السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا وسهلا بالسائل الكريم
لهذا الحديث الشريف أسانيد وطرق مختلفة, نذكر ما تيسر لنا منها:
أولاً: روى الخطيب البغدادي (ت463هـ) في (تاريخ بغداد) بسند حسن، قال: ((أخبرنا الحسن بن أبي طالب، حدّثنا محمد بن إسحاق بن محمّد القطيعي، حدّثني أبو محمّد العلوي الحسن بن محمّد بن يحيى - صاحب كتاب (النسب) - حدّثنا إسحاق بن إبراهيم الصنعاني، حدّثنا عبد الرزاق بن همام، أخبرنا سفيان الثوري، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر فمن امترى فقد كفر) )).
إلاّ أنّ الخطيب قال بعده: ((هذا حديث منكر لا أعلم رواه سوى العلوي - يعني الحسن بن محمّد بن يحيى صاحب كتاب النسب - بهذا الإسناد، وليس بثابت))(1)، انتهى.
ويقال للخطيب: قولك: ((حديث منكر, وليس بثابت)) مردود عليك! إذ ليس المراد من الحديث بأنّ عليّاً (عليه السلام) خير البشر حتّى النبيّ (صلى الله عليه وآله)، بل المراد: أنّه خيرهم بعده، لأنّ المخبر عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) نفسه فيخرج, ومثل ذلك كيف يكون منكراً أو أنّه غير ثابت؟!
أو تنكر أيّها الخطيب أنّ المولى سبحانه وتعالى ساوى أمير المؤمنين (عليه السلام) بالنفس القدسية للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بنص آية المباهلة؟!!
أو تنكر الأحاديث الصحيحة الواردة عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) بحقّ عليّ (عليه السلام) بأنّه كنفسه (صلى الله عليه وآله)(2)؟!!
أو تنكر ما نزل في عليّ (عليه السلام) من القرآن، وقد رويتم بطرقكم عن ابن عبّاس أنّه قال: ((نزلت في عليّ (عليه السلام) ثلاثمائة آية))(3)، وقال: ((ما نزل في أحد من كتاب الله تعالى ما نزل في عليّ))(4)؟!
أو تنكر الأحاديث المتواترة في فضله وشأنه (عليه السلام) الواردة بطرق الفريقين والتي يستفاد منها فضله على جميع أُمّته (صلى الله عليه وآله)، مثل أحاديث (الغدير, والمنزلة, والثقلين، والطير, وإرسال سورة البراءة معه..)؟! وغيرها ممّا ملئت بها كتب الفريقين.
وأمّا قولك: ((لا أعلم رواه سوى العلوي بهذا الإسناد))، فعجيب!!
فإن كنت تريد أنّه لم يروه عن جابر موصولاً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير هذا العلوي بهذا السند، فهو غير صحيح!
فقد رواه الفقيه أبو محمّد جعفر بن أحمد الإيلاقي بطريقين، عن الأعمش، عن عاصم، عن جابر، قال: ((حدّثنا أبو محمّد الهروي جعفر بن أحمد بن محمّد التلعكبري(رحمه الله)، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثني محمّد بن عبيد بن عتبة الكندي، قال: حدّثني عبد الرحمن بن سويد، عن أبيه، عن الأعمش، عن عاصم بن عمرو، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر، من شكّ فيه فقد كفر) ))(5).
وقال: ((حدّثنا علي بن محمّد بن علي بن الحسن بن بكير البسطامي، قال: حدّثني محمّد بن يعقوب بن إسحاق، قال: حدّثني أحمد بن مخلّد، قال: حدّثني أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد الخوارزمي، عن أبي حفص الأعشى، عن الأعمش، عن عاصم بن عمرو، عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر، من شكّ فيه فقد كفر) ))(6).
ورواه ابن الجوزي بطريق آخر عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وإن اتّهم به أحمد بن نصر الذارع، قال: ((نبأنا إبراهيم بن دينار الفقيه، قال: أنبأنا أبو علي محمّد بن سعيد بن نبهان، قال: أنبأنا أبو علي الحسن بن الحسين بن دوما، قال: أنبأنا أحمد بن نصر الذارع، قال: حدّثنا صدقة بن موسى، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا يحيى بن يعلى، قال: حدّثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلم): (عليّ خير البشر، فمن أبى فقد أبى(7) كفر) ))(8).
