جعفر الجياشي 🇮🇶 ( 28 سنة ) - العراق
منذ سنتين

الاسد والطف

ما دور الأسد في معركه ألطف هل صحيح الأسد جاء إلى جثث الشهداء وبقى ثلاثه ايام يحميها؟ فياحبذا الاجابة بالتفصيل وبيان راي العلماء فيها ومناقشة تلك الاراء والرد عليها ؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم إنّ من الفجائع الأليمة التي وقعت في اليوم العاشر من المحرَّم هي فاجعة رضّ الجسد الشريف بواسطة خيل الأعداء، حيث أمر عمر بن سعد مجموعة من الخيّالة بأن يطأوا جسد الحسين عليه السلام تلبيةً لأمر عبيد الله بن زياد، مكمِّلين بذلك أفجع الصور التي رسموها في يوم عاشوراء. وهذا هو الثابت والمعروف عند عامّة الشيعة، وعليه الأدلّة العديدة والنقولات التاريخيّة الكثيرة ـ سواء عند الشيعة أو عند العامّة . رغم الوضوح في ثبوت هذه الفاجعة المريعة، نجد أنّ بعض العلماء أنكر ذلك، بل عدّها فِريَةً أُموية، يُراد منها النيل من الإمام وإضفاء الضبابية على مقامه الشريف، بعد ما أذاعوا عليه أنّه طالبٌ للمُلك، ومُفسد في الأُمّة، ومن ثَمَّ تحليل دمه وقتله مع أهل بيته في ملحمة مفجعة، لا يزال صداها يصم آذان التاريخ بأجياله المتعاقبة. ومن هؤلاء العلماء الذين أنكروا وقوع هذه الحادثة العلّامة المجلسي؛ حيث قال: «إنّ ما ذكره الخاصّة والعامّة من وقوع هذا الأمر الفظيع لا أصل له» ،ويقصد بهذا الأمر حادثة الهجوم على الجسد الشريف. استند المجلسي في نفيه هذا على رواية الكليني المروية عن فضّة خادمة فاطمة الزهراء عليها السلام؛ إذ روى الكليني قول «الحسين بن محمدٍ، قال: حدّثني أبو كريبٍ وأبو سعيدٍ الأشجّ، قال: حدّثنا عبد الله بن إدريس، عن أبيه إدريس بن عبد الله الأوديّ، قال: لمّا قتل الحسين عليه السلام أراد القوم أن يوطئوه الخيل، فقالت فضّة لزينب: يا سيّدتي، إنّ سفينةً كسر به في البحر، فخرج إلى جزيرةٍ، فإذا هو بأسدٍ، فقال: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وآله. فهمهم بين يديه حتّى وقفه على الطّريق، والأسد رابضٌ في ناحيةٍ، فدعيني أمضي إليه، وأعلمه ما هم صانعون غداً، قال فمضت إليه، فقالت: يا أبا الحارث. فرفع رأسه، ثمّ قالت: أتدري ما يريدون أن يعملوا غداً بأبي عبد الله عليه السلام؟ يريدون أن يوطئوا الخيل ظهره. قال: فمشى حتّى وضع يديه على جسد الحسينعليه السلام، فأقبلت الخيل، فلمّا نظروا إليه قال لهم عمر بن سعدٍ لعنه الله: فتنةٌ لا تثيروها، انصرفوا. فانصرفوا»وعقّب على هذه الرواية بما تقدّم، ثمّ قال: «هي المعتمد عندي» وقال في البحار ـ بعد أن نقل خبر وطئ الخيل ـ: «أقول: المعتمد عندي ما سيأتي في رواية الكافي أنّه لم يتيسّر لهم ذلك» وذكر الشيخ الحائري بأنّه «اختلف أرباب المقاتل في أنّ هذه المصيبة ـ وطئ الخيل ـ جرت على جسد الحسين أم لا؟