( 24 سنة ) - العراق
منذ سنة

القناعة

كيف احصل على القناعه في الدنيا؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم القَناعة، هي الاقتصار على القليل، والاكتفاء باليسير، وهي من الفضائل الأخلاقية والعملية التي حظيت بعناية خاصة في النصوص الدينية والروايات الأخلاقية،وللقناعة طرق ووسائل وأسباب تعين على اكتسابها، ومن ذلك: 1-الإيمانُ بالله (تعالى) والاعتقادُ بصفاته، وأنَّه عادلٌ حكيمٌ، لا يُعطي ولا يمنعُ إلّا عن حكمةٍ وعدالةٍ، ومن أجلِ ما تتوقّفُ عليه مصالحُ الخلق، سواء في الدنيا أو الآخرة، فإذا ترسّختْ هذه العقيدةُ في قلبِ الإنسانِ وبأدلِّتها اليقينية؛ سوفَ تحصلُ له القناعةُ التامّةُ بكُلِّ ما يُعطى وما يُمنعُ من قِبل الله(تعالى). 2- تذكّرُ العبدِ أن الدنيا إلى زوال وأن متاعها إلى فناء: ليعلمِ العاقل أنّ كل حال إلى زوال، فلا يفرح غنيّ حتى يطغى ويَبطر، ولا ييأس فقير حتى يعصي ويكفر، فإنه لا فقر يدوم، ولا غنى يدوم!! وكم من رجال نشؤوا على فرش من حرير، وشربوا بكؤوس من ذهب، وورثوا كنوزا من المال، وأذلوا أعناق الرجال، واستعبدوا الأحرار من الرجال والنساء! فما ماتوا حتى اشتهَوْا فراشًا خَشِنا يقي الجنب عَضّ الأرض، ورغيفًا من خبز يحمي البطن من قَرْص الجوع!! وآخرون قاسوا المحن والبلايا، وذاقوا الألم والحرمان، وطووا الليالي بلا طعام! فما ماتوا حتى ازدحمت عليهم النعم، وتكاثرت لهم الخيرات، وصاروا من سراة الناس!! 3- أن ينظر المرء إلى من هو أقل منه في المال والمنصب والجاه، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه في ذلك: فعن الإمام الصادق عليه السلام أَنه قال لرجل يعظه: "اقنع بما قسم الله لك ولا تنظر إلى ما عند غيرك ولا تتمن ما لست نائله فإنه من قنع شبع ومن لم يقنع لم يشبع وخذ حظك من آخرتك". 4- تربية النفس على الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف والتبذير: فقد قال سبحانه: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾. وقال عز وجل في صفات عباد الرحمان: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾. 5- الاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها: فلله سبحانه وتعالى حكمة في تفاوت الأرزاق والمراتب بين العباد؛ حتى تحصل عمارة الأرض، ويتبادل الناس المنافع والمصالح، ويخدم بعضهم بعضًا. قال الله تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32]، وقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ﴾ [الأنعام: 165]. 6- العلم بأن الفقر والغنى ابتلاء وامتحان: فالفقير ممتحن بفقره وحاجته، والغني ممتحن بغناه وثروته، وكل منهما مسؤول وموقوف بين يدي الله عز وجل. قال سبحانه: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾. 7 -الاقتداء بأصحاب القناعة والرضا، والاطلاع على أحوالهم: وأعظم نموذج في القناعة والرضا؛ هو رسول الله صلى الله عليه واله ، فهو القدوة والأسوة في كل خلق جميل. فلقد كان قنوعاً زاهداً راضيا صابرا محتسبا، كان أبعدَ الناس عن ملذات الدنيا، وأشدهم رغبة في الآخرة.وكذلك الإطلاع على سيرة أهل البيت عليهم السلام ، وسيد من زهد في الدنيا رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد أعرض عنها مع قدرته عليها، وقد عرضت عليه فرفضها، ففي الحديث المروي عن أبي جعفر عليه السلام قال: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: جاءني ملك، فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك إن شئت جعلت لك بطحاء مكة رخدار ذهب) قال: فرفع النبي صلّى الله عليه وآله رأسه إلى السماء، فقال: يا رب أشبع يوماً فأحمدك، وأجوع يوماً فأسألك"، وقد حذا حذوه أمير المؤمنين وأبناؤه عليهم السلام وهذه سيرته تشهد له، فهذا جرابه المختوم، وهذا قرصه الذي اتخذه من الشعير، وهذا أدامه الذي اتخذه من جريش الملح، هذا كله مع قدرته على تحصيل ما طاب من المطعم والملبس، وقد أعرب عن قدرته عليه، فقال: "والله لو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونساج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي أو يقودني جشعي إلى تخير الأطعمة". هذا هو الزهد عن أهل البيت عليهم السلام، وهم القدوة لنا فيه، وقد نص أمير المؤمنين عليه السلام على ذلك، فقال: "ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه". دمتم في رعاية الله

4