وإن كنت تريد أنّه جاء بطرق متكثّرة عن عطية العوفي عن جابر، وعن سالم بن أبي الجعد وعبد الرحمن بن أبي ليلى وأبي الزبير، عن جابر موقوفاً، كما في: (فضائل الصحابة)(9)، و(المصنّف)(10)، و(فوائد الصوّاف)(11)، و(الثقات)(12)، و(الكامل)(13)، و(تاريخ مدينة دمشق)(14)، و(أنساب الأشراف)(15)، و(نوادر الأثر)(16)، فصحيح!
لكنّه جاء مرفوعاً موصولاً في عدّة طرق عنه، كما قد عرفت، فروايته موقوفاً لا ينافي إسناده لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، بل يثبت انّ جابر بن عبد الله سمعه من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأخذ يؤكّده ويكرّره في كلّ مناسبة؛ والشاهد عليه ما رواه ابن عساكر في تاريخه بطريقه عن أحمد بن سعيد بن عقدة: ((نا محمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، نا إبراهيم بن أنس الأنصاري، نا إبراهيم بن جعفر بن عبد الله بن محمد بن مسلمة، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، قال: كنّا عند النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم): (قد أتاكم أخي)، ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: (والذي نفسي بيده، إنّ هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة)، ثمّ قال: (إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعية، وأقسمكم بالسوية، وأعظمكم عند الله مزيّة)، قال: ونزلت: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )) (البينة:7)، قال: فكان أصحاب محمّد(صلّى الله عليه وسلّم) إذا أقبل عليّ قالوا: قد جاء خير البرية))(17). ورواه الحاكم الحسكاني بسند آخر إلى أبي الزبير في شواهده(18).
وإن كنت تريد انّه لم يروه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير جابر، فهو باطل قطعاً! إن لم يكن كذباً! وسنورد طرق الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام)، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن مسعود، وعائشة، وأبي سعيد الخدري، وبريدة، وسلمان الفارسي.
ولكن الأعجب من ذلك أنّك رويت بإسنادك عن عبد الله، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خير رجالكم عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ... المزید)(19) الحديث!! وأيضاً بإسناد آخر عن عبد الله، عن عليّ (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من لم يقل عليّ خير الناس فقد كفر)(20)، ورجال هذا الإسناد كلّهم ثقات وعدول, سوى محمّد بن كثير الكوفي قد تكلّم فيه، إلاّ أنّ ابن معين - وهو إمام الجرح والتعديل - وثّقه، وقال: ليس به بأس(21).
ثانياً: روى ابن عساكر (ت571هـ) في (تاريخ مدينة دمشق) عن طريق خيثمة بن سليمان الأطرابلسي، بسند صحيح، قال: ((أخبرنا أبو محمّد بن الأكفاني بقراءتي عليه، أنا علي بن الحسين بن أحمد بن صصرى، أنا تمّام بن محمّد، أنا خيثمة بن سليمان، نا أبو إسحاق إبراهيم بن سليمان بن حرارة النهمي، نا الحسن بن سعيد النخعي ابن عمّ شريك، نا شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) )).
ال ابن عساكر: ((كذا قال الحسن بن سعيد (أحد رجال السند) وإنّما هو الحرّ.
أخبرناه أبو القاسم الواسطي، أنا أبو بكر الخطيب، أنا الحسن بن محمّد بن الحسن الخلال، نا أحمد بن محمّد بن عمران، نا أبو الحسن علي بن الحسن بن شقير الهمداني بالكوفة، نا أبو العبّاس أحمد بن العبّاس المقرئ مولى بني هاشم، قال: قلت للحرّ بن سعيد النخعي: حدّثكم شريك بن عبد الله، عن أبي إسحاق السبيعي، عن شقيق بن سلمة، عن حذيفة بن اليمان، قال: سمعت النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) يقول: (عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر)؟ قال: نعم، حدّثنا شريك بن عبد الله.
قال الخطيب: لم يرو هذا الحديث عن شريك غير الحرّ بن سعيد، وهذا حديث تفرّد برفعه الحرّ، والمحفوظ عن شريك قوله))(22).
