) فلقياه فقالا له: والله ما تركت شيئا من غوائلنا ومسائتنا وما هذا إلا من شئ في صدرك علينا، هل هذا إلا كما غسلت رسول الله (صلى الله عليه وآله) دوننا ولم تدخلنا معك، وكما علمت ابنك أن يصيح بأبي بكر أن: أنزل عن منبر أبي.
فقال لهما علي (عليه السلام): أتصدقاني إن حلفت لكما؟ قالا: نعم، فحلف فأدخلهما علي المسجد قال: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أوصاني وقد تقدم إلي أنه لا يطلع على عورته أحد إلا ابن عمه، فكنت اغسله والملائكة تقلبه والفضل بن العباس يناولني الماء وهو مربوط العينين بالخرقة، ولقد أردت أن أنزع القميص فصاح بي صائح من البيت سمعت الصوت ولم أر الصورة: لا تنزع قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولقد سمعت الصوت يكرره علي فأدخلت يدي من بين القميص فغسلته، ثم قدم إلي الكفن فكفنته، ثم نزعت القميص بعدما كفنته.
وأما الحسن ابني فقد تعلمان ويعلم أهل المدينة أنه كان يتخطى الصفوف حتى يأتي النبي (صلى الله عليه وآله) وهو ساجد فيركب ظهره فيقوم النبي (صلى الله عليه وآله) ويده على ظهر الحسن والأخرى على ركبته حتى يتم الصلاة قالا: نعم قد علمنا ذلك.
ثم قال: تعلمان ويعلم أهل المدينة أن الحسن كان يسعى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) ويركب على رقبته ويدلي الحسن رجليه على صدر النبي (صلى الله عليه وآله) حتى يرى بريق خلخاليه من أقصى المسجد والنبي (صلى الله عليه وآله) يخطب ولا يزال على رقبته حتى يفرغ النبي (صلى الله عليه وآله) من خطبته والحسن على رقبته فلما رأى الصبي على منبر أبيه غيره شق عليه ذلك، والله ما أمرته بذلك ولا فعله عن أمري.
وأما فاطمة فهي المرأة التي استأذنت لكما عليها، فقد رأيتما ما كان من كلامها لكما، والله لقد أوصتني أن لا تحضرا جنازتها ولا الصلاة عليها، وما كنت الذي أخالف أمرها ووصيتها إلي فيكما فقال عمر: دع عنك هذه الهمهمة، أنا أمضي إلى المقابر فأنبشها حتى أصلي عليها، فقال له علي (عليه السلام): والله لو ذهبت تروم من ذلك شيئا وعلمت أنك لا تصل إلى ذلك حتى يندر عنك الذي فيه عيناك فإني كنت لا أعاملك إلا بالسيف قبل أن تصل إلى شئ من ذلك.
فوقع بين علي (عليه السلام) وعمر كلام حتى تلاحيا واستبسل، واجتمع المهاجرون والأنصار فقالوا: والله ما نرضى بهذا أن يقال في ابن عم رسول الله وأخيه ووصيه وكادت أن تقع فتنة، فتفرقا. (1) بيان: الصعداء بالمد تنفس ممدود، قوله (صلى الله عليه وآله): وصدقت إما تأكيد للأول أو على بناء المجهول من المخاطب، أو على الغيبة أي صدقت فاطمة (عليها السلام) لأنها لم تذكر إلا ما سمعت، والصقيع الذي يسقط من السماء بالليل شبيه بالثلج، ويقال أجفيت السرج من ظهر الفرس إذا رفعته عنه، وجافاه عنه أي أبعده ولعل المعنى:
خذ الثوب وارفعه قليلا حتى أتحول من جانب إلى جانب (والهمهمة) تنويم المرأة الطفل بصوتها، وندر الشئ يندر ندرا سقط وشذ، والملاحاة المنازعة، والمباسلة المصاولة في الحرب والمستبسل الذي يوطن نفسه على الموت، واستبسل أي طرح نفسه في الحرب، وهو يريد أن يقتل لا محالة.