Mustafa ( 18 سنة ) - العراق
منذ سنة

الإستعانة بالله

السلام عليكم كيف نوافق بين قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (إياك نعبد وإياك نستعين) وبين قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (واستعينوا بالصبر والصلاة) .


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم إنّ حصر الإستعانة باللّه من باب الحصر الاضافي، اي لا نستعين بغير الله سبحانه وتعالى في عَرض الله تعالى وفي مقابله، ولا ينفي الاستعانة بغير الله تعالى اذا كان باذنه تعالى، ونجد ذلك في القرآن الكريم ايضاً حيث استعان النبي يوسف على نبيه وآله وعليه السلام في شفاء أبيه بالقميص : {إذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجهِ أبي يأتِ بصيراً واتوني بأهلكم أجمعين} فلماذا لم يقتصر على الدعاء وطلب الشفاء من الله تعالى من دون ان يستخدم القميص ؟ وهكذا نجد قوله تعالى : {واستعينوا بالصبر والصلاة} والنتيجة انه مع ما نجد في القرآن ونعمل في حياتنا اليومية من الاستعانة بمخلوقات الله سبحانه نعرف ان المراد من {وإياك نستعين} هو ان لا نجعل في عَرض الله تعالى عنصراً آخر نستعين به، لا أنه لا يجوز في طوله تعالى. إن المسلمين في أقطار العالم يحصرون الاستعانة في الله سبحانه ومع ذلك يستعينون بالأسباب العادية، جريا على القاعدة السائدة بين العقلاء، ولا يرونه مخالفا للحصر، كما أن المتوسلين بأرواح الأنبياء يستعينون بهم في مشاهدهم ومزاراتهم، ولا يرون ذلك تعارضا مع حصر الاستعانة بالله سبحانه، وذلك لأن الاستعانة بغير الله يمكن أن تتحقق بصورتين: 1 - أن نستعين بعامل - سواء أكان طبيعيا أم غير طبيعي - مع الاعتقاد بأن عونه مستند إلى الله، بمعنى أنه قادر على أن يعين العباد ويزيل مشاكلهم بقدرته المكتسبة من الله وإذنه. وهذا النوع من الاستعانة - في الحقيقة - لا ينفك عن الاستعانة بالله ذاته، لأنه ينطوي على الاعتراف بأنه هو الذي منح تلك العوامل ذلك الأثر، وأذن بها، وإن شاء سلبها وجردها منه. . 2 - وإذا استعان بإنسان أو عامل طبيعي مع الاعتقاد بأنه مستقل في وجوده، أو في فعله عن الله، فلا شك أن ذلك الاعتقاد يصير شركا، والاستعانة به عبادة. وبذلك يظهر أن الاستعانة المنحصرة في الله المنصوص عليها في قوله تعالى {وإياك نستعين} هي الاستعانة بالمعونة المستقلة النابعة من ذات المستعان به، غير المتوقفة على شئ، فهذا هو المنحصر في الله تعالى، وأما الاستعانة بالإنسان الذي لا يقوم بشئ إلا بحول الله وقوته وإذنه ومشيئته، فهي غير منحصرة بالله سبحانه، بل إن الحياة قائمة على هذا الأساس، فإن الحياة البشرية مليئة بالاستعانة بالأسباب التي تؤثر وتعمل بإذن الله تعالى. إن المحصور بالله تعالى هو انتساب هذه الأمور على نحو الاستقلال، وأما المنسوب إلى غيره فهو على نحو التبعية، وبإذنه تعالى، ولا تعارض بين النسبتين، ولا بين الاعتقاد بكليهما. فمن اعتقد بأن هذه الظواهر الكونية مستندة إلى غير الله على وجه التبعية لا الاستقلال لم يكن مخطئا ولا مشركا، وكذا من استعان بالنبي أو الإمام على هذا الوجه. هذا مضافا إلى أنه تعالى الذي يعلمنا أن نستعين به فنقول: {إياك نعبد وإياك نستعين} يحثنا في آية أخرى على الاستعانة بالصبر والصلاة فيقول: {واستعينوا بالصبر والصلاة} وليس الصبر والصلاة إلا فعل الإنسان نفسه. إن الآيات الواردة حول الاستعانة على صنفين: الصنف الأول: يحصر الاستعانة في الله فقط ويعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه. والصنف الثاني: يدعونا إلى سلسلة من الأمور المعينة (غير الله) ويعتبرها ناصرة ومعينة، إلى جانب الله. وإليك فيما يلي إشارة إلى بعض الآيات من الصنفين: {وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم} . {إياك نعبد وإياك نستعين} هذه الآيات نماذج من الصنف الأول، وإليك فيما يأتي نماذج من الصنف الآخر الذي يدعونا إلى الاستعانة بغير الله من العوامل والأسباب: {واستعينوا بالصبر والصلاة} {وتعاونوا على البر والتقوى} {ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة} ومفتاح حل التعارض بين هذين الصنفين من الآيات هو ما ذكرناه، وملخصه: إن في الكون مؤثرا تاما، ومستقلا واحدا، غير معتمد على غيره لا في وجوده ولا في فعله وهو الله سبحانه، وأما العوامل الأخر فجميعها مفتقرة - في وجودها وفعلها - إليه وهي تؤدي ما تؤدي بإذنه ومشيئته وقدرته، ولو لم يعط سبحانه تلك العوامل ما أعطاها من القدرة ولم تجر مشيئته على الاستمداد منها لما كانت لها أية قدرة على شئ. فالمعين الحقيقي في كل المراحل - على هذا النحو تماما - هو الله، فلا يمكن الاستعانة بأحد باعتباره معينا مستقلا. لهذه الجهة حصر هنا الاستعانة في الله وحده، ولكن هذا لا يمنع بتاتا من الاستعانة بغير الله باعتباره غير مستقل (أي باعتباره معينا بالاعتماد على القدرة الإلهية) ومعلوم أن استعانة - كهذه - لا تنافي حصر الاستعانة في الله سبحانه لسببين: أولا: لأن الاستعانة المخصوصة بالله هي غير الاستعانة بالعوامل الأخرى، فالاستعانة المخصوصة بالله هي: ما تكون باعتقاد أنه قادر على إعانتنا بالذات، وبدون الاعتماد على غيرها، في حين أن الاستعانة بغير الله سبحانه إما هي على نحو آخر أي مع الاعتقاد بأن المستعان قادر على الإعانة مستندا على القدرة الإلهية،لا بالذات، وبنحو الاستقلال، فإذا كانت الاستعانة - على النحو الأول - خاصة بالله تعالى، فإن ذلك لا يدل على أن الاستعانة بصورتها الثانية مخصوصة به أيضا. ثانيا: إن استعانة - كهذه - غير منفكة عن الاستعانة بالله، بل هي عين الاستعانة به تعالى، وليس في نظر الموحد (الذي يرى أن الكون كله من فعل الله ومستندا إليه) مناص من هذا. دمتم في رعاية الله

1