وقال ابن عدي في (الكامل): ((وقول شريك: رواه رجل من أهل الكوفة يقال له: الحرّ بن سعيد النخعي، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) قال: (عليّ خير البشر، فمن أبى فقد كفر).
قال ابن عدي: وهذا قد رواه عن الحرّ غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي، وقال: حدّثنا الحرّ بن سعيد النخعي، وكان من خيار الناس. وروي عن شريك أيضاً، عن الأعمش، عن عطية، قلنا لجابر: ما كنتم تعدّون عليّاً فيكم؟ قال: ذلك من خير البشر))(23).
وبشهادة أحمد بن يحيى الصوفي بأنّ الحرّ بن سعيد (كان من خيار الناس)، سقط ما قاله الذهبي فيه: ((وهذا الرجل لم أظفر لهم فيه كلام))(24)، وما قاله ابن حجر من أنّه في عداد المجهولين(25).
ورواه عن الحرّ أيضاً عبد الله بن محمّد الهاشمي، كما في نقل السبكي عن الحاكم: ((قال: حدّثنا السيّد أبو الحسن محمّد بن يحيى العلوي، حدّثنا الحسن بن محمّد بن عثمان الشيباني، حدّثنا عبد الله بن محمّد أبو عبد الله الهاشمي، قال: قلت للحرّ بن سعيد النخعي: أحدثك شريك؟ قال: حدّثني شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، فذكره.
- قال السبكي -: وهو ممّا ينكر على الحاكم إخراجه))(26).
ولا نعلم لماذا ينكر على الحاكم إخراجه بعد ما ذكرنا من طرقه وما سيأتي منها؟! وهل كلّ ما لا تهواه أنفسهم يكون منكراً!
وكذا رواه عن الحرّ، محمّد بن عبيد بن عتبة بن محمّد الهاشمي، أخرجه الإيلاقي في (نوادر الأثر)، قال: ((حدّثنا محمّد بن الحسين البروفري، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثني محمّد بن عبيد بن عتبة بن محمّد الهاشمي، عن الحسين بن سعيد النخعي أبي سعيد، وكان من خير الناس [وهو الحرّ بن سعيد]، عن شريك...))(27) الحديث.
وللحرّ متابعين عدّة عن شريك، فقد روى محمّد بن سليمان الكوفي، قال: ((قال أبو أحمد: أخبرنا عبد الله بن مسلم الكوفي، عن علي بن ثابت الدهان، قال: حدّثنا شريك بن عبد الله النخعي، عن منصور، عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر، ومن أبى فقد كفر))(28)، ولكنّه أبدل أبو إسحاق بـ(منصور).
وروى أحد قدماء المحدّثين عن ابن مردويه، قال: ((أنا أبو بكر أحمد بن كابل بن خلف، أنا عبد بن كثير العامري، أنا محمّد بن علي الصيرفي، أنا إبراهيم بن إسماعيل اليشكري، عن شريك، عن أعمش، نا عن أبي وابل، عن حذيفة، قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) ))(29).
ورواه عن اليشكري ايضاً، محمّد بن جرير الطبري الشيعي في (المسترشد)(30).
وأورده عن ابن مردوية أيضاً، السيّد ابن طاوس في (الطرائف)، قال: ((ومن ذلك ما رواه ابن مردويه الفقيه عندهم في كتابه، قال: حدّثنا أبو بكر أحمد بن كامل وأحمد بن محمد بن عمرو بن سعيد الأخمس، قال: حدّثنا عبيد بن كثير العامري...))(31) الحديث.
وروى الشيخ جعفر بن أحمد الإيلاقي في (نوادر الأثر)، قال: ((حدّثنا محمّد بن الحافظ، قال: حدّثني محمّد بن جرير الطبري، عن محمّد بن إسماعيل، عن علي بن النضر، عن إسحاق بن إبراهيم القطان، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان...)) الحديث.
وقال: ((حديث محمّد بن إسماعيل، عن محمّد بن علي، عن إبراهيم اليشكري، عن شريك، عن الأعمش...)) الحديث.
