السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
جاء في كتاب (نظرة في كتاب البداية والنهاية) - الشيخ الأميني - الصفحة ٩-١٢:
إن المنزلة الرفيعة التي يحتلها ابن كثير الدمشقي كمؤرخ إسلامي، غير خفية على أحد من رواد العلم، فلم يكن ابن كثير مجرد مؤرخ يسرد الأحداث حسب ترتيبها الزمني، بل كان عالما بالحديث، متمرسا بالأسانيد، عارفا بصحيحها وسقيمها، والملازمة الطويلة للحافظ المزي صاحب تهذيب الكمال تلمذة ومصاهرة أعطته بعدا آخرا طغى على كل ما كتبه ابن كثير في مجال المعرفة. فتاريخه لم يكن تأريخا محضا وإنما كان مشوبا بالحديث والرجال والمناقشات السندية، وتفسيره لم يكن تفسيرا محضا وإنما كان محشوا بذكر الرواة جرحا وتعديلا.
والذي أريد قوله: إن ذكره للأحداث يخضع لموازين خاصة، ولم يكن سرده للحادثة إلا بعد الوثوق من ثبوتها، ومع ذلك تجد هنالك أحداثا مهمة في التأريخ الإسلامي تكاد تكون مجمع عليها بين أصحاب الآثار، وعلى الخصوص إذا كانت الحادثة تحمل طابعا مذهبيا; بمعنى إثباتها يكون لصالح مذهب إسلامي ما ... المزید هنا تجد المؤلف يخرج عن المنهج الذي ينبغي أن يلتزم به الكاتب من تحري الأمانة في نقل الأحداث التأريخية الثابتة، وتلاحظه ينتصر لمذهبه على حساب التأريخ.
وأمثلة ذلك كثيرة في البداية والنهاية، وما هذه الوريقات إلا نماذج يسيرة من تلك المفارقات، فمثلا تشكيكه بل نفيه لحادثة مؤاخاة النبي (ص) بين المهاجرين والأنصار، التي وقعت بعد الهجرة إلى المدينة لمجرد تضمنها مؤاخاة النبي للإمام علي (عليه السلام)، وهي فضيلة ذكرها أصحاب السنن في عداد فضائل الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا ما لا يرتضيه مذهب المؤلف.
الأمر الذي جعله يقع في تهافت واضح بين إنكاره بعض الأحداث في البداية والنهاية وإثباتها في كتبه الأخرى كما حصل ذلك في ج 7 / 357 من البداية عند بحثه في شأن نزول قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)، وروايته حديث تصدق الإمام علي (عليه السلام) بخاتمه حال الصلاة، من طريق ابن مردويه عن الكلبي، حيث قال: وهذا لا يصح بوجه من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في علي شئ من القرآن بخصوصيته.
ثم تلاحظ المؤلف نفسه في كتابه تفسير القرآن العظيم 2 / 74، وعند بحثه الآية ذاتها، وإيراده حديث تصدق الإمام علي المتقدم يقول: وهذا أسناد لا يقدح به.
ولعل حضوره الطويل في مجلس بحث الشيخ ابن تيمية ترك أثره البالغ عليه، وعلى الخصوص في مجال مناقشة آراء الآخرين ممن يخالفونه الرأي، فقد نقل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات 7 / 19 عن ابن تيمية: إنه كان يقول عن نجم الدين الكاتبي المعروف بدبيران - بفتح الدال وكسر الباء - وهو الكاتبي صاحب التآليف البديعة في المنطق، فإذا ذكره لا يقول إلا دبيران - بضم الدال وفتح الباء -.
وإذا ذكر العلامة ابن المطهر الحلي يقول ابن المنجس.
وهكذا كان دأبه عند مناقشة المذاهب الكلامية، حتى اشتهر أمره فطلب إلى مصر أيام ركن الدين بيبرس الجاشنكير، وعقد له مجلس لبيان عقائده، فانتهى الأمر إلى حبسه في خزانة البنود ثم نقل إلى الإسكندرية (1).
ثم أفرج عنه أيام الملك الناصر عند مجيئه إلى الكرك، وأقام بالقاهرة مدة لم يلبث طويلا حتى أخذ بالقول على السيدة نفيسة، فأعرض عنه عوام الناس في مصر.
ثم اعتقل أيضا ثم أفرج عنه وحضر إلى دمشق أيام القاضي جلال الدين وتكلموا معه في مسألة الزيارة، وكتب في ذلك إلى مصر، فورد مرسوم السلطان باعتقاله في القلعة فلم يزل معتقلا بها إلى أن مات سنة 728 (2).
وقد نقل أصحاب التراجم أن لابن كثير صحبة وملازمة وعلاقة خاصة بالشيخ ابن تيمية، فقد كان يفتي برأيه رغم أنه شافعي المذهب، حتى أنه أوصى عند موته أن يدفن عند شيخه ابن تيمية في مقبرة الصوفية.
يضاف إلى ذلك البيئة الأموية الحاكمة في دمشق آنذاك، والتي لها بالغ الأثر في صياغة شخصية ابن كثير.
ولمعرفة تفاصيل اكثر عن كتاب البداية والنهاية مراجعة كتاب (نظرة في البداية والنهاية ) للشيخ الاميني .
دمتم في رعاية الله