سعد النجفي ( 18 سنة ) - العراق
منذ سنة

تزكية النفس

بماذا أبدأ في الأخلاق وتزكية النفس؟ وأي كتب أو محاضرات ترشدوني إليها؟


وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته إذا أراد الإنسان أنّ يهذّب نفسه، فلا بدّ من أن يلتفت إلى الطرق التي يمكن استخدامها للقيام بهذا الأمر، وهذه الطرق هي: أ - الوقاية: وهي بمعنى التوقِّي من أول الأمر بالحيطة والحذر، وتجنّب ما يؤدي إلى الوقوع في المعاصي والأخلاق السيئة، وهي أفضل وأسهل وسيلة لتهذيب النفس؛ لأنّ النفس قبل إصابتها وتلوثها تكون أكثر استعداداً للتخلّق بأخلاق الله وعمل الخير، وتكون أقدر على مواجهة إغراء الدنيا ووسوسة الشيطان؛ ولذا فإنّ ترك المعاصي أيسر من الحصول على التوبة، يقول الإمام علي (عليه السلام): "ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة، وكم من شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً".( الكليني،الكافي:ج٢،ص٤٥١). ؛ ولذلك فإنّ عمر الشباب هو عمر مناسب جداً لهذا الأمر، حيث ينبغي ألّا يكون قد حصل التلوث بحبِّ الدنيا في هذا العمر. ب - الترك المباشر: لو فرضنا أنّ الوقاية لم تنجح بشكل كامل، وابتلى الإنسان بالمعاصي وسوء الخلق، فإنّ أفضل وسيلة لعلاج ذلك هو الترك المباشر والدفعي للمعاصي، والتوبة مباشرة بتصميم قاطع، وإرادة قوية، والتغلّب على الشيطان والنفس الأمارة بالسوء دفعة واحدة، وربما يحصل هذا الأمر نتيجة سماع آية أو حصول حادثة أو غير ذلك، ويمكن أن نلحظ هنا ذلك التحوّل الكبير والسريع الذي حصل في حياة بِشر الحافي، ولم يكن هذا التحوّل إلّا نتيجة كلمة قالها الإمام الكاظم (عليه السلام) وهي: " لو كان (بشر) عبداً لخاف من مولاه".( العلامة الحلي،منهاج الكرامة:ص٥٩). وبالترك المباشر والدفعي للسيئات، نقطع الطريق على إبليس وأعوانه، ونتخلّص من هذه الأمراض كما تخلّص منها بِشر الحافي. ج- الترك التدريجي: إذا لم نستطع تهذيب أنفسنا دفعة واحدة، فيمكن أن نقوم بذلك بشكل تدريجي، بأن نقوم بترك ذنب أو مجموعة ذنوب، وبذلك نكون قد بدلنا نقطة سوداء في قلوبنا إلى نقطة بيضاء، ثمّ نقوم بترك ذنب آخر إلى أن نكون بعد مدّة قد ابتعدنا تماماً عن الذنوب، وأخرجنا الصفات السيّئة من أنفسنا، وسددنا ضربة موجعة للشيطان، تضعفه عن محاولة إضلالنا وإسقاطنا في وادي الهلاك. وأمّا الأمور التي يمكن لها أن تساعدنا على تهذيبنا لأنفسنا، فهي: أ- التفكّر: إنّ الإنسان إذا انشغل بأموره الدنيوية، وغفل عن الآخرة وآثار أعماله فيها، فإنّه لن يندفع لتهذيب نفسه، وهنا ما الحل؟ الحل في التفكّر، التفكّر في العاقبة، وفي نتائج أعماله في الآخرة، وفيما سيحصل له في عالم القبر ويوم القيامة. إنّ هذا التفكّر سيلجم الإنسان عن ارتكاب ما يؤدي إلى سوء العاقبة، يقول الإمام علي (عليه السلام): "مَن عمّر قلبه بدوام الفكر حسنت أفعاله في السرّ والجهر".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٢،ص٩٦٩). ب - التأديب والمجازاة: يمكن للمرء أن يتوعّد نفسه بالعقاب فيما لو ارتكبت المعصية، فإن فعلت عاقبها بأحد هذه الأمور: إمّا بالصوم يوماً، أو بدفع مبلغ مالي، أو بحرمان النفس من وجبة طعام، أو ممّا تشتهيه ... وإن أقلعت يكون قد كبح جماحها، فلا يتهاون معها ولا ينساق مع العادات السيّئة التي تحكمت بها. يقول الإمام علي (عليه السلام): "تولوا من أنفسكم تأديبها واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها".(حسن القبانجي،مسند الإمام علي:ج٤،ص٣٧٧). ويقول (عليه السلام): "نِعم العون على أسر النفس وكسر عادتها الجوع".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج ١،ص٩١). ج - الالتفات إلى قيم الذات وتقوية القيم الإنسانية: إنّ نفس الإنسان جوهرة ثمينة، جاءت إلى الوجود من عالم الكمال والجمال، فإذا أدرك الإنسان ذلك فإنّه سوف ينأى بنفسه عن ارتكاب ما لا ينسجم مع مقامه كخليفة لله ومحلٍّ لتكريمه؛ لأنّ تلك النفس خلقت لتترفع عن الدنس والخطايا، ولترتقي في عالم القرب إلى الله، وهذا ما يدفع نحو تهذيب النفس، فعلى السالك عندها أن يقوم بأمرين: الأول: أن لا يستجيب لتلك الصفة السيّئة في نفسه. الثاني: أن يعمل على تقوية تلك الصفة الحسنة المقابلة لها، ويفرض على نفسه العمل بها حتى يعتاد عليها تدريجياً، لتتحول إلى ملكة وصفة راسخة في نفسه، وفي ذلك يقول الإمام علي (عليه السلام): "عوّد نفسك فعل المكارم، وتحمّل أعباء المغارم، تشرف نفسك، وتعمر آخرتك، ويكثر حامدوك".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٣،ص٢١١٩). و كما ينبغي على الانسان أن يهتم بطرق التهذيب، عليه أيضاً أن يزيل الموانع التي تحول دون تهذيب نفسه، وذلك بالكف عن أمرين: أ- ترك معاشرة أهل السوء: إنّ الإنسان يتأثر بأقرانه من حيث يشعر أو لا يشعر؛ ولذا إن كان لا بدّ من صحبة فيجب أن يكون الأصحاب من الأخيار، الذين يُقرِّبُون من الجنة ويُبعِّدون عن النار، من هنا أكّدت الروايات كثيراً على اتّخاذ الأصحاب من المؤمنين الصالحين، وضرورة الابتعاد عن قُرنَاء السوء، لما لذلك من أثر طيب على المرء في أخلاقه وأعماله، بل وفي دينه، يقول الإمام علي (عليه السلام): "احذر مجالسة قرين السوء فإنّه يهلك مقارنه ويردي مصاحبه".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٢،ص١٥٨٣). ب - الابتعاد عن الموارد التي يحتمل أن يضعف فيها بما أنّ الإنسان يتأثر بالأمور التي تحيط به، فإنّه من الممكن أن يضعف في بعض المواطن، أو الحالات التي تتهيأ فيها أجواء المعصية، كمجالس الفسق والفجور ومراكز السوء، والخلوة بالمرأة الأجنبية والمزاح معها، والنظر إلى المشاهد المثيرة للغرائز والشهوات، من هنا كان عليه أن يبتعد عن تلك الموارد التي يقوى فيها الشيطان عليه، حتى لا يقع في المعصية، يقول الإمام علي (عليه السلام): "إذا أبصرتِ العينُ الشهوة، عمي القلب عن العاقبة".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج٤،ص٣٢٨٨).إنّ الإنسان الذي يعنى بتهذيب نفسه لا بدّ أن يقدم على كل ما من شأنه أن يوصله إلى هدفه السامي، لكي يحثّ السير ويسرع في الوصول قبل فوات الأوان. يمكن لكم الإطلاع على المصادر الآتية: ١-كتاب (جامع السعادات) للشيخ محمد مهدي النراقي. ٢-كتاب (سلوك وأخلاق الإسلام )للشهيد الشيخ مرتضى مطهري . ٣-كتاب (الأخلاق الإسلامية)للسيد عبد الحسين دستغيب. ٤-كتاب (أخلاق النبوة والإمامة )لمحمد محسن المعروف بـ الفيض . ٥-كتاب (الأخلاق من منظور التعايش والقيم الإنسانية ) للمؤلف محمد تقي فلسفي. ٦-كتاب (الحياة في ظل الأخلاق )شيخ ناصر مكارم الشيرازي دمتم في رعاية الله

12