وروى عن الأعمش من طريق شريك، قال: ((حدّثنا شعيب بن علي بن شعيب الهمداني، قال: حدّثني عبد الله بن إسماعيل القرشي، عن محمّد بن يوسف بن سويد، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر) )).
ورواه أيضاً بطريقه إلى علي بن النضر، قال: ((علي بن النضر، عن علي بن موسى أخي عبيد الله ابن موسى، عن عمّه عبيد الله، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) مثله، وليس فيه: (من أبى فقد كفر) )).
وقال أيضاً: ((حدّثنا محمّد بن همام، حدّثني محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثني عيسى بن عبد الرحمن، عن الحسين [الحسن] بن الحسين العرني، عن إبراهيم، عن يوسف بن أبي إسحاق، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله) مثله)).
وقال: ((حدّثنا محمّد بن علي بن الحسين، قال: حدّثني محمّد بن عمر البغدادي، قال: حدّثني ابن عثمان وعبد الله بن محمّد الطلحي، قالا: حدّثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي وائل، عن حذيفة، قال: قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر) )).
وقال: ((حدّثنا أحمد بن محمّد بن عبّاس، قال محمّد بن عمر، قال: حدّثني إبراهيم بن إسماعيل اليشكري... الحديث)).
وقال: ((حدّثنا محمّد بن همام، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن سعيد، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن إبراهيم بن حكيم ابن ظهير، عن شريك، عن أبي إسحاق، عن رجل، عن مسلم بن يزيد، عن حذيفة، قال: قال النبيّ(صلّى الله عليه وآله): (عليّ خير البشر) ))(32).
وروى الصدوق في أماليه، قال: ((حدّثنا محمّد بن أحمد الصيرفي وكان من أصحاب الحديث، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن العبّاس بن بسام مولى بني هاشم، قال: حدّثنا أبو الخير، قال: وحدّثنا محمّد بن يونس البصري، قال: حدّثنا عبد الله بن يونس وأبو الخير، قالا: حدّثنا أحمد بن موسى، قال: حدّثنا أبو بكير النخعي، عن شريك، عن أبي إسحاق... الحديث))(33).
وكان حذيفة بن اليمان مثل أخيه جابر بن عبد الله يجيب عندما يسألوه عن عليّ (عليه السلام) بأنّه (خير البشر)، فقد روى الصدوق في أماليه أيضاً: ((حدّثنا يعقوب بن يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا عبد الرحمن الخيطي، قال: حدّثنا أحمد بن يحيى الأودي، قال: حدّثنا حسن بن حسين العرني، قال: حدّثنا إبراهيم بن يوسف، عن شريك، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، أنّه سئل عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر، ولا يشكّ فيه إلاّ منافق))(34). ورواه الإيلاقي في (نوادر الأثر)، قال: ((حدّثنا محمّد بن أحمد الغطريفي، قال: حدّثنا السجستاني، عن أبي كريب محمّد بن العلاء، عن بشر بن مهران، عن شريك، عن الأعمش، عن منصور، عن ربعي، قال: سئل حذيفة بن اليمان عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير الأمّة بعد نبيّها، لا يشكّ فيه إلاّ منافق))(35).
وبما سردنا من طرق الحديث يتبيّن خطأ قول الخطيب: ((لم يرو هذا الحديث عن شريك غير الحرّ))! وخطأ قول ابن عساكر: ((تفرّد برفعه الحرّ، والمحفوظ عن شريك قوله))! فقد تابع الحرّ عن شريك: علي بن ثابت الدهان في طريق محمّد بن سليمان الكوفي في مناقبه، وإبراهيم بن إسماعيل اليشكري في طريق ابن مردويه، وإسحاق بن إبراهيم القطّان، وعبيد الله عمّ علي بن موسى، ويوسف بن أبي إسحاق، وابن عثمان، وعبد الله بن محمّد الطلحي، وإبراهيم بن الحكيم بن ظهير، في طرق الإيلاقي في (نوادر الأثر). ثمّ إنّه لم يقتصر طريق الحديث على شريك حتّى يتوهم أنّه من قوله! فقد روي من كريق ليس فيه شريك رواه يوسف بن محمّد بن سويد، عن الأعمش في طريق الإيلاقي في (نوادر الأثر) أيضاً.
