السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
إن ما يمكن أن يُستَدل به على مانعية زيارة النساء مشياً إلى كربلاء المقدسة هو مجموعة من الأدلة التي يظهر منها ـ بواسطة عمومها ـ أنها تمنع النساء من الخروج، سنذكرها مع بيان الردود عليها ومنها :
الدليل الأول: ممنوعية خروج النساء مطلقاً
هناك آية يظهر منها نهي النساء عن الخروج من بيوتهن بصورة مطلقة، وهذه الآية هي قوله تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ) .
لو قلنا بمانعية خروج النساء مطلقاً فإن هذا الحكم الكلي سيشمل أيضاً منع خروجهن مشياً إلى كربلاء، خصوصاً إذا كان خروجهن طويل الأمد نسبياً، كما هو حاصل لبعض السائرات، فهل يمكن إثبات دلاتها على المطلوب أو لا؟
تقريب الاستدلال
إن الآية تأمر المرأة ـ من خلال فعل الأمر الذي في صدر الآية ـ بأن تقر في بيتها، بمعنى أنها لا تخرج منه مطلقاً، وتنهى عن تبرج الجاهلية الأُولى؛ فيكون خروجها مشياً إلى الزيارة منافياً للآية الشريفة المانعة من الخروج.
مناقشة الدليل الأول
لو أخذنا بظاهر الآية المباركة ـ ومن دون النظر إلى مناسباتها وأسباب وشأن نزولها ـ لكان الكلام فيها تاماً، إلا أنه لا يمكن الأخذ به لجهات ثلاثة:
الجهة الأولى: من خلال السياق الذي يكتنف الآية المباركة يتبين لنا أن المخاطب بها ـ صريحاً ـ هو نساء النبي صلى الله عليه واله ، وأن هذا الحكم مختص بهن دون غيرهن، أو لا أقل يحتمل ظهورها بذلك، وهذا الاحتمال ـ الظاهر بظهور جلي جداً ـ مبطل للاستدلال بها على مانعية خروج باقي النساء.
وتوجد قرينتان على ذلك:
القرينة الأُولى: وهي قرينة داخلية؛ فإن الآية التي قبلها ظاهرة بأن الخطاب لنساء النبي عليها السلام لخصوصية فيهن؛ وأنهن لسن كباقي النساء من حيث بعض الأحكام، ومنها منعهن عن الخروج ومضاعفة العذاب على مخالفة الله ورسوله، حيث قالت: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ).
فصريح الآية يُبين لنا أن نساء النبي لسن كبقية النساء، بل لهن خصوصيات ميزتهن عن غيرهن؛ وبطبيعة الحال تكون لهن أحكام خاصة بهن.
القرينة الثانية: وضوح خروج النساء مطلقاً بمرأى ومسمع من النبي والأئمة، ومن دون أن يمنع النبي أو يردع عن ذلك، فلو كانت الآية شاملة لمطلق النساء لبان المنع واتضح في عصر النبي والأئمة وسائر العصور الأُخرى، وحيث لا يوجد منع من قبلهم عليهم السلام فهناك إقرار بذلك.
بل إن هناك تسالماً ووضوحاً بعدم المانعية، ولم يخالف أحد في جواز خروج المرأة تمسكاً بالآية.
الجهة الثانية: لو سلمنا شمول الآية لمطلق النساء، فهي في صدد المنع من خروج خاص للمرأة، وهو الخروج الذي يشاكل خروج المتبرجات بتبرج الجاهلية الأُولى، لا عن مطلق الخروج حتى لو كان خروج طاعة أو إباحة؛ لوضوح جواز الخروج شرعاً للحج وغيره من الطاعات؛ وللعرف المتشرعي القائم على ذلك.
الجهة الثالثة: لو تنازلنا عما تقدم في الجهتين السابقتين فلا أقل من القول: بأن الآية مخصصة أو مقيدة بأدلة خروج المرأة للواجبات والمستحبات كالحج الواجب والعمرة المفردة والطاعات، بل ومطلق ما كان راجحاً، كالكسب الحلال والتعلم والتعليم، ولا شك في أن الخروج للزيارة من أهم الطاعات والشعائر.
