مصطفى الباسمي ( 25 سنة ) - العراق
منذ سنة

علوم القران

السلام عليكم قال تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله إلى نهاية الايه أن أمكن استوقفتني الا بإذن الله السحر الذي يفعلوه الآن ويضر الزوجه او يضر الرجل وغيرهم من سحر فساد هذا سحر والايه تقول لن يضر به أحد إلا بإذن الله فكيف يضرون به الناس ارجوا التوضيح وشكرا


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١ - الصفحة ٣١٥-٣٢٢: يفهم من الأحاديث أن مجموعة من النّاس مارست السحر في عصر النّبي سليمان(عليه السلام)، فأمر سليمان بجمع كل أوراقهم وكتاباتهم، واحتفظ بها في مكان خاص. (لعل الإحتفاظ بها يعود إلى إمكان الإِستفادة منها في إبطال سحر السحرة). بعد وفاة سليمان عمدت جماعة إلى إخراج هذه الكتابات، وبدأوا بنشر السحر وتعليمه. واستغلت فئة هذه الفرصة فأشاعت أن سليمان لم يكن نبيّاً أصلا، بل كان يسيطر على مُلكه ويأتي بالأُمور الخارقة للعادة عن طريق السحر! مجموعة من بني إسرائيل سارت مع هذه الموجة ولجأت إلى السحر، وتركت التوراة. عندما ظهر النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاءت آيات القرآن مؤيدة لنبوة سليمان، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمّد يقول: سليمان نبي وهو ساحر! وجاءت الآية ترد على مزاعم هؤلاء وتنفي هذه التّهمة الكبرى عن سليمان(عليه السلام)(2). الآية الاُولى إذن تكشف فضيحة اُخرى من فضائح اليهود وهي إتهامهم لنبي الله بالسحر والشعوذة، تقول الآية عن هؤلاء القوم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}. والضمير في «وَاتَّبِعُوا» قد يعود إلى المعاصرين للنبي، أو إلى أولئك اليهود المعاصرين لسليمان، أو لكلا الفريقين. والمقصود بكلمة «الشَّيَاطِينَ» قد يكون الطغاة من البشر أو من الجن أو من كليهما. ثم تؤكد الآية على نفي الكفر عن سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}. فسليمان(عليه السلام) لم يلجأ إلى السحر، ولم يحقق أهدافه عن طريق الشعوذة: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}. هؤلاء اليهود لم يستغلوا ما تعلموه من سحر الشياطين فحسب، بل أساؤوا الإِستفادة أيضاً من تعليمات هاروت وماروت: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}(1). هاروت وماروت ملكان إلهيّان جاءا إلى النّاس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم النّاس سبل إبطال السحر، وكما إن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم النّاس اُصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعلم السحر {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاً إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}. وسقط أُولئك اليهود في الفتنة، وتوغلوا في إنحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النّبوة، بل من السحر والسحرة. وهذا هو دأب المنحرفين دائماً، يحاولون تبرير إنحرافاتهم باتهام العظماء بالانحراف. هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الإختبار الإِلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلّوه على طريق الإِفساد لا الإِصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا هُمْ بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ}. لقد تهافتوا على إقتناء هذا المتاع الدّنيوي وهم عالمون بأنه يصادر آخرتهم {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الاْخِرَةِ مِنْ خَلاَق}(2). لقد باعوا شخصيتهم الإِنسانية بهذا المتاع الرخيص {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}. ويبقى السؤال عن الرابطة بين الملك والإنسان، وهل يمكن أن تكون بينهما رابطة تعليمية؟ الآيات المذكورة تصرح بأن هاروت وماروت علما الناس السحر، وهذا تم طبعا من أجل إحباط سحر السحرة في ذلك المجتمع. فهل يمكن للملك أن يكون معلما للإنسان؟ الأحاديث الواردة بشأن الملكين تجيب على هذا السؤال، وتقول: إن الله بعثهما على شكل البشر، وهذه الحقيقة يمكن فهمها من الآية التاسعة لسورة الأنعام أيضا، حيث يقول تعالى: ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا - لا قدرة لأحد على عمل دون إذن الله نفهم من قول الله في هذه الآيات أن السحرة ما كانوا قادرين على إنزال الضر بأحد دون إذن الله سبحانه، وليس في الأمر " جبر " ولا إرغام، بل إن هذا المعنى يشير إلى مبدأ أساس في التوحيد، وهو إن كل القوى في هذا الكون تنطلق من قدرة الله تعالى، النار إذ تحرق إنما تحرق بإذن الله، والسكين إذ تقطع إنما تقطع بأمر الله. لا يمكن للساحر أن يتدخل في عالم الخليقة خلافا لإرادة الله. كل ما نراه من آثار وخواص إنما هي آثار وخواص جعلها الله سبحانه للموجودات المختلفة، ومن هذه الموجودات من يحسن الاستفادة من هذه الهبة الإلهية ومنهم من يسئ الاستفادة منها. و " الاختيار " الذي منحه الله للإنسان إنما هو وسيلة لاختباره تكامله. وجاء في تفسير مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٣٤٣ وقوله: (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) أي: لا يلحقون بغيرهم ضررا إلا بعلم الله، فيكون على وجه التهديد. وقيل: معناه إلا بتخلية الله، عن الحسن، قال: من شاء الله منعه، فلا يضره السحر، ومن شاء خلى بينه وبينه فيضره. دمتم في رعاية الله