وقد ورد من عدّة طرق رواية شريك لقول جابر بن عبد الله الانصاري، منها:
ما أورده الإيلاقي في نوادره، قال: ((حدّثنا علي بن محمّد بن علي القمّي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثني محمّد بن الحسن الكندي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية، عن جابر بن عبد الله، أنّه سئل عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر)).
وقال أيضاً: ((حدّثنا محمّد بن عبد الله الكوفي، قال: حدّثني محمّد بن جرير، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن الحماني، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية العوفي، عن جابر، قال: ذاك خير البشر - يعني عليّاً(عليه السلام) -)).
وقال: ((حدّثنا أحمد بن محمّد بن الحسن بن إبراهيم، قال: حدّثني محمّد بن مسلم، قال: حدّثني الحسين بن علي السلولي، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية، عن جابر، أنّه قال: هو - يعني عليّاً - خير الناس، وما يشكّ فيه إلاّ كافر)).
وقال: ((حدّثنا محمّد بن جعفر الوكيل، قال: حدّثني محمّد بن عمر، قال: حدّثني سعيد بن أحمد، عن علي بن الحسين بن مسافر، عن محمّد بن طفيل، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية، عن جابر، قال: سألته عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر)).
وقال: ((حدّثنا محمّد بن بهلول، قال: حدّثني محمّد بن القاسم بن زكريا، قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن عبد الواحد، عن محمّد بن أبي ذرّ، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية، قال: سئل جابر عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر، وما يشكّ فيه إلاّ منافق)).
وقال: ((حدّثنا علي بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثني محمّد بن محمّد الحافظ، قال: حدّثني أحمد بن الحسن بن إسحاق، عن سويد، عن شريك، عن الأعمش، عن عطية، عن جابر، قال: سئل جابر عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر، لا يبغضه إلاّ كافر)).
وقال: ((حدّثنا محمّد بن عبد الله الحافظ، قال: حدّثني محمّد بن جرير الطبري، قال: حدّثني محمّد بن إسماعيل، عن منصور بن أبي ثويرة، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر بن عبد الله، أنّه سئل عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذاك خير البشر، لا يشكّ فيه إلاّ منافق أو كافر)).
وقال: ((حدّثنا الشريف أبو محمّد الحسن بن حمزة العلوي، قال: حدّثني أحمد بن محمّد بن سعيد، عن محمّد بن الحسن القطواني الكندي، عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن جابر، أنّه سئل عن عليّ (عليه السلام)؟ فقال: ذلك خير البشر))(36).
فكيف يقال بعد كلّ هذا أنّ الحديث من قول شريك؟!!
ثالثاً: روى ابن الجوزي (ت597هـ) في (الموضوعات) الحديث من طريق ابن مسعود، قال: ((أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، قال: حدّثني محمد بن علي بن عبدك الشعبي أبو أحمد الجرجاني، واسم عبدك عبد الكريم، وكان إمام أهل التشيّع في زمانه، قال: حدّثنا علي بن موسى الفقيه القمّي، قال: حدّثنا محمد بن شجاع الثلجي، قال: حدّثنا حفص بن عمر الكوفي، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: قال الأعمش: تريد أن أحدّثك بحديث لا غبار عليه؟
قلت: نعم.
قال: حدّثني أبو وائل، عن عبد الله، قال: حدّثني رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، عن جبريل أنّه قال لي: (يا محمّد! عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) )).
ولكن ابن الجوزي ضعّفه بحفص بن عمر، ومحمّد بن شجاع، واتّهم أبو أحمد الجرجاني بوضعه(37). ورواه عن حفص الكوفي الطبري شيعي في (المسترشد)(38).
ولكن للحديث طريق أُخرى!
فقد رواه ابن شاذان القمّي في (المائة منقبة) من طريق ليس فيه الجرجاني والثلجي، قال: ((حدّثنا أبو عبد الله أحمد بن محمّد بن الحسن بن أيوب الحافظ(رحمه الله)، قال: حدّثني أبو علي أحمد بن محمّد بن جعفر الصولي، قال: حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدثني حفص بن عمر، قال: حدّثني أبو معاوية، قال: قال لي الأعمش: يا أبا معاوية ألا أحدّثك حديثاً لا تختار عليه؟
قلت: بلى فديتك.
