تفسير آلقرآن آلڪريم
ما تفسير قوله تعالى (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين )
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٢ - ص ٣١-٣٣: هذه الآية الشريفة تكمل البحث الوارد في الآيات السابقة عن الجهاد بشكل عام، فهي في الواقع إجابة على من يتصور أنه لا يمكن القتال في الأشهر الحرم، فكيف أمر الإسلام بالقتال فيها. ولتوضيح الأمر: كان المشركون على علم بأن الإسلام يحضر الحرب في الأشهر الحرم (ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب) خاصة في حرم مكة والمسجد الحرام، وبعبارة أخرى أن الإسلام أمضى هذه السنة التي كانت موجودة من قبل، فكان نبي الإسلام ملتزم بهذا الحضر، لذلك أرادوا أن يشنوا هجوما مباغتا على المسلمين في هذه الأشهر الحرم متجاهلين حرمتها ضانين أن المسلمين ممنوعون من المواجهة، وفي هذه الحالة يستطيعون أن يحققوا هدفهم. الآية الكريمة تكشف مؤامرة المشركين وتحمل المسلمين مسؤولية مواجهة العدوان حتى في الأشهر الحرم فتقول الآية الشهر الحرام بالشهر الحرام أي أن الأعداء لو كسروا حرمة واحترام هذه الأشهر الحرم وقاتلوكم فيها فلكم الحق أيضا في المقابلة بالمثل، لأن والحرمات قصاص. (حرمات) جمع " حرمة " وتعني الشئ الذي يجب حفظه واحترامه، وقيل للحرم: حرم لأنه مكان محترم ولا يجوز هتكه. ويقال الأعمال الممنوعة والقبيحة حرام لهذا السبب، ولهذا أيضا كانت بعض الأعمال محرمة في الشهر الحرام والأرض الحرم. وهذه العبارة والحرمات قصاص تتضمن جوابا رابعا لأولئك الذين اعترضوا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لإباحته الحرب في الأشهر الحرم، أو أرض مكة المكرمة الحرم الإلهي الآمن، وتعني أن احترام الأشهر الحرم ضروري أمام العدو الذي يراعي حرمة هذه الأشهر، أما العدو الذي يهتك هذه الحرمة فلا تجب معه رعاية الاحترام وتجوز محاربته حتى في هذه الأشهر، وامر المسلمون أن يهبوا للجهاد عند اشتعال نار الحرب كي لا تخامر أذهان المشركين فكرة انتهاك حرمة هذه الشهور. ثم تشرع الآية حكما عاما يشمل ما نحن فيه وتقول: فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين. فالإسلام - وخلافا للمسيحية الحالية التي تقول (إذا لطمك شخص على خدك الأيمن فأدر له الأيسر) (1) - لا يقول بمثل هذا الحكم المنحرف الذي يبعث على جرأة المعتدي وتطاول الظالم، وحتى المسسيحيون في هذا الزمان لا يلتزمون مطلقا بهذا الحكم أيضا، ويردون على كل عدوان مهما كان قليلا بعدوان أشد، وهذا أيضا مخالف لدستور الإسلام في الرد، فالإسلام يقول: يجب التصدي للظالم والمعتدي، ويعطي الحق للمظلوم والمعتدى عليه المقابلة بالمثل، فالاستسلام في منطق الإسلام يعني الموت، والمقاومة والتصدي هي الحياة. والجدير بالذكر أن مفهوم الآية يشمل دائرة وسيعة ولا ينحصر بمسألة القصاص في مقابل القتل أو الجنايات الأخرى، بل يشمل حتى الأمور المالية وسائر الحقوق الأخرى. وهذا طبعا لا يتعارض مع مسألة العفو والصفح عن الإخوان والأصدقاء النادمين. أحيانا يتصور بعض العوام أن معنى الآية هو أنه لو قتل شخص شخصا آخر فإن معنى المقابلة بالمثل تبيح لأب المقتول أن يقتل ابن القاتل، وإذا ضرب أخاه فيجوز له أن يضرب أخا الضارب، ولكن هذا اشتباه كبير، لأن القرآن يقول فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم لا الأفراد الأبرياء. وأيضا لا ينبغي أن يتصور أن مفهوم الآية هو أنه أن أقام شخص بإحراق بيت آخر فيجوز للمعتدى عليه أن يقوم بحرق بيت المعتدي، بل مفهومه أن يؤدي المعتدي ما يعادل قيمة البيت المحترق إلى المعتدى عليه. وعبارة واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين تأكيد آخر على ضرورة عدم تجاوز الحد في الدفاع والمقابلة، لأن الإفراط في المقابلة يبعد المواجهة عن إطار التقوى. وقوله تعالى واعلموا أن الله مع المتقين إشارة إلى أن الله لا يهمل المتقي في خضم المشكلات، بل يعينه ويرعاه، لأن من كان مع شخص آخر فمفهومه أنه يعينه في مشكلاته ويحميه مقابل الأعداء. دمتم في رعاية الله