وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الحياء: صفة أخلاقية تعني الاحتشام، وهو عبارة عن ملكة النفس التي توجب انقباضها عن القبيح، وانزجارها عن خِلافِ الآداب؛ خوفاً من اللّوم، فهو رادع ذاتي داخلي يمتنع به الإنسان من ارتكاب المعايب التي نهى عنها الشرع أو العقل أو العرف، وهو بهذا المعنى لا يتصادم ولا يتناقض مع قوة الشخصية؛ لأنّ قوة الشخصية لا تعني الجرأة على المساوئ والمعايب، بل تعني الثقة بالنفس والتعبير عن الذات والدفاع عن الحقوق والمصالح، وكل ذلك في الإطار الصحيح، وبالأساليب اللائقة السليمة.
وبيّنت الروايات أنّ الحياء يتأتى من شيئين أساسيين هما:
١-الإيمان :ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام): "الإيمان والحياء مقرونان في قرن، فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٧١٧).
٢-العقل: ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "العقل شجرة ثمرها الحياء والسخاء".(الريشهري،موسوعة العقائد الإسلامية: ج١،ص٢٥٥).
وتأخذ صفة الحياء أهمية أكبر بالنسبة للمرأة، فهي تصونها عن الابتذال، وتجعلها أكثر رزانة وانضباطاً، وأبعد عن مواقع الفتنة والإثارة، يقول الإمام علي : "على قدر الحياء تكون العفّة".(الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٧١٧).
وملحوظ أنّ المرأة بطبيعتها أكثر نزوعاً إلى الحياء من الرجل، فرغم أنّ اندفاعاتها الغريزية الجنسية لا تقل عن الرجل، إلّا أنّها أفضل تحكماً وانضباطاً منه، حتى ورد في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال: "الحياء عشرة أجزاء فتسعة في النساء وواحد في الرجال".(الصدوق،الخصال:ص٤٣٨).
ويُضرب المثل بين الرجال عادةً بحياء المرأة، فإذا أُريد المبالغة في نعت رجل بالحياء، يقال: إنّه أحيا من فتاة. وتحدّث الأصحاب عن شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما عن أبي سعيد الخدري: "كان النبي أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها".(المجلسي،بحار الأنوار:ج١٦،ص٢٣٠).
وكان مألوفاً في المجتمع أن تلوذ الفتاة بالصمت، حينما تُسأل عن رأيها في الزواج ممَّن تقدّم لخطبتها، حياءً وخجلاً، فاعتبر الشرع سكوتها دليلاً على رضاها؛ لأنّ إبداء الرفض لا يستلزم حياءً.
والإفراط في ممارسة الحياء، واستخدامه في غير موضعه، ليس حالة صحيّحة، ولا تدخل ضمن الحياء المحبّذ والمطلوب، بل تعبرّ عنها النصوص الشرعية بأنّها سمة ضعف، ومؤشر حماقة وجهل، فقد جاء في الحديث عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): "الحياء حياءان: حياء عقلٍ، وحياء حمقٍ، فحياء العقل هو العلم، وحياء الحمق هو الجهل".(المجلسي،بحار الأنوار:ج٥٨،ص٣٣١).
ويعلّق الشيخ المجلسي على هذا الحديث بقوله: يدل على انقسام الحياء إلى قسمين: ممدوح ومذموم، فأمّا الممدوح فهو حياء ناشئ عن العقل، بأن يكون حياؤه وانقباض نفسه عن أمر يحكم العقل الصحيح، أو الشرع بقبحه، كالحياء عن المعاصي أو المكروهات، وأمّا المذموم فهو الحياء الناشئ عن الحمق، بأن يستحي عن أمر يستقبحه أهل العرف من العوامّ، وليست له قباحة واقعية، يحكم بها العقل الصحيح، والشرع الصريح، كالاستحياء عن سؤال المسائل العلمية، أو الإتيان بالعبادات الشرعية، التي يستقبحها الجهال. فحياء العقل هو العلم، أي: موجب لوفور العلم، أو سببه العلم المميّز بين الحسن والقبح، وحياء الحمق سببه الجهل وعدم التمييز المذكور، أو موجب للجهل.
وعن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "الحياء على وجهين: فمنه ضعف، ومنه قوة".( الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص٧١٨).
إن استخدام الحياء في غير موقعه المناسب، حالة مرضية، تنبثق من ضعف شخصية الإنسان، وتؤدي إلى تخلّفه وحرمانه، وهو ما يعنيه الإمام علي(عليه السلام )بقولـه: "قُرن الحياء بالحرمان". (ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة:ج١٨،ص١٣١)، وقولـه : "الحياء يمنع الرزق" .( الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص ٧١٨)، وقولـه : "مَن استحيى من قول الحق فهو الأحمق".( الريشهري،ميزان الحكمة:ج١،ص ٧١٨) ، وقولـه : "ولا يستحيّن أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلّمه".(ابن أبي الحديد،شرح نهج البلاغة:ج١٨،ص٢٣٢).
فالحياء ليس صفة مطلوبة دائماً، بل يسَتحسن في موارده الصحيحة، ويكره حينما يكون على حساب مصالح الإنسان المشروعة.
دمتم في رعاية الله.