السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
إنّ كلمة "محالّ" جمع "محل" مشتقة من المادة "حلّ" والأصل في معناه فتح الشيء، ويقال: حلّ المسافر بمكان كذا،لأن المسافر يشد متاعه ويعقد، فإذا نزل حل ما عقده، فصارت كلمة "حلّ" بمعنى "نزل"، وسميت "المحلة" كذلك لنزول القوم بها، فالمحل هو ما يستقر فيه الشيء.
وكلمة "المعرفة" مستلّة من "عرف" بمعنى حصول العلم بأمر ما والاطلاع على خصائصه وآثاره.
والفرق بين "العلم" و "المعرفة" أن الشيء المجهول إن كان يُدرك بإحدى الحواس الخمس فيستعمل لفظ العلم فيه، ولذا لا يقال: علمتُ الله، لأنّ ذاته الأقدس لا يمكن تصورها في الذهن، فلا تكون معلومة لأحد. أما "المعرفة" فهي إبانة الشيء وتمييزه عن غيره، ويصح قول: "عرفتُ الله" لأنّ إدراك الذات الربوبية بصفاتها ـ لا وحدها ـ بحيث تبين وتتميز عن غيرها أمرٌ ممكن ومقدور.
ومعنى كون الأئمة عليهم السلام محال معرفة الله يُتصوّر بعدّة وجوه:
١-انهم يعرفون الله تعالى معرفة تفوق معرفة غيرهم بمراتب كثيرة، فهم عرفوه بأعلى مستوى ميسور للممكنات.
٢-إن أفضل وأنجع وسيلة لطالبي المعرفة بالله التلقي من مدرسة الأئمة الأطهار، "فكانوا هم السبيل إليك"،ويشهد لهذا الزعم الخطب التوحيدية لذواتهم المقدسة، لا سيما خطب نهج البلاغة.
٣-إنّ كل موجود هو مظهر لله تعالى، لكن الأئمة عليهم السلام مظاهر أتم وأكمل لأسمائه وصفاته، قال علي عليه السلام: "ما لله نبأ أعظم مني، وما لله آية أكبر مني".
كما أن آثار كل إنسان دليل ملكاته وقدراته، والأئمة عليهم السلام هم أصفى المرايا المتجلية فيها صفات الكمال الإلهي والقدرة الربانية، لأنهم أعظم آيات الله ومظاهره، فمن عرفهم فقد عرف الله.
وهذه المظهرية لله وإن تحققت وصدقت في غيرهم من الأفراد أيضاً، كما جاء في الحديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربه"،لكن مرتبة المعرفة بتوحيد الله الحاصلة من معرفة غيرهم لا تصل إلى مستوى وعمق المرتبة الحاصلة من معرفتهم، فلا مقايسة بين المرتبتين.
٤-فسرت روايات أهل بيت العصمة عليهم السلام معرفة الله بمعرفة الإمام الواجب الطاعة، والدليل عليه ما قاله المحقق الكراجكي: "اعلم أنه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لم يعرف الإمام، ومعرفة الإمام وطاعته لا تقعان إلا بعد معرفة الله، صح أن يقال: "إن معرفة الله هي معرفة الإمام وطاعته".
فعلى هذا تتحقق معرفة الله في معرفة الإمام المفروضة على الخلق طاعته، وعلى هذا الأساس ورد في الحديث النبوي: "..أنا وعلي أبوا هذه الأمة، من عرفنا فقد عرف الله، ومن أنكرنا فقد أنكر الله عزّ وجلّ".
فتبين أن ّ لمعرفة الله ظهوراً تاماً في معرفة الإمام، وأنّ معرفة الإمام آية معرفة الله سبحانه، ولا تغاير بين هاتين المعرفتين، بل بينهما وثيق الصلة والترابط، والعنصر الأساس في هذا الترابط أنّ معرفة ذي الآية تكون بطريق معرفة آيته، ولكن يبقى التفاوت الجوهري قائماً بين الواجب والممكن، ويبقى الفرق الكبير محفوظاً بين معرفة الله تعالى ومعرفة الإمام.
دمتم في رعاية الله