إن الشيعة ليس لهم قول خاص بهم بالنسبة لمقدار عمر عائشة، فلعل غيرهم ينسب إليهم هذا الأمر بدون حساب، غير أنني أقول:
أولاً: يروي ابن إسحاق: أن عائشة أسلمت بعد ثمانية عشر إنساناً فقط(1). وهذا يدل على أن إسلامها كان في أول سني البعثة، وعلى أن عمرها حين البعثة كان أكثر من تسع سنين، لأن الإسلام الذي يعتد به هو الذي يكون بعد سن التكليف، بل إن الناس كانوا يعدون من يكون في سن التاسعة أو العاشرة صغيراً، ولا يعتدون بإسلامه.. وهذا يشير إلى أنها حين أسلمت كانت بنظر الناس في سن يرون أنه يخولها أن تستقل بقرارها، وينسب الفعل إليها، فيقال: أسلمت، او لم تسلم.
فإذا أخذنا بما قاله ابن إسحاق، وكان «صلى الله عليه وآله» قد أقام بمكة ثلاث عشرة سنة، فإن عمرها يكون حين الهجرة ما بين عشرين إلى خمس وعشرين سنة، فما معنى قولهم: إنه تزوجها وهي بنت ست، ثم دخل بها سنة الهجرة، وهي بنت تسع سنين؟! فهل كانت قد أسلمت قبل أن تخلق بثلاث سنين مثلاً؟!
ثانياً: صرحت أسماء بأن عائشة قد أسلمت وهي صغيرة ـ وقد أشرنا إلى المراد بالصغر ـ حين إسلام أبيها لحظة رجوعه إلى منزله(2). وهم يقولون: إن أبا بكر أول من أسلم.. وإن كنا قد أثبتنا خلاف ذلك.
ثالثاً: صرحوا: بأن أسماء أخت عائشة قد ولدت قبل المبعث بسبع عشرة سنة(3). وإن أسماء كانت أكبر من عائشة بعشر سنوات(4).
فإن كان مرادهم: أن البعثة كانت قبل الهجرة بعشر سنوات، ولم يحسبوا السنوات الثلاث التي كانت الدعوة فيها سرية ـ كما يقولون ـ كما يدل عليه قولهم: إن أسماء ولدت قبل الهجرة بسبع وعشرين سنة(5). فإن عمر عائشة على هذا التقدير يكون حين البعثة أربع سنوات. وهو يعني: أن عمرها حين الهجرة كان سبع عشرة سنة، لا تسع سنوات كما يدعون.
ويمكن أن يصل عمرها إلى أكثر من ذلك لو استُدِّل بولادة أسماء، وأن عمر أبيها كان إحدى وعشرين سنة حين ولدت، وبالتالي يعني أنها ولدت قبل البعثة بسبع سنوات.
رابعاً: جزم الطحاوي: أن عمر فاطمة الزهراء «عليها السلام» كان حين وفاتها خمساً وعشرين سنة، فتكون ولادتها عنده قبل البعثة بسنة. ويقول كثيرون من غير الشيعة: إنها «عليها السلام» ولدت قبل البعثة بخمس سنين..
وبعد هذا نقول: هناك حديث عن النبي «صلى الله عليه وآله» يقول: عن فاطمة الزهراء «عليها السلام» إنها سيدة نساء العالمين. وعنه «صلى الله عليه وآله» أنه قال: لم يكمل من النساء إلا مريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام.
قال الطحاوي: «يحتمل أن يكون ما في هذا الحديث قبل بلوغ فاطمة، واستحقاقها الرتبة التي ذكرها رسول الله «صلى الله عليه وآله» لها..».
ثم قال: «وإن كل فضل ذكر لغير فاطمة، مما قد يحتمل أن تكون فضلت به فاطمة، محتملاً لأن يكون وهي حينئذٍ صغيرة، ثم بلغت بعد ذلك إلخ..»(6).
فكلامه هذا يدل على أن فاطمة «عليها السلام» كانت صغيرة حين كانت عائشة بالغة مبلغ النساء، فكيف يقولون: إن عائشة قد ولدت قبل الهجرة بتسع سنين، وفاطمة ولدت قبل البعثة بسنة واحدة، أو بخمس سنوات؟! فإن الأمر يجب ان يكون على عكس ذلك تماماً.
خامساً: إذا كانت عائشة قد ماتت سنة ثمان وخمسين، أو سبع وخمسين، وقد قاربت السبعين(7)، فذلك يدل على أنها ولدت سنة البعثة تقريباً.. فيكون عمرها حين الهجرة ثلاث عشرة سنة لا تسع سنوات.
