ياحسين ( 42 سنة ) - العراق
منذ سنتين

تفسير ايه ١٢٤ من سوره البقره

ما تفسير قال تعالى : {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة: 124].


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - الصفحة ٣٦٧-٣٧٣: الآية الكريمة تقول أولا: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن. هذه الفقرة من الآية تشير إلى الاختبارات المتتالية التي اجتازها إبراهيم (عليه السلام) بنجاح، وتبين من خلالها مكانة إبراهيم وعظمته وشخصيته. وبعد أن اجتاز هذه الاختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير قال إني جاعلك للناس إماما. وهنا تمنى إبراهيم (عليه السلام) أن يستمر خط الإمامة من بعده، وأن لا يبقى محصورا بشخصه قال ومن ذريتي. لكن الله أجابه: قال لا ينال عهدي الظالمين. وقد استجيب طلب إبراهيم (عليه السلام) في استمرار خط الإمامة في ذريته، لكن هذا المقام لا يناله إلا الطاهرون المعصومون من ذريته لا غيرهم. المقصود من " الكلمات " من دراسة آيات القرآن الكريم بشأن إبراهيم (عليه السلام)، وما أداه هذا النبي العظيم من أعمال جسيمة استحق ثناء الله، نفهم أن المقصود من الكلمات هو مجموعة المسؤوليات والمهام الثقيلة الصعبة التي وضعها الله على عاتق إبراهيم (عليه السلام)، فحملها وأحسن حملها، وأدى ما عليه خير أداء، وهي عبارة عن: أخذ ولده إلى المذبح والاستعداد التام لذبحه، إطاعة لأمر الله سبحانه. إسكان الزوج والولد في واد غير ذي زرع بمكة، حيث لم يسكن فيه إنسان. النهوض بوجه عبدة الأصنام وتحطيم الأصنام، والوقوف ببطولة في تلك المحاكمة التاريخية، ثم إلقاؤه في وسط النيران. وثباته ورباطة جأشه في كل هذه المراحل. الهجرة من أرض عبدة الأصنام والابتعاد عن الوطن، والاتجاه نحو أصقاع نائية لأداء رسالته ... المزید وأمثالها (1). كان كل واحد من هذه الاختبارات ثقيلا وصعبا حقا، لكنه بقوة إيمانه نجح فيها جميعا، وأثبت لياقته لمقام " الإمامة ". من هو الإمام؟ يتبين من الآية الكريمة التي نحن بصددها، أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم (عليه السلام) بعد كل هذه الاختبارات، تفوق منزلة النبوة والرسالة. ولتوضيح ذلك نقول: إن للإمامة معاني مختلفة: 1 - الإمامة بمعنى الرئاسة والزعامة في أمور الدنيا، (قال بذلك فريق من علماء أهل السنة). 2 - الإمامة بمعنى الرئاسة في أمور الدين والدنيا، (قال بذلك فريق آخر من علماء أهل السنة). 3 - الإمامة بمعنى تحقيق المناهج الدينية بما في ذلك منهج الحكم بالمعنى الواسع للحكومة، وإجراء الحدود وأحكام الله، وتطبيق العدالة الاجتماعية، وتربية الأفراد في محتواهم الداخلي وفي سلوكهم الخارجي. وهذه المنزلة أسمى من منزلة النبوة والرسالة، لأن منزلة النبوة والرسالة تقتصر على إبلاغ أوامر الله، والبشارة والإنذار، أما الإمامة فتشمل مسؤوليات النبوة والرسالة إضافة إلى " إجراء الأحكام " و " تربية النفوس ظاهريا وباطنيا " (من الواضح أن كثيرا من الأنبياء كانوا يتمتعون بمنزلة الإمامة). منزلة الإمامة هي في الحقيقة منزلة تحقيق أهداف الدين والهداية، أي " الإيصال إلى المطلوب "، وليست هي " إراءة الطريق " فحسب. ومضافا لما سبق فان الإمامة تتضمن أيضا على " الهداية التكوينية "، أي النفوذ الروحي