( 25 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تفسير الاية

ما هو تفسير هذه الاية ... وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٤ - الصفحة ١٦-١٩: تشرح هذه الآية الكريمة قسما آخر من الأحكام الجنائية والحدود الإلهية التي وردت في التوراة، فتشير إلى ما ورد في هذا الكتاب السماوي من أحكام وقوانين تخص القصاص، وتبين أن من يقتل انسانا بريئا فإن لأولياء القتيل حق القصاص من القاتل بقتله نفسا بنفس. حيث تقول الآية في هذا المجال: وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس. كما بينت أن من يصيب عين انسان آخر ويتلفها، يستطيع هذا الإنسان المتضرر في عينه أن يقتص من الفاعل ويتلف عينه، إذ تقول الآية في هذا المجال: والعين بالعين ... المزید. وكذلك الحال بالنسبة للأنف والأذن والسن والجروح الأخرى، والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص.... وعلى هذا الأساس فإن حكم القصاص يطبق بشكل عادل على المجرم الذي يرتكب أحد الجرائم المذكورة، دون الالتفات إلى عنصره أو قوميته أو طبقته الاجتماعية أو طائفته، ولا مجال أبدا لاستخدام التمايز القومي أو الطبقي أو الطائفي لتأخير تطبيق حكم القصاص على الجاني. وبديهي أن تطبيق حكم القصاص على المعتدي شأنه شأن الأحكام الإسلامية الأخرى، مقيد بشروط وحدود ذكرتها كتب الفقه، ولا يختص هذا الكلام ولا ينحصر ببني إسرائيل وحدهم، لأن الإسلام - أيضا - جاء بنظيره كما ورد في آية القصاص في سورة البقرة - الآية (178). وقد أنهت هذه الآية التمايز غير العادل الذي كان يمارس في ذلك الوقت حيث ذكرت بعض التفاسير أن تمايزا غريبا كان يسود بين طائفتين من اليهود، هما بنو النضير وبنو قريظة الذين كانوا يقطنون المدينة المنورة في ذلك العصر، لدرجة أنه إذا قتل أحد أفراد طائفة بني النضير فردا آخر من طائفة بني قريظة فالقاتل لا ينال القصاص، بينما في حالة حصول العكس فإن القاتل الذي كان من طائفة بني قريظة كان ينال القصاص إن هو قتل واحدا من أفراد طائفة بني النضير. ولما امتد نور الإسلام إلى المدينة سأل بنو قريظة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الأمر، فأكد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا فرق في الدماء بين دم ودم... فاعترضت قبيلة بني النضير على حكم النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وادعت أن حكمه حط من شأنهم، فنزلت الآية الأخيرة وبينت أن هذا الحكم غير مختص بالاسلام، بل حتى الديانة اليهودية أوصت بتطبيق قانون القصاص بصورة عادلة (1). ولكي لا يحصل وهم أن القصاص أو المقابلة بالمثل أمر الزامي لا يمكن الحيدة عنه، استدركت الآية بعد ذكر حكم القصاص فبينت أن الذي يتنازل عن حقه في هذا الأمر ويعفو ويصفح عن الجاني، يعتبر عفوه كفارة له عن ذنوبه بمقدار ما يكون للعفو من أهمية فمن تصدق به فهو كفارة له.... (1) ويجب الانتباه إلى أن الضمير الوارد في كلمة (به) يعود على القصاص، وكانت الآية جعلت التصدق بالقصاص عطية أو منحة للجاني واستخدام عبارة " التصدق " والوعد الذي قطعه الله للمتصدق، يعتبران عاملا محفزا على العفو والصفح، لأن القصاص لا يمكنه أن يعيد للإنسان ما فقده مطلقا، بل يهبه نوعا من الهدوء والاستقرار النفسي المؤقت، بينما العفو الذي وعد به الله للمتصدق، بإمكانه أن يعوضه عما فقده بصورة أخرى، وبذلك يزيل عن قلبه ونفسه بقايا الألم والاضطراب، ويعتبر هذا الوعد خير محفز لمثل هؤلاء الأشخاص. وقد ورد عن الحلبي قال سألت أبا عبد الله - الإمام الصادق - (عليه السلام) عن قوله الله عز وجل: فمن تصدق به فهو كفارة لهو.. قال: " يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما عفى " (2). وتعتبر هذه الجملة القرآنية في الحقيقة خير جواب مفحم للذين يزعمون أن القصاص ليس بقانون عادل، ويدعون أنه يشجع روح الانتقام والمثلة. والذي يفهم من الصياغة العامة للآية هو أن جواز القصاص إنما هو لإخافة وإرعاب الجناة وبالنتيجة لضمان الأمن لأرواح الناس الأبرياء، كما أن الآية فتحت باب العفو والتوبة، وبذلك أراد الإسلام أن يحول دون ارتكاب مثل هذه الجرائم باستخدام الروادع والحوافز كالخوف والأمل، كما استهدف الإسلام من ذلك - أيضا - الحيلولة دون الانتقام للدم بالدم بقدر الإمكان - إذا استحق الأمر ذلك. وفي الختام تؤكد الآية قائلة: ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. وأي ظلم أكبر من الانجرار وراء العاطفة الكاذبة، وترك القاتل دون أن ينال قصاصه العادل بحجة لا ضرورة في غسل الدم بالدم، وفسح المجال للقتلة للتمادي بارتكاب جرائم قتل أخرى، وبالنهاية الإساءة عبر هذا التغاضي إلى أفراد أبرياء، وممارسة الظلم بحقهم نتيجة لذلك. ويجب الانتباه إلى أن التوراة المتداولة حاليا قد اشتملت على هذا الحكم أيضا، وذلك في الفصل الواحد والعشرين من سفر الخروج، حيث جاء فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن واليد باليد والرجل بالرجل والحرق بالحرق والجرح بالجرح والصفعة بالصفعة (سفر الخروج، الجمل 23 و 24 و 25).

1