وعليه؛ فلا مانع من خروج المرأة من بيتها إذا كانت غير متبرجة، وكان خروجها بإذن زوجها إن كان لها زوج، ولم نجد مَنْ منع مِن العلماء فيما لو كان خروجها طبقاً للموازين الشرعية: غير متبرجة، وغير متهتكة، وكانت مأمونة على نفسها.
وعليه؛ فلا بأس بتصدي المرأة للشؤون الإدارية والسياسية والتربوية والطبية، بل إن بعضها داخل في عمومات وإطلاقات أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قوله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ).
الدليل الثاني: المنع من الاختلاط
إن بعضاً من الأُمور التي دفعت بالمانعين من خروج النساء مشياً لزيارة سيد الشهداء عليه السلام هو ما يذكر من اختلاط النساء بالرجال، وبما أن الاختلاط ممنوع شرعاً ـ وقد يوجب سلب الطاعة من عنوانها ـ فلا بد من الوقوف أمام حصول مثل هذا العمل .
تقريب الاستدلال
لقد ورد الدليل على مانعية مطلق الاختلاط في جملة من الأخبار، ومنها خبر غياث بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا أهل العراق، نُبّئت أنّ نساءكم يُدافعن الرجال في الطريق، أما تستحون؟!». و بطريق آخر زاد: «لعن الله من لا يغار». وفي رواية أُخرى عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: «أما تستحيون ولا تغارون على نسائكم يخرجن إلى الأسواق، ويزاحمن العلوج؟!.
و يؤيد المنع ـ ما يظهر منه المنع عن حضور النساء صلاتي الجمعة والعيدين ـ ما رواه محمّد بن شريح، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين؟ فقال عليه السلام: لا، إلّا العجوز عليها منقلاها»يعني الخفّين.
وموثّق يونس بن يعقوب، قال: «سألت أبا عبد الله عليه السلام عن خروج النساء في العيدين و الجمعة؟ فقال عليه السلام: لا، إلّا امرأة مسنّة».
مناقشة الدليل الثاني
ويرد على هذا الدليل أُمور عدة:
أولاً: إن الأدلة المذكورة في البين ظاهرة في الكراهة لا في التحريم؛ ولا أقل من كون إعراض المشهور عن العمل بمضمونها صارفاً لها من الظهور التحريمي إلى الكراهتي.
ثانياً: إن الاختلاط الممنوع هو الاختلاط بكيفية خاصة لا مطلق الاختلاط، أي: لا بدّ من تفسير الاختلاط المذكور بالتداكّ والتدافع بين الجنسين الملازم للالتصاق ولو من وراء الثياب؛ وهذا ظاهر من التعبير بالمدافعة والمزاحمة الواردين في الروايات، فلو خلت التجمّعات المذكورة من هذه الحالة لسعة الطرق عمّا كانت عليه سابقاً، وتعدّد مسالك الدخول إلى الصالات ومسارات الحركة، والتجمّع في التظاهرات والاعتراضات لم يكره الحضور المذكور، بل ربّما استحبّ إن فرض وجود غرض راجح أو واجب في ذلك، كما في مثل الاجتماع في مناسك الحجّ من سعي وطواف ووقوف بعرفة ورمي جمرات وغير ذلك.
ثالثاً: من المحتمل جداً أن يراد بالاختلاط معنى آخر، وهو المعاشرة والخلطة للرجال، كما يحصل في المدارس والدوائر الحكوميّة وغيرها بحيث تحصل مخالطة وعلاقة حميمة بين الجنسين، ولعل مَن أفتى بمنع هكذا اختلاط قد حمل الأدلة على الاختلاط الحميمي.
وهذا ما يظهر من بعض الأساطين المعاصرين، منهم:السيد أبو القاسم الخوئي قدس سره في جوابه على استفتاء موجّه إليه حول جواز العمل للمرأة ـ طبيبة .
منقول بتصرف.
دمتم في رعاية الله