( 17 سنة ) - السعودية
منذ سنة

آثار الذنوب

كيف اُذهب آثار الذنوب التي ارتكبتها من قلبي؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته إنّ للمعصية آثاراً سلبيةً في حياة الإنسان، وهي سببٌ في انحطاط الإنسان وتسافله وبالتالي استقراره في دركات الشقاء والحرمان. ولكن هذا لا يعني أنّ العذاب أصبح أمراً واقعاً ولا مفرّ منه أبداً، بل لدى الإنسان فرصةٌ حقيقيةٌ لتدارك الأمر وإصلاح ما فسد، بل وللارتقاء مجدداً في مدارج الكمال والقرب من الله الرحيم؛ لأنّ رحمته تعالى وسعت كلّ شي: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾. (الأعراف: آية١٥٦)، وذلك عندما يتوب الإنسان العاصي من معصيته ويرجع إلى ربّه، فإنّه سيجد عندها ربّاً توّاباً رحيماً: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.(الزمر:آية٥٣). وهذا الباب من نعم الله الكبرى وألطافه العظمى التي وهبها لعباده؛ لأنّه لو يؤاخذ الله عباده بذنوبهم لهلكوا ولما نجا منهم إلّا القليل ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ﴾.( فاطر:آية٤٥)، ولكن رحمته تعالى سبقت غضبه لذا ﴿يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾.(النحل:آية٦١)، رأفةً بهم وإحساناً إليهم؛ لأنّه لطيفٌ بعباده، عطوفٌ عليهم. والرحمة الإلهية لم تقتصر على المغفرة في حال تاب العبد ورجع إلى ربه، بل وعد الله المنيبين إليه بأن يكفّر عنهم سيئاتهم ويسترها عن الناس، ويدخلهم الجنة أيضاً: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾.(التحريم:آية٨). ولكن للتوبة النصوح شروطاً ينبغي مراعاتها حتى تصبح مقبولةً عند الله وبالتالي تؤتي ثمارها الطيبة وهي: أولاً: الندم على ما اقترفه الإنسان وأقدم عليه. ثانياً: العزم على عدم الإتيان بالذنب مجدداً. ثالثاً: الدعاء والتوسّل والبكاء، وطلب المغفرة بصدق. رابعاً: قضاء ما فاته من الواجبات، وردّ الحقوق إلى أهلها ما استطاع إليه سبيلاً وطلب المسامحة منهم، وفي حال تعذّر عليه ذلك تماماً استغفر لأصحابها. وهذا ما بيّنه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في ردّه على مَن قال في حضرته: "أستغفر الله" فقد أجابه (عليه السلام): "ثكلتك أمك ... أتدري ما الاستغفار؟ إنّ الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان: أولها: الندم على ما مضى. الثاني: العزم على ترك العودة إليه. الثالث: أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله سبحانه أملس ليس عليك تبعة. الرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقّها. الخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى يلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد. السادس: أن تذيق الجسد ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية".(المجلسي،بحار الأنوار:ج٦،ص٣٧). وفي الختام نلفت النظر إلى ثلاثة أمورٍ في غاية الأهمية لها علاقة بالتوبة، ومن أهم آثارها، وهي: أولاً: إنّ الله تعالى يحبُّ عبده التائب والعائد إليه بعد طول انقطاعٍ عنه:﴿إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾.(البقرة:آية23). ثانياً: إنّ التائب من الذنب في الحقيقة كمَن لا ذنب له. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "التائب من الذنب كمَن لا ذنب له".(النراقي،جامع السعادات:ج٣،ص٥١). ثالثاً: إنّ الأعمال الصالحة تساعد الإنسان على التخلّص من آثار وتبعات الذنوب والمعاصي، وتعوّض عليه شيئاً ممّا فات: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾.(هود:آية١١٤). ومن خلال النظر إلى القرآن الكريم وحسب قول الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ الله سبحانه وتعالى هو الطبيب الحقيقي لجميع الأمراض وخصوصاً أمراض القلب بقوله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:آية٨٠). وقال سبحانه وتعالى:{ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّـهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّـهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.(الرعد:آية28). وعن الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) إنّ دواء القلب عند الله سبحانه وتعالى بقوله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}.(الإسراء: آية 82). وقال الرسول محمد (صلى الله عليه وآله): " إنّ الدواء عندي التوبة تجب ماقبلها".(البروجردي،جامع أحاديث الشيعة:ج١٤،ص٣٢٨). وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: "التوبة تطهّر القلوب وتغسل الذنوب".( الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٣٣٨). وعن الأئمة (عليهم السلام) هناك ثلاث أنواع من مطهرات القلوب التي ترتبط بأعمال المؤمنين وهي : ١-أعمال ترتبط بعلاقة الإنسان بالمؤمنين : ومنها السعي في حالة المريض وإغاثة الملهوف، والتحية، وتغسيل الموتى وتشييعهم. ٢-أعمال ترتبط بعلاقة الإنسان بأهل البيت (عليهم السلام) : ومنها الصلاة على محمد وآل محمد وزيارة قبور أهل البيت (عليهم السلام) وخصوصاً زيارة الحسين والرضا (عليهم السلام) فمَن زارهم أخرجه الله من ذنوبه كيوم ولدته أمّه . ٣ـ أعمال ترتبط بعلاقة الإنسان بالله تعالى: ومنها الصلاة، والصوم، والحج، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح ذات البين . ولو أردت أن تسأل عن المشفى الذي ينصح به أئمتنا مراجعته فهو مستشفى الحسين (عليه السلام)؛ لأنّه فيه الطبيب الاختصاص الذي يعالج جميع الحالات المستعصية من أمراض القلوب وهو الحسين (عليه السلام) وهو باب الفوز والنجاة وغفران جميع الذنوب. دمتم في رعاية الله

4