سادساً: دلت النصوص على أن عائشة كانت متزوجة قبل رسول الله «صلى الله عليه وآله» بجبير بن مطعم، وأنه كان لها ولد اسمه عبد الله.. فقد صرحوا بما يلي:
ألف: قال ابن أبي مليكة: «خطب النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي بكر، وكان أبو بكر قد زوجها جبير بن مطعم، فخلعها منه، فزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وهي ابنة ست سنين الخ..»(8).
ويلاحظ هنا:
أولاً: إن من غير المعقول أن يقدم النبي «صلى الله عليه وآله» على خطبة عائشة وهي متزوجة من رجل آخر، فالظاهر: أن أباها كان خلعها من زوجها الأول طمعاً بتزويجها من رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ثم زوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله».
ثانياً: قوله: «وهي ابنة ست سنين» قد تقدم أنه غير دقيق.
ثالثاً: قوله: «فخلعها منه»، يتوافق في مضمونه مع الرواية التي تقول: «فطلقها».
ب: في نص آخر عن ابن أبي مليكة: خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» عائشة إلى أبي بكر الصديق، فقال: يا رسول الله، إني كنت أعطيتها مطعماً لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم فاستسلّها منهم، فطلقها، فتزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله»(9).
ونقول:
أولاً: تقدم: عدم معقولية إقدام النبي «صلى الله عليه وآله» على خطبة امرأة متزوجة.
ثانياً: تصريح الرواية بوقوع الطلاق.. الدال على أنه قد كان هناك زواج.
ثالثاً: إن أبا بكر سعى في سلها ممن تزوجها.
ج: روي عن ابن عباس ما يقرب من الرواية السابقة، لكنه قال على لسان أبي بكر: يا رسول الله، قد كنت وعدت بها، أو ذكرتها لمطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، لابنه جبير، فدعني حتى أسلها منهم، ففعل، ثم تزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله». وكانت بكراً(10).
ونلمح في هذا النص:
1 ـ دلالة على أن أبا بكر كان هو الذي عرض ابنته على مطعم لصالح ولده جبير!!
2 ـ لم تذكر الرواية أيضاً: أن النبي «صلى الله عليه وآله» اعترض على اقتراح أبي بكر بأن يسلها منهم، بل ظاهرها أنه وافق على ذلك بسكوته.
د: إن بعض النصوص الأخرى أيضاً تحاول أن تتحاشى التصريح بتزويجها لجبير، والاكتفاء بالقول: بأنها كانت مسماة له، فسلها أبو بكر سلاً رفيقاً(11).
وفي بعضها: أنها كانت تذكر لجبير بن مطعم، وتسمى له(12). ونحوه غيره(13).
ونلاحظ: أن هذه التسمية للبنات على الأشخاص لم نسمع بها، أو على الأقل لم نعهدها في تلك المجتمعات.
... المزید...
(1) السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص271 وتهذيب السماء واللغات ج2 ص351 و 329 عن ابن أبي خيثمة في تاريخه، عن ابن إسحاق. والبدء والتاريخ ج2 ص146.
(2) كنز الفوائد للكراجكي ص124.
(3) المعجم الكبير ج24 ص77 وتايخ مدينة دمشق ج69 ص9.
(4) الإستيعاب ج2 ص616 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص8 و 9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص204 وسير أعلام النبلاء ج2 ص295 وج3 ص380 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج1 ص82 وتهذيب التهذيب ج2 ص398 وسبل السلام للكحلاني ج1 ص39 والإكمال في أسماء الرجال للخطيب التبريزي ص148 وتاريخ الإسلام للذهبي ج5 ص354 والبداية والنهاية ج8 ص381 و 346 ومرقاة المفاتيح ج1 ص731 وراجع: أسد الغابة ج5 ص392.
(5) مجمع الزوائد ج9 ص260 وعمدة القاري ج2 ص93 والمعجم الكبير ج24 ص77 وتاريخ مدينة دمشق 69 ص9 وتهذيب الأسماء ج2 ص593 و 597 و 598 وأسد الغابة ج5 ص392 والمسانيد لمحمد حياة الأنصاري ج2 ص156 والإصابة (ط دار الكتب العلمية) ج8 ص14.
(6) مشكل الآثار ج1 ص52.
(7) المعارف لابن قتيبة (ط سنة 1390 هـ) ص59.
(8) المعجم الكبير ج23 ص26.
(9) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص59 وزوجات النبي لسعيد أيوب ص47.
(10) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص58 والمحبر ص80 و 81.
(11) أنساب الأشراف ج1 ص409.
(12) راجع: شرح النهج للمعتزلي ج9 ص190 وج14 ص22.
(13) صفة الصفوة ج2 ص15 والجامع لأحكام القرآن ج14 ص164.
السيد جعفر مرتضى العاملي.