قال: حدّثني أبو وائل، ولم يسمعه أحد غيري، عن عبد الله، قال: حدّثني رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (قال لي جبرئيل (عليه السلام): يا محمّد! عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) ))(38)؛ وعنه الكراجكي في (التفضيل)(39).
فتخلّص الجرجاني عن تهمة الوضع!
وهناك حديث رواه الخطيب في تاريخه ظاهر سنده أنّه عن ابن مسعود، قاله المتّقي الهندي - أوردناه آنفاً في اجوابنا على ما قاله الخطيب البغدادي، قال: ((أخبرنا علي بن أبي علي، حدّثنا محمّد بن المظفّر الحافظ، حدّثنا أبو بكر أحمد بن محمّد بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري المقرئ، حدّثنا محمّد بن حمدويه النيسابوري، حدّثنا خشنام بن زنجويه، وهو يختلف معنا، قال: حدّثنا نعيم بن عمرو، عن إبراهيم بن طهمان، عن حمّاد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (خير رجالكم عليّ بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخير نساؤكم فاطمة بنت محمّد(صلّى الله عليهما) ))(40)؛ واختصاص علقمة بابن مسعود معروف!
رابعاً: روى ابن عساكر بسند حسن في تاريخه، قال: ((أخبرنا أبو القاسم إسماعيل بن محمّد وأبو بكر محمّد بن شجاع، قالا: أنا أبو محمّد التميمي، أنا أبو الحسين بن بشران، أنا إسماعيل الصفّار، نا محمّد بن عبيد بن عتبة، أنا عبد الرحمن بن شريك، حدّثني أبي، عن الأعمش، عن عطاء، قال: سألت عائشة عن عليّ(رضي الله عنهما)؟ فقالت: ذاك خير البشر، لا يشكّ فيه إلاّ كافر))(41).
ورواه الصدوق(رحمه الله) في أماليه(42)، ورواه من طريق آخر إلى عبد الرحمن بن شريك، العلاّمة الحسين بن أحمد بن خالويه النحوي (ت370هـ) في (إعراب ثلاثين سورة)(43)؛ وهو موقوف على عائشة.
ولكن روى ابن الأعرابي (ت340هـ) في معجمه، قال: ((نا أحمد، نا سهل بن عامر البجلي، نا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، قال: قالت عائشة: يا مسروق! إنّك من ولدي، وإنّك من أحبّهم إليَّ، فهل عندك علم من المخدج؟
قال: قلت: نعم، قتله عليّ بن أبي طالب على نهر يقال لأسفله: تامر، ولأعلاه: نهروان بين أخافيق وطرفا.
قالت: أبغني على ذلك بيّنة؟
فأتيتها بسبعين رجلاً من كلّ سبع (أو) عشرة، وكان الناس إذ ذاك أشياعاً [أسباعاً]، يشهدون أنّ عليّاً قتله على نهر أعلاه نهروان وأسفله تامر بين أخافيق وطرفا.
قالت: لعن الله فلاناً أخبرني أنّه قتله على نيل مصر.
قال: قالت: يا أمه! فأسألك بالله وبحقّ رسول الله [وبحقّي]، فاني من ولدك: أي شيء سمعت من رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) يقول فيهم؟
قالت: سمعت رسول(صلّى الله عليه وسلّم) يقول: (هم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم عند الله ورسوله يوم القيامة) ))(44).
وهذا الحديث وإن ضعّفوه بسهل بن عامر البجلي، إلاّ أنّ ابن حبّان ذكره في (الثقات)، وقال فيه ابن عدي: أرجو أن لا يستحق الترك(45).
ورواه بالسند ابن المغازلي (ت483هـ) في مناقبه، وفيه: (وأقربهم عند الله وسيلة)(46)، وعزا ابن حجر تخريجه إلى الطبراني(47)، والسيوطي إلى ابن جرير الطبري في (تهذيب الآثار)(48)، وابن أبي الحديد إلى أحمد بن حنبل في مسنده(49)، ورواه بالسند محمّد بن سليمان الكوفي في مناقبه(50).
