ايه الافك
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته هنالك العديد من الروايات لدى الشيعه تقول ان ايه الافك نازله ب عائشه فما صحه هذه الروايات و شكرا جزيلا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اهلا وسهلا بالسائل الكريم نقاش غير واحد من الاعلام في تفسيره هذه الروايات ومنهم السيد الطباطبائي في تفسير الميزان ما لفظة: في الدر المنثور، أخرج عبد الرزاق و أحمد و البخاري و عبد بن حميد و مسلم و ابن جرير و ابن المنذر و ابن أبي حاتم و ابن مردويه و البيهقي في الشعب عن عائشة قالت: كان رسول الله ص إذا أراد أن يخرج إلی سفر- أقرع بين أزواجه- فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله ص معه. قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي- فخرجت مع رسول الله ص بعد ما نزل الحجاب- و أنا أحمل في هودجي و أنزل فيه- فسرنا حتی إذا فرغ رسول الله ص من غزوته تلك و قفل. فدنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل- فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتی جاوزت الجيش- فلما قضيت شأني أقبلت إلی رحلي- فإذا عقد لي من جزع ظفار١ قد انقطع- فالتمست عقدي و حبسني ابتغاؤه- و أقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي- فرحلوه علی بعيري الذي كنت أركب، و هم يحسبون أني فيه، و كانت النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم- إنما تأكل المرأة العلقة٢ من الطعام- فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه- و كنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل فساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش- فجئت منازلهم و ليس بها داع و لا مجيب- فيممت منزلي الذي كنت به- فظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي- فبينا أنا جالسة في منزل غلبتني عيني فنمت. و كان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكراني- من وراء الجيش فأدلج٣ فأصبح عند منزلي- فرأی سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني- و كان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني- فخمرت وجهي بجلبابي- و الله ما كلمني كلمة واحدة و لا سمعت منه كلمة غير استرجاعه- حتی أناخ راحلته فوطئ علی يديها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتی أتينا الجيش- بعد أن نزلوا موغرين في نحر الظهيرة- فهلك في من هلك. و كان الذي تولی الإفك عبد الله بن أبي بن سلول- فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرا- و الناس يفيضون في قول أصحاب الإفك- لا أشعر بشيء من ذلك، و هو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله ص- اللطف الذي كنت أری منه حين اشتكی- إنما يدخل علي فيسلم ثم يقول: كيف تيكم؟ ثم ينصرف فذاك الذي يريبني و لا أشعر بالشر- حتی خرجت بعد ما نقهت و خرجت معي أم مسطح- قبل المناصع٤ و هي متبرزنا و كنا لا نخرج إلا ليلا إلی ليل، و ذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا- و أمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط- فكنا نتأذی بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. فانطلقت أنا و أم مسطح- فأقبلت أنا و أم مسطح قبل بيتي- قد أشرعنا٥ من ثيابنا- فعثرت أم مسطح في مرطها٦ فقالت: تعس مسطح- فقلت لها: بئس ما قلت أ تسبين رجلا شهد بدرا؟ قالت: أي هنتاه٧ أ و لم تسمعي ما قال؟ قلت: و ما قال: فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضا علی مرضي. فلما رجعت إلی بيتي دخل علي رسول الله ص- فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت: أ تأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت: و أنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما- قالت: فأذن لي رسول الله ص فجئت لأبوي- فقلت لأمي: يا أمتاه ما يتحدث الناس؟ قالت يا بنية هوني عليك- فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها- و لها ضرائر إلا أكثرن عليها- فقلت: سبحان الله و لقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتی أصبحت- لا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي. و دعا رسول الله ص علي بن أبي طالب- و أسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله، فأما أسامة فأشار علی رسول الله ص- بالذي يعلم من براءة أهله- و بالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال: يا رسول الله أهلك و لا نعلم إلا خيرا، و أما علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك، و النساء سواها كثيرة و إن تسأل الجارية تصدقك، فدعا رسول الله ص بريرة فقال: أي بريرة هل رأيت شيئا يريبك؟ قالت بريرة: لا و الذي بعثك بالحق- إن رأيت عليها أمرا أغمضه أكثر من أنها جارية حديثة السن- تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله. فقام رسول الله ص فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي- فقال و هو علی المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل- بلغني أذاه في أهل بيتي- فوالله ما علمت علی أهلي إلا خيرا، و لقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا- و ما كان يدخل علی أهلي إلا معي. فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه- إن كان من الأوس ضربت عنقه- و إن كان من إخواننا من بني الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك، فقام سعد بن عبادة و هو سيد الخزرج- و كان قبل ذلك رجلا صالحا و لكن احتملته الحمية فقال لسعد: كذبت لعمر الله ما تقتله و لا تقدر علی قتله، فقام أسيد بن حضير- و هو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة: كذبت لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين، فتثاور الحيان: الأوس و الخزرج- حتی هموا أن يقتتلوا و رسول الله ص قائم علی المنبر- فلم يزل رسول ص يخفضهم حتی سكتوا و سكت. فبكيت يومي ذلك فلا يرقأ لي دمع و لا أكتحل بنوم- فأصبح أبواي عندي و قد بكيت ليلتين و يوما- لا أكتحل بنوم و لا يرقأ لي دمع- و أبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي. فبينما هما جالسان عندي و أنا أبكي- فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي- فبينما نحن علی ذلك دخل علينا رسول الله ص ثم جلس- و لم يجلس عندي منذ قيل في ما قيل قبلها- و قد لبث شهرا لا يوحی إليه في شأني بشيء، فتشهد حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة إنه بلغني عنك كذا و كذا- فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، و إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه- فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه. فلما قضی رسول الله ص مقالته قلص٨ دمعي- حتی ما أحس منه قطرة، فقلت لأبي: أجب عني رسول الله ص. قال: و الله ما أدري ما أقول لرسول الله ص، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله ص، قالت: و الله ما أدري ما أقول لرسول الله ص. فقلت و أنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن: إني و الله لقد علمت أنكم سمعتم هذا الحديث- حتی استقر في أنفسكم و صدقتم به- فلئن قلت لكم: إني بريئة و الله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني، و لئن اعترفت لكم بأمر- و الله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، و الله لا أجد لي و لكم مثلا إلا قول أبي يوسف: فصبر جميل و الله المستعان علی ما تصفون. ثم تحولت فاضطجعت علی فراشي- و أنا حينئذ أعلم أني بريئة و أن الله مبرئي ببراءتي- و لكن و الله ما كنت أظن- أن الله منزل في شأني وحيا يتلی، و لشأني في نفسي كان أحقر- من أن يتكلم الله في بأمر يتلی، و لكن كنت أرجو أن يری رسول الله ص رؤيا- يبرئني