logo-img
السیاسات و الشروط
( 24 سنة ) - العراق
منذ سنتين

المدح

السلام عليكم عندما يمدح الانسان نفسه تقريبا تشمئز منه اغلب الناس فهل كل مدح للنفس مذموم؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم جبلت النفوس على النفور ممن يمدحون أنفسهم و يثرثرون أمام الملأ عن ميزاتهم و إنجازاتهم. وفي حديث أمير المؤمنين "أوحش الوحشة العجب"، لأن الناس بطبيعتهم يستوحشون من صحبة المعجب بنفسه و ينفرون منه. و من طبيعة الناس ميلهم إلى من يستمع أكثر وليس إلى من يتكلم أكثر. لا يجمل بالمؤمن العاقل أن يمدح نفسه ولا أن يزكيها و إن كان صادقاً. قال تعالى﴿ ... المزید فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ ﴾ ، ينبغي للإنسان المؤمن ألا يذكر صلاته و صيامه و أعماله الصالحة فإنه لا يخلو أن يعددها لأحد اثنين، للناس أو لله، وذكرها للناس قبيح لما في ذلك من شوائب الرياء و الفخر و العجب و ذكرها لله أشد قبحاً لأن الله أعلم بالإنسان من نفسه وذكرها لا يناسب مقام التذلل و الخشوع. بل من آداب النبي التي علمها أمير المؤمنين أن يدعو الله إذا أثني عليه في وجهه ويقول "اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون" فضلا عن أن يمدح نفسه و يزكيها أمام الآخرين. إذاً كيف نفسر كلام أمير المؤمنين "إني النبأ الأعظم و الصديق الأكبر". وقوله "ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير" و قوله "أنا يعسوب المؤمنين". و قوله "إنما مثلي بينكم كالسراج في الظلمة". و كيف نفسر قول النبي الأكرم "أنا سيد ولد آدم". و قول الصديقة الزهراء "اعلموا أني فاطمة . . . . . ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا". و قول الإمام الحسن "فأنا الحسن بن علي و أنا ابن البشير أنا ابن النذير". و قول الإمام الحسين "اللهم إني أحب المعروف و أنكر المنكر". و قول الإمام زين العابدين "أنا ابن مكة و منى". و قول نبي الله يوسف ﴿ ... إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ . وقول نبي الله إسماعيل ﴿ ... سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾. إذا كانت تزكية النفس مما نهى الله عنه و مما لا يحسن ولا يجمل بالمؤمنين فعله، فلماذا فعله الأنبياء و الأئمة المعصومون؟ يجيبنا الإمام الصادق بعبارة موجزة أجاب بها سائلاً يسأل: يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر إليه. أما سمعت قول يوسف ﴿ ... اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ و قال العبد الصالح﴿ ... وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ فتزكية النفس ليست عملاً مستقبحاً في نفسه بل يقبحها الغرض المراد و النية و قرائن أخرى. و قول نبي الله إسماعيل ﴿ ... مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ معلق بمشية الله ﴿ ... إِنْ شَاءَ اللَّهُ ... ﴾ ولا بأس فيه أبداً، و قد قاله إسماعيل ليطمئن أبوه و يمضي في تنفيذ الأمر الإلهي. وكذلك قول نبي الله يوسف﴿ ... حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ فليس أحد أجدر منها بالولاية على مصر وليس أحد غير يستطيع إنقاذ البلاد من السنين العجاف و ذلك لحكمته و حسن تدبيره و معرفته بشؤون البلاد و العباد. وأما قول النبي "أنا سيد ولد آدم" فقد أعقبها بقوله "ولا فخر" وله الفخر كله بلا ريب ولكنه تأدب بتأديب الله عز وجل. و لم يكن مدح أمير المؤمنين نفسه إلا دفاعاً عن دين الله و إحقاقاً للحق الذي أرادت قريش إخفاءه و تحريفه. فقوله "ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير" رد على من صغر عظيم منزلته و إيضاحاً لمن لا يعرفه وجواباً لمن ألح عليه بإبداء رأيه في الخلفاء الثلاثة قبله. إن تهماً كثيرة روجها مناوئوه و تضليلاً ضخماً مارسه أعداء الله ورسوله فأصبح لابد من دفع التهم و تنوير المضللين. ألم ينكر عمر أن علياً أخو رسول الله؟ ألم يطلب عبد الرحمن بن عوف مبايعته على سيرة الشيخين في مكيدة الشورى و كأنه من عامة الناس بل كأنه دون ذلك؟ ألم يتهم بأنه لا علم له بالحرب؟ حتى قال "و هل أحد منهم أشد لها مراساً وأقدم فيها مقاما مني" ألم يذع في الشام أن علياً لا يصلي؟ ألم يروج أن فيه دعابة و أنه يعافس و يمارس؟ ألم تلصق به تهمة قتل عثمان؟ ألم يرم بالخيلاء و التكبر؟ وكذلك بقية الأئمة الأطهار من أهل البيت. إن الإمام زين العابدين فضح أكاذيب الأمويين و اتهاماتهم بأن المعركة حدثت مع الخوارج و الغرباء عن الدين و العرب، فشرع في خطبة تعريفية توضيحية ليبين للناس مكانتهم من رسول الله. إن من الناس من يعد الأئمة قادة و رؤساء كبقية الزعماء القبليين و العسكريين و ملوك البلدان، و ليس باعتبارهم أئمة الدين و مصادر الشريعة و خلفاء الله في أرضه، فكان لابد من بيان مقامهم و مكانتهم و منزلتهم و حقيقة قيادتهم الربانية. و خلاصة القول نأخذه من إمامنا الصادق لا يزكي الرجل نفسه إلا إذا اضطر إليه. كتزكيته نفسه للحصول على وظيفة يكفل بها نفسه و أسرته، أو لدفع تهمة ظلمة حاقت به، أو لإرعاب عدوه و التفاخر عليه كما يفعل المقاومون في الجنوبين. منقول بتصرف . دمتم في رعاية الله

2