، ويظهر من كلام الكليني أنّه لم يتيسّر لهم، قال المجلسي: والمعتمد عندي أنّه لم يتيسّر لهم ذلك اعتماداً على خبر الكافي، ويظهر من كلام السيد أنّهم صنعوا ذلك، كما قال في اللهوف ... المزید». ثمَّ علّل ما ادُّعي من وقوع تلك الحادثة بأنّه من وضع الملاعين، حيث قال: «ويمكن أن يكون ما رواه السيد ادّعاء من الملاعين ذلك؛ لإخفاء هذه المعجزة، وكأنّه لذلك قلَّل وَلَدُ الزنا جائزتهم؛ لعلمه بكذبهم». ثمَّ أجاب عن إشكال مقدَّر، حاصله: لو لم يكونوا فعلوا ذلك الفعل المنكر لما عاقبهم المختار عليه، فعقوبة المختار لهم تدلّ على ارتكابهم هذا الفعل الشنيع. فأجاب بقوله: «وما فعله المختار لادِّعائهم ذلك وإن كان باطلاً، وإن كان ما فعلوه به عليه السلام قبل ذلك أفحش وأفظع منه». وخلاصة كلامه أن الدليل على خلاف وقوع تلك الحادثة، وما ادُّعي في التاريخ هو من دسّ الأعداء الملاعين، وما كان من عقوبة المختار هو لأجل ادعائهم ذلك ولو كذباً. قد أشار المجلسي في أول كلامه إلى أنّ للحيوانات شعوراً وإحساساً يلهمها محبّة أهل البيت عليهم السلام، فألهم الله تعالى الأسدَ فَهْمَ كلام فضّة رضوان الله تعالى عليها وحرَّك عنده المحبّة لإجابة طلبها، فجاء ووضع يده على الجسد الشريف حفظاً له. ولعل المجلسي انطلق ممّا روي عن أهل البيت عليهم السلام من أنّ الوحوش والحيوانات تأثّرت باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ـ وفي بعضها أنّ الوجود كلّه تأثّر وتألّم بهذه الواقعة الأليمةـ فقَبِلَ الخبر وسلّم به، وإن حكم بضعف سنده كما سيأتي. وعلى كلّ حال، سواء تمّ ما ذكرناه أم لم يتمّ، يبقى رأي العلّامة المجلسي قائماً، من أنّ الله تعالى سخَّر أبا الحارث وألهمه فهم كلام فضّة رضوان الله عليها وحفظ الجسد الشريف من التعرِّض للسحق والوطئ. هناك مجموعة من المناقشات والملاحظات على كلام العلّامة المجلسي، وعلى دليله الذي استدلّ به على نفي الواقعة: إنّ الخبر الذي اعتمد عليه العلّامة المجلسي ضعيف من جهة السند؛ وذلك لعدّة أُمور: الأمر الأول: الكلام في عبد الله وأبيه إدريس الأودي، حيث إنّ سند الحديث ينتهي إليهما، وهما لم يكونا في زمن وقعة كربلاء؛ فكيف علما بهذه الحادثة؟ وما هي الواسطة التي أوصلت إليهم ذلك؟ الأمر الثاني: الكلام في فضّة خادمة الزهراء عليها السلام، والتي يُطلق عليها فضّة النوبية، فلم يرد لها ذكر في كُتبنا الرجالية حتى يُعرف حالها وحضورها في كربلاء، نعم ورد ذكرها في شهادة السيدة الزهراء عليها السلام، إلّا أنّ الخبر مجهول، قال المجلسي: «أقول: وجدت في بعض الكتب خبراً في وفاتها عليها السلام، فأحببت إيراده، وإن لم آخذه من أصل يُعوّل عليه. روى ورقة بن عبد الله الأزدي، قال: خرجت حاجّاً إلى بيت الله الحرام، راجياً لثواب الله ربّ العالمين، فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء، ومليحة الوجه عذبة الكلام، وهي تنادي بفصاحة منطقها، وهي تقول: اللهم ربِّ الكعبة الحرام، والحفظة الكرام، وزمزم والمقام، والمشاعر العظام، وربّ محمد خير الأنام، صلى الله عليه وآله البررة الكرام، [أسألك] أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين، وأبنائهم الغرّ المحجلين الميامين... قال ورقة بن عبد الله: فقلت: يا جارية، إنّي لأظنّك من موالي أهل البيت عليهم السلام؟ فقالت: أجل. قلت لها: ومَن أنت من مواليهم؟ قالت: أنا فضّة أَمَة فاطمة الزهراء ابنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها».والكتاب والمؤلف مجهولان فلا يمكن الاعتماد على الخبر. نعم، ورد ذكرها في تراجم العامّة كأُسد الغابة والإصابةفي حادثة سورة الدهر المعروفة، لكن الاعتماد عليهم محل تأمّل ونظر؛ لكثرة الأخطاء والاشتباه في البحث. وأمّا سفينة، فقد ذكر الشيخ في رجاله أنّه من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله، وفي كتب المخالفين، فهو من رجال مسلم والأربعة. وأمّا بالنسبة إلى حضور فضّة في واقعة كربلاء، فهو أمر مستبعد جداً في نفسه؛ لأنّ حادثة كربلاء ليست بالعابرة والقليلة الأهمية، فالتراث الشيعي يزخر بأخبارها، والتأكيد على رموزها والشخصيات المشاركة فيها، ومع ذلك لا نجد لها ذكراً في تراجيديا كربلاء غير خبر أبي الحارث. هذا بالإضافة إلى أنّ العلّامة المجلسي حكم على هذا الخبر بالضعف، ورماه بالجهالة، فكيف يصحّ منه الاعتماد عليه؟! نعم، تبقى هنا عبارة العلّامة الحائري حيث نسب للكليني الاعتماد على الرواية، فربما يُقال باعتبارها. ولكن هذه النسبة ناشئة من إخراج الكليني الرواية في كتابه وما ذكره في مقدمة الكافي من أنّه يروي الصحيح الذي يُعتمد عليه ويُرجع إليه عند الاختلاف . وهذا كلام غير تام كما ذُكر في محلّه. ولكن يمكن أن يُقال في ردّ هذه المناقشة: إنّه عند مراجعة كلام العلّامة المجلسي نلاحظ أنّه لم يستند على الرواية في نفيه للحادثة، وإنّما كانت حافزاً ومؤيداً لما ذكره في كلامه؛ إذ يستند في رأيه على محبّة الحيوانات لأهل البيت عليهم السلام، المانع من قيامها بالعمل الشنيع وهتك حرمة أجسادهم المقدسة، بعد ملاحظة خصوصية أجسادهم الشريفة وطهارتها ونقائها، كحرمتها على الأرض والدود، وأنّ أجسادهم لا تبقى في الأرض أكثر من ثلاثة أيام، وغيرها من الخصائص الثابتة لأجساد الأنبياء والأوصياء عليهم السلام، وكذلك يرى أنّ الله تعالى أظهر المعجزةَ في جسد الإمام الحسين عليه السلام بعد استشهاده، وحمل الكلام الوارد من قِبَل العشرة الذين ادّعوا ذلك على الكذب من أجل إخفاء ما ظهر من معجز. يمكن أن يُقال: بأنّ المجلسي لم يتفاعل مع الخبر التاريخي الوارد في سحق الخيل للجسد الشريف، وبعد ورود الخبر بحراسة الجسد من قِبل أبي الحارث، تكاملت الصورة عنده وأخذ يدعمه بما ورد في كلامه، من أنّ الوطئ مستلزم لإهانة الجسد، وأنّ القوم راموا إخفاء ما ظهر من معجز بعد شهادته. المؤاخذات الواردة على كلامه رحمه الله ولكن مع ذلك تبقى هناك أُمور عديدة ترد على كلام المجلسي ورأيه رحمه الله: أولاً: إنّ المجلسي لم يذكر دليلاً معتبراً على كلامه، سوى الاستبعاد والخبر الضعيف وبعض الاستشهادات التي لا تنهض كدليل. ثانياً: إنّ ما ذكره من أمر الحيوانات واستشعارها