الله بها. قالت: فوالله ما رام رسول الله ص مجلسه- و لا خرج أحد من أهل البيت حتی أنزل عليه- فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي- حتی إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق- و هو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل عليه- فلما سری عن رسول الله ص سری عنه و هو يضحك- فكان أول كلمة تكلم بها أن قال: أبشري يا عائشة أما الله فقد برأك، فقالت أمي: قومي إليه، فقلت: و الله لا أقوم إليه و لا أحمد- إلا الله الذي أنزل براءتي، و أنزل الله: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» العشر الآيات كلها. فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر، و كان ينفق علی مسطح بن أثاثة لقرابته منه و فقره: و الله لا أنفق علی مسطح شيئا أبدا- بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: «وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ- أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبی وَ الْمَساكِينَ- إلی قوله- رَحِيمٌ» قال أبو بكر: و الله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلی مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، و قال: و الله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: فكان رسول الله ص يسأل- زينب ابنة جحش عن أمري فقال: يا زينب ما ذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله أحمي سمعي و بصري ما علمت إلا خيرا، قالت: و هي التي كانت تساميني من أزواج النبي ص- فعصمها الله بالورع، و طفقت أختها حمنة تحارب لها- فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك: أقول: و الرواية مروية بطرق أخری عن عائشة أيضا و عن عمر و ابن عباس و أبي هريرة و أبي اليسر الأنصاري و أم رومان أم عائشة و غيرهم و فيها بعض الاختلاف: و فيها إن الذين جاءوا بالإفك- عبد الله بن أبي بن سلول و مسطح بن أثاثة- و كان بدريا من السابقين الأولين من المهاجرين، و حسان بن ثابت، و حمنة أخت زينب زوج النبي ص. و فيها أن النبي ص دعاهم بعد ما نزلت آيات الإفك- فحدهم جميعا غير أنه حد عبد الله بن أبي حدين- و إنما حده حدين- لأنه من قذف زوج النبي ص كان عليه حدان. و في الروايات علی تقاربها في سرد القصة إشكال من وجوه: أحدها: أن المسلم من سياقها أن النبي ص كان في ريب من أمر عائشة بعد تحقق الإفك كما يدل عليه تغير حاله بالنسبة إليها في المعاملة باللطف أيام اشتكائها و بعدها حتی نزلت الآيات، و يدل عليه قولها له حين نزلت الآيات و بشرها به: بحمد الله لا بحمدك، و في بعض الروايات أنها قالت لأبيها و قد أرسله النبي ص ليبشرها بنزول العذر: بحمد الله لا بحمد صاحبك الذي أرسلك، تريد به النبي ص، و في الرواية الأخری عنها: أن النبي ص لما وعظها أن تتوب إلی الله إن كان منها شيء و في الباب امرأة جالسة قالت له عائشة: أ ما تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا، و من المعلوم أن هذا النوع من الخطاب المبني علی الإهانة و الإزراء ما كان يصدر عنها لو لا أنها وجدت النبي في ريب من أمرها. كل ذلك مضافا إلی التصريح به في رواية عمر ففيها: «فكان في قلب النبي ص مما قالوا». و بالجملة دلالة عامة الروايات علی كون النبي ص في ريب من أمرها إلی نزول العذر مما لا ريب فيه، و هذا مما يجل عنه مقامه (ص) كيف؟ و هو سبحانه يقول: «لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَ قالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ» فيوبخ المؤمنين و المؤمنات علی إساءتهم الظن و عدم ردهم ما سمعوه من الإفك فمن لوازم الإيمان حسن الظن بالمؤمنين، و النبي ص أحق من يتصف بذلك و يتحرز من سوء الظن الذي من الإثم و له مقام النبوة و العصمة الإلهية. علی أنه تعالی ينص في كلامه علی اتصافه (ص) بذلك إذ يقول: «وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَ يُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّـهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ»: التوبة: ٦١. علی أنا نقول: إن تسرب الفحشاء إلی أهل النبي ينفر القلوب عنه فمن الواجب أن يطهر الله سبحانه ساحة أزواج الأنبياء عن لوث الزنا و الفحشاء و إلا لغت الدعوة و تثبت بهذه الحجة العقلية عفتهن واقعا لا ظاهرا فحسب، و النبي ص أعرف بهذه الحجة منا فكيف جاز له أن يرتاب في أمر أهله برمي من رام أو شيوع من إفك. و ثانيها: أن الذي تدل عليه الروايات أن حديث الإفك كان جاريا بين الناس منذ بدأ به أصحاب الإفك إلی أن ختم بحدهم أكثر من شهر و قد كان حكم القذف مع عدم قيام الشهادة معلوما و هو جلد القاذف و تبرئة المقذوف شرعا فما معنی توقف النبي ص عن حد أصحاب الإفك هذه المدة الطويلة و انتظاره الوحي في أمرها حتی يشيع بين الناس و تتلقاه الألسن و تسير به الركبان و يتسع الخرق علی الراتق؟ و ما أتی به الوحي من العذر لا يزيد علی ما تعينه آية القذف من براءة المقذوف حكما شرعيا ظاهريا. فإن قيل: الذي نزل من العذر براءتها واقعا و طهارة ذيلها في نفس الأمر و هذا أمر لا تكفي له آية حد القاذف، و لعل صبره (ص) هذه المدة الطويلة إنما كان لأجله. قلت: لا دلالة في شيء من هذه الآيات الست عشرة علی ذلك، و إنما تثبت بالحجة العقلية السابقة الدالة علی طهارة بيوت الأنبياء من لوثة الفحشاء. أما الآيات العشر الأول التي فيها شائبة الاختصاص فأظهرها في الدلالة علی براءتها قوله تعالی: «لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّـهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» و قد استدل فيها علی كذبهم بعدم إتيانهم بالشهداء، و من الواضح أن عدم إقامة الشهادة إنما هو دليل البراءة الظاهرية أعني الحكم الشرعي بالبراءة دون البراءة الواقعية لوضوح عدم الملازمة. و أما الآيات الست الأخيرة فقوله: «الطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَ الطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ إلخ عام من غير مخصص من جهة اللفظ فالذي تثبته من البراءة مشترك فيه بين جميع المقذوفين من غير قيام بينة من المؤمنين و المؤمنات، و من الواضح أن البراءة المناسبة لهذا المعنی هي البراءة الشرعية. و الحق أن لا مناص عن هذا الإشكال إلا بالقول بأن آية القذف لم تكن نازلة قبل حديث الإفك و إنما نزلت بعده، و إنما كان سبب توقفه (ص) خلو الواقعة عن حكم الله بعد فكان ينتظر في أمر الإفك الحكم السماوي. و من أوضح الدليل عليه ما في الرواية من استعذار النبي ص من القاذف في المسجد و قول سعد بن معاذ ما قال و مجادلة سعد بن عبادة إياه و اختلاف الأوس و الخزرج بمحضر من النبي ص و في رواية عمر بعد ما ذكر اختلاف ابن معاذ و ابن عبادة: فقال هذا: يا للأوس و قال هذا: يا للخزرج فاضطربوا بالنعال و الحجارة فتلاطموا، الحديث فلو كانت آية القذف نازلة قبل ذلك و حكم الحد معلوما لم يجب سعد بن معاذ النبي ص بأنه يعذره منه بالقتل و لقال هو و سائر الناس: يا رسول الله حكم القذف معلوم و يدك مبسوطة. و ثالثها: أنها تصرح بكون أصحاب الإفك هم عبد الله بن أبي و مسطحا و حسانا و حمنة ثم تذكر أنه (ص) حد عبد الله بن أبي حدين و كلا من مسطح و حسان و حمنة حدا واحدا، ثم تعلل حدي عبد الله بن أبي بأن من قذف أزواج النبي ص فعليه حدان، و هذا تناقض صريح فإنهم جميعا كانوا قاذفين بلا فرق بينهم. نعم تذكر الروايات أن عبد الله بن أبي كان هو الذي تولی كبره منهم لكن لم يقل أحد من الأمة إن هذا الوصف يوجب حدين. و لا أن المراد بالعذاب العظيم في قوله: «الَّذِي تَوَلَّی كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ» هو ثبوت حدين. و في تفسير القمي،": في قوله تعالی: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ» الآية فإن العامة روت أنها نزلت في عائشة- و ما رميت به في غزوة بني المصطلق من خزاعة و أما الخاصة فإنهم رووا- أنها نزلت في مارية القبطية و ما رمتها به عائشة. حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا محمد بن عيسی عن الحسن بن علي بن فضال قال: حدثني عبد الله بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: لما هلك إبراهيم بن رسول الله ص حزن عليه حزنا شديدا- فقالت عائشة: ما الذي يحزنك عليه؟ ما هو إلا ابن جريح، فبعث رسول الله ص عليا (ع) و أمره بقتله. فذهب علي (ع) و معه السيف- و كان جريح القبطي في حائط- فضرب علي (ع) باب البستان- فأقبل جريح له ليفتح الباب- فلما رأی عليا (ع) عرف في وجهه الغضب فأدبر راجعا و لم يفتح باب البستان- فوثب علي (ع) علی الحائط و نزل إلی البستان و اتبعه- و ولی جريح مدبرا- فلما خشي أن يرهقه٩ صعد في نخلة- و صعد علي (ع) في أثره فلما دنا منه- رمی بنفسه من فوق النخلة فبدت عورته- فإذا ليس له ما للرجال و لا له ما للنساء. فانصرف علي (ع) إلی النبي ص فقال له: يا رسول الله إذا بعثتني في الأمر أكون كالمسمار المحمي في الوبر أم أثبت؟ قال: لا بل تثبت. قال: و الذي بعثك بالحق- ما له ما للرجال و ما له ما للنساء، فقال: الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت. و فيه، في رواية عبيد الله بن موسی عن أحمد بن راشد عن مروان بن مسلم عن عبد الله بن بكير قال: قلت لأبي عبد الله (ع): جعلت فداك كان رسول الله ص أمر بقتل القبطي- و قد علم أنها كذبت عليه أو لم يعلم؟ و قد دفع الله عن القبطي القتل بتثبيت علي (ع)- فقال: بل كان و الله علم، و لو كان عزيمة من رسول الله ص- ما انصرف علي (ع) حتی يقتله، و لكن إنما فعل رسول الله ص لترجع عن ذنبها- فما رجعت و لا اشتد عليها قتل رجل مسلم. أقول: و هناك روايات أخر تدل علی مشاركة غيرها معها في هذا الرمي، و جريح هذا كان خادما خصيا لمارية أهداه معها مقوقس عظيم مصر لرسول (ص) و أرسله معها ليخدمها. و هذه الروايات لا تخلو من نظر: أما أولا: فلأن ما فيها من القصة لا يقبل الانطباق علی الآيات و لا سيما قوله: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ» الآية و قوله: «لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَ الْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً» الآية، و قوله: «تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ» الآية، فمحصل الآيات أنه كان هناك جماعة مرتبط بعضهم ببعض يذيعون الحديث ليفضحوا النبي ص، و كان الناس يتداولونه لسانا عن لسان حتی شاع بينهم و مكثوا علی ذلك زمانا و هم لا يراعون حرمة النبي ص و كرامته من الله، و أين مضمون هذه الروايات من ذلك. اللهم إلا أن تكون الروايات قاصرة في شرحها للقصة. و أما ثانيا: فقد كان مقتضی القصة و ظهور براءتها إجراء الحد و لم يجر، و لا مناص عن هذا الإشكال إلا بالقول بنزول آية القذف بعد قصة الإفك بزمان. و الذي ينبغي أن يقال بالنظر إلی إشكال الحد الوارد علی الصنفين من الروايات جميعا- كما عرفت- أن آيات الإفك نزلت قبل آية حد القذف، و لم يشرع بنزول آيات الإفك إلا براءة المقذوف مع عدم قيام الشهادة و تحريم القذف. و لو كان حد القاذف مشروعا قبل حديث الإفك لم يكن هناك مجوز لتأخيره مدة معتدا بها و انتظار الوحي و لا نجا منه قاذف منهم، و لو كان مشروعا مع نزول آيات الإفك لأشير فيها إليه، و لا أقل باتصال الآيات بآية القذف، و العارف بأساليب الكلام لا يرتاب في أن قوله: «إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ» الآيات منقطعة عما قبلها. و لو كان علی من قذف أزواج النبي ص حدان لأشير إلی ذلك في خلال آيات الإفك بما فيها من التشديد و اللعن و التهديد بالعذاب علی القاذفين. و يتأكد الإشكال علی تقدير نزول آية القذف مع نزول آيات الإفك فإن لازمه أن يقع الابتلاء بحكم الحدين فينزل حكم الحد الواحد. …… راجع تفسير الميزان