للإمام، وتأثيره على القلوب المستعدة للهداية المعنوية (تأمل بدقة). الإمام في ذلك يشبه الشمس التي تبعث الحياة في النباتات، فكذلك دور الامام في بعث الحياة الروحية والمعنوية في الكائنات الحية؟. يقول سبحانه: هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما (1). ومن هذه الآية نفهم بوضوح أن رحمة الله الخاصة والمعونة الغيبية للملائكة بامكانها أن تخرج المؤمنين من الظلمات إلى النور. هذا الموضوع يصدق على الإمام أيضا، فالقوة الروحية للإمام وللأنبياء الحائزين على منزلة الإمامة وخلفائهم، لها التأثير العميق على تربية الأفراد المؤهلين، وإخراجهم من ظلمات الجهل والضلالة إلى نور الهداية. لا شك أن المراد من الإمامة في الآية التي نحن بصدد تفسيرها هو المعنى الثالث للإمامة، لأنه يستفاد من آيات متعددة أن مفهوم " الإمامة " ينطوي على مفهوم " الهداية "، كقوله تعالى: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون (2). هذه الهداية لا تعني إراءة الطريق، لأن إبراهيم (عليه السلام) كانت له قبل ذلك مكانة النبوة والرسالة، أي مكانة إراءة الطريق. القرائن الواضحة تشير إلى أن منزلة الإمامة الممنوحة لإبراهيم (عليه السلام) بعد الامتحانات العسيرة، واجتياز مراحل اليقين والشجاعة والاستقامة، هي غير منزلة البشارة والإبلاغ والإنذار. إذن، الهداية التي يتضمنها مفهوم الإمامة ما هي إلا " الإيصال إلى المطلوب " و " تحقيق روح الدين "، وتطبيق المناهج التربوية في النفوس المستعدة. هذا الحقيقة يوضحها بإجمال حديث عميق المعنى روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: " إن الله تبارك وتعالى اتخذ إبراهيم عبدا قبل أن يتخذه نبيا، وإن الله اتخذه نبيا قبل أن يتخذه رسولا، وإن الله اتخذه رسولا قبل أن يتخذه خليلا، وإن الله اتخذه خليلا قبل أن يجعله إماما، فلما جمع له الأشياء، قال: إني جاعلك للناس إماما قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين قال: لا يكون السفيه إمام التقي " (1). المقصود من " الظلم " في التعبير القرآني: لا ينال عهدي الظالمين لا يقتصر على ظلم الآخرين، بل الظلم (مقابل العدل)، وقد استعمل هنا بالمعنى الواسع للكلمة، ويقع في النقطة المقابلة للعدل: وهو وضع الشئ في محله. فالظلم إذن وضع الشخص أو العمل أو الشئ في غير مكانه المناسب. ولما كانت منزلة الإمامة والقيادة الظاهرية والباطنية للبشرية منزلة ذات مسؤوليات جسيمة هائلة عظيمة، فإن لحظة من الذنب والمعصية خلال العمر تسبب سلب لياقة هذه المنزلة عن الشخص. لذلك نرى أئمة آل البيت (عليهم السلام) يثبتون بهذه الآية تعين الخلافة بعد النبي مباشرة لعلي (عليه السلام) وانحصارها به، مشيرين إلى أن الآخرين عبدوا الأصنام في الجاهلية، وعلي (عليه السلام) وحده لم يسجد لصنم. وأي ظلم أكبر من عبادة الأصنام؟! ألم يقل لقمان لابنه: يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (1)؟! من هذه الاستدلالات ما رواه هشام بن سالم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال: " قد كان إبراهيم نبيا وليس بإمام، حتى قال الله: إني جاعلك للناس إماما، قال: ومن ذريتي، فقال الله لا ينال عهدي الظالمين، من عبد صنما أو وثنا لا يكون إماما " (2). دمتم في رعاية الله

1