وتعاطفها مع أهل البيت عليهم السلام لا ينسجم مع قوله: «ويدلّ على أنّ للحيوانات شعوراً، وعلى أنّ بعضهم يحبّون أهل البيت ويعرفونهم». فالبعضية تتنافى مع تأثر الجميع بالواقعة، ويجوز أن يكون البعض ممَّن لا يحبّ أهل البيت عليهم السلام اجترى على اقتراف الفعلة الأليمة الصادرة من قبل الجيش الأُموي. ثالثاً: ذكر أنّ كلام العشرة كذبٌ، والباعث له هو الحصول على الجائزة، ولكن يبقى أمر غفل عنه الشيخ من أن العشرة لو كانوا يكذبون لافتضح أمرهم من قِبل الآخرين ممَّن شارك في الحرب، وهم يعدون بعشرات الآلاف، فكيف تقبل الكثرة الحاضرة للحرب بانفرادهم بجائزة مخصوصة، وهم لم يتميزوا عنهم بشيء؟ رابعاً: إنّ المختار عاقب مَن فعل تلك الفعلة الشنيعة بنفس الفعل الذي صدر منهم، حسبما ورد في الخبر، فحمل فعله على مجرّد الادّعاء منهم بعيد، خصوصاً وإنّ من هؤلاء العشرة إسحاق بن حياة الحضرمي وأحبش بن مرثد اللذين سلبوا الحسين عليه السلام. خامساً: هنالك معاجز كثيرة وقعت قبل وبعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام نُقلت في مصادر الفريقين لم يُخفها أحدٌ، فلماذا يُخفون هذه المعجزة فقط؟ ومن تلك المعاجز: ما روته أُمّ حكيم، قالت: «لمّا قُتل الحسين بن علي، وأنا يومئذٍ جارية قد بلغت مبلغ النساء ـ أو كدت أن أبلغ ـ مكثت السماء بعد قتله أياماً كالعلقة». ومنها: ما عن أبي قبيل، قال: «لمّا قُتل الحسين بن علي، احتزّوا رأسه، وقعدوا في أول مرحلة يشربون النبيذ، ويتحفون الرأس، فخرج عليهم قلم حديد من حائط فكتب بسطر دم: أترجو أُمّة قتلت حسيناً شفاعة جدّه يوم الحساب» ومنها: «لمّا قُتل الحسين اسودّت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتى رؤيت الجوزاء عند العصر، وسقط التراب الأحمر» ومنها: «مطرت السماء يوم شهادة الحسين دماً، فأصبح الناس وكلّ شيء لهم مُلئ دماً، وبقي أثره في الثياب مدّة حتى تقطعت، وأنّ هذه الحمرة التي تُرى في السماء ظهرت يوم قتله ولم تُرَ قبله». ومنها: «لمّا قُتل الحسين مكثوا شهرين أو ثلاثة وكأنّما يلطَّخ الحيطان بالدم، من حين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس». ومنها: «إنّ السماء أظلمت يوم قُتل الحسين حتى رأوا الكواكب». وغيرها الكثير من المعاجز التي وقعت بعد مقتله، وتناقلتها الألسن ودوّنتها الكتب، ولم يُخفها أحد، فلماذا تُترك هذه المعاجز تُروى وتُخفى معجزة حراسة الجسد الشريف من قِبَل الأسد؟! سادساً: بعد الإغماض عمّا تقدَّم تبقى إشكالية، وهي: لا يوجد لدينا دليل على إطاعة الحيوانات لأوامر فضّة وغيرها ممَّن لم تثبت إمامته وعصمته. فعلى فرض حضورها ووجودها إلّا أنّ طاعة الأسد لها غير ثابتة. والنقض بإطاعة سفينة لا يصحّ؛ لأنّ أصل وجوده مشكوك لا دليل عليه عندنا، وعند غيرنا لا يفيد. فالخبر يحمل في طيّاته عدّة عقبات صعبة ليس من السهل تجاوزها والقبول به، مع ما سيأتي من تسالم المؤرِّخين والعلماء على أنّ رضّ الجسد الشريف قد حصل من قِبَل جيش