السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
جاء في كتاب مقاتل الطالبيين - أبو الفرج الأصفهانى - الصفحة ٣٩٥:
« وكان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب ، غليظاً على جماعتهم ، مهتماً بأمورهم ، شديد الغيظ والحقد عليهم ، وسوء الظن والتهمة لهم ، واتفق له أن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزيره ، يسئ الرأي فيهم ، فحسَّن له القبيح في معاملتهم ، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من خلفاء بني العباس قبله. وكان من ذلك أن كَرَبَ قبر الحسين (ع) وعَفَّى آثاره ، ووضع على سائر الطرق مسالح له ، لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به ، فقتله ، أوأنهكه عقوبة!
فحدثني أحمد بن الجعد الوشاء وقد شاهد ذلك ، قال : كان السبب في كرب قبر الحسين أن بعض المغنيات كانت تبعث بجواريها إليه قبل الخلافة يغنين له إذا شرب ، فلما وليها بعث إلى تلك المغنية فعرف أنها غائبة ، وكانت قد زارت قبر الحسين (ع) وبلغها خبره ، فأسرعت الرجوع ، وبعثت إليه بجارية من جواريها كان يألفها فقال لها : أين كنتم؟
قالت : خرجت مولاتي إلى الحج وأخرجتنا معها وكان ذلك في شعبان ، فقال : إلى أين حججتم في شعبان؟ قالت : إلى قبر الحسين. فاستطير غضباً وأمر بمولاتها فحبست ، واستصفى أملاكها.
وبعث برجل من أصحابه يقال له : الديزج وكان يهودياً فأسلم ، إلى قبر الحسين وأمره بكرب قبره ومحوه ، وإخراب كل ما حوله ، فمضى ذلك وخرب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله ، نحومائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد ، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه! وأجرى الماء حوله ، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره زائر إلا أخذوه ووجهوا به إليه.
فحدثني محمد بن الحسين الأشناني ، قال : بَعُدَ عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً ، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها ، وساعدني رجل من العطارين على ذلك ، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل ، حتى أتينا نواحي الغاضرية ، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا ، حتى أتينا القبر فخفي علينا ، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق ، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق ، فزرناه وأكببنا عليه ، فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط شيئاً من الطيب!
فقلت للعطار الذي كان معي : أي رائحة هذه؟ فقال : لا والله ما شممت مثلها كشئ من العطر ، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.
فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة ، حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات ، وأعدناه إلى ما كان عليه ».
دمتم في رعاية الله