يزيد عليه من الله اللعنة والعذاب. روى المؤرِّخون لحادثة كربلاء أنّ الخيل وطأت الجسد الشريف، وتطابقت الكلمات على ذلك، فقد نصّ على الحادثة أغلب علماء الحديث والرجال، كالشيخ المفيد، وابن طاووس، وابن يونس العاملي، والطبرسي، والفتّال النيسابوري، والمجلسي، والكراجكي، والسيد محسن الأمين، وغيرهم. ومن العامّة الطبري، وابن الأثير، وابن الجوزي، وابن حجر، والنويري، وابن كثير، وابن أعثم الكوفي، وغيرهم ممَّن صرَّح بوقوع الحادثة. يرجع المؤرِّخون ـ عموماً ـ إلى أقدم راوٍ للحادثة، وهو أبو مخنف (لوط بن يحيى بن سعيد) الذي دوّن واقعة الطفّ في كتابٍ منفرد، والكتاب وإن لم يصل إلينا إلّا أنّ المؤرِّخين نقلوا عنه أكثر مادته، كالطبري في تاريخه حيث اعتمد عليه في تدوين واقعة الطف، وابن الأثير، وغيرهم من المؤرِّخين. وأبو مخنف يمكن الركون إلى كونه شيعياً بالمعنى الخاص، أي من موالي أهل البيت عليهم السلام، وأنّه أخباري موثوق كما عبَّر عنه الشيخ النجاشي في ترجمته «وكان يُسكن إلى ما يرويه». ممّا يعني أنّه يعتمد عليه فيما دونه من أخبار التاريخ، وتحريه ضبط الوقائع التي ينقلها، وإن كنّا نجهل مشايخه ومَن أخذ عنهم، إلّا أنّه كان يتحرّى الأُمور الثابتة والمشهورة بالتناقل. قلنا سابقاً: إنّ علماء المسلمين يذهبون إلى وقوع حادثة رضّ الجسد الشريف بعد الاستشهاد والهجوم على الخيام والحرم، وهذا ما اتّفقت عليه كلمة علماء الشيعة إلّا ما سمعت من الكليني والمجلسي وابن حمزة الطوسي، وأمّا علماء السنّة فنصّوا على حدوث الواقعة، كالطبري في تاريخه وابن الأثير والبلاذري وابن الجوزي وابن أعثم والخوارزمي وسبط ابن الجوزي والمسعودي والشبراوي والنويري والهيتمي وغيرهم ممَّن أخذ بما نقله لوط بن يحيى وغيره، ولم يشكّوا فيها أو يتوقّفوا في حدوثها. ومقبولية الخبر من جميع هؤلاء المؤرِّخين مع نصّ النجاشي على تحرّي أبي مخنف في النقل والتوثيق، يُعطي حكماً يقينياً قوياً في وقوع الفاجعة ورضِّهم للجسد الشريف. والعلّامة المجلسي نقل ذلك أيضاً في كتابه البحار في عدّة مواضع؛ إذ قال: «رأيت في بعض الكتب أنّ فاطمة الصغرى، قالت: كنت واقفة بباب الخيمة، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزّرين كالأضاحي على الرمال والخيول على أجسادهم تجول». فالأحرى به أن يلاحظ الأخبار من الطرفين، ومن ثمَّ معالجتها للخروج برأي مختار، دون الإسراع في اتّخاذ رأي مبتنٍ على استبعادات ذهنية مسبقة. نعم، حاول بعضهم التوفيق بين الرأيين قائلاً: «وكأنّهم ـ لعنهم الله ـ أرادوا أن يوطئوا الخيل؛ بحيث لا يبقى من جسده الشريف أثر، فمنعهم الأسد من ذلك، وإلّا فالعشرة المتقدِّمة لعنهم الله قد رضّوا صدره وظهره على حسب ما أمر عبيد الله بن زياد أولاً، وجاءهم أمر آخر بأن لا يبقوا من جسده الشريف أثراً، فحال بينهم وبينه الأسد، وحكي عن السيد المرتضى ذلك»وهو وجه قابل للتأمّل في الجمع بين الروايات المختلفة. منقول بتصرف . دمتم في رعاية الله

4