ولسهل بن عامر متابع هو أبو غسان، فقد روى الطبري الشيعي في (المسترشد)، قال: ((وروى المسعودي، قال: حدّثنا أبو غسان وسهل بن عامر، قالا: حدّثنا أبو خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، قالت: ذكر النبيّ(صلّى الله عليه وآله) الخوارج، فقال: (أما إنّهم شرّ الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم وسيلة من الله يوم القيامة) ))(51).
وروى الطبري الشيعي أيضاً عن الرازي، قال: ((قال: حدّثنا صالح بن عقبة، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال: دخلت على عائشة، فقلت لها: على م قاتلت عليّاً (عليه السلام)؟
فقالت لي: والله لقد قاتلت خير الناس.
فقلت لها: أو علمت أنّه خير الناس؟!
فقالت: سمعت رسول الله خليلي، يقول: (عليّ خير البشر، من أبى فقد كفر) ))(52).
وروى ابن شاذان القمّي (ق5هـ) في (مائة منقبة)، قال: ((حدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمّد بن إسحاق بن سليمان بن حنانة البزّاز بمدينة السلام، قال: حدّثني البغوي عبد الله بن محمّد، عن الحسن بن عرفة، قال: حدّثنا زجر بن هارون، قال: حدّثنا جميل بن الطويل، عن أنس، عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله(صلّى الله عليه وآله) يقول: (عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) خير البشر، من أبى فقد كفر).
فقيل لها: ولم حاربتيه؟
فقالت: والله ما حاربته من ذات نفسي، وما حملني على ذلك إلاّ طلحة والزبير))(53)؛ ورواه عنه الكراجكي في (التفضيل)، وفيه: ((يزيد بن هارون، قال: حدّثنا حميد الطويل...الخ))(54).
وروى ابن أبي عاصم (ت287هـ) في (السُنّة)، قال: ((ثنا محمّد بن المثنى، حدّثنا عبد الله بن قيس الرقاشي الخزان، ثنا غسان بن برز بن الطهوي، عن أبي سعيد الرقاشي، قال: دخلت على عائشة، فقالت: ما بال أبي الحسن يقتل أصحابه القرّاء؟
قال: قلت: يا أُمّ المؤمنين! إنا وجدنا في القتلى ذا الثدية.
قال: فشهقت أو تنفست، ثمّ قالت: كاتم الشهادة مع شاهد الزور، سمعت رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) يقول: (يقتل هذه العصابة خير أُمّتي) ))(55)؛ ورواه بالسند الطبراني في (الأوسط)(56).
ونقل ابن أبي الحديد عن كتاب (صفّين) للمدائني عن مسروق أنّ عائشة قالت له لمّا عرفت أنّ عليّاً (عليه السلام) قتل ذا الثدية: لعن الله عمرو بن العاص! فإنّه كتب إليَّ يخبرني أنّه قتله بالإسكندرية، ألا أنّه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله(صلّي الله عليه وآله) يقول: (يقتله خير أُمّتي من بعدي)(57).
ونقل الإربلي (ت693هـ) من مناقب الحافظ ابن مردويه عن ابن أبي اليسر الأنصاري، عن أبيه، قال: دخلت على أُمّ المؤمنين عائشة، قال: فقالت: من قتل الخارجية؟
قال: قلت: قتلهم عليّ.
قالت: ما يمنعني الذي في نفسي على عليّ أن أقول الحقّ: سمعت رسول الله يقول: (يقتلهم خير أُمّتي من بعدي)(58).
وممّا مضى يعلم أنّ عائشة كصاحبيها جابر بن عبد الله وحذيفة بن اليمان كانت تخبر بأنّ عليّاً (عليه السلام) خير البشر عن أصل سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولكنّها لم تكن تخبر به إلاّ محرجة، بخلافهما.
خامساً: قال ابن حبّان (ت354هـ) في ترجمة أحمد بن سمرة أبو سمرة: ((روى عن شريك بن عبد الله، عن الأعمش، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (عليّ خير البرية)، حدّثناه محمّد بن يعقوب الخطيب بالأهواز، ثنا معمر بن سهل الأهوازي، ثنا أبو سمرة أحمد بن سمرة [سالم]، ثنا شريك))(59).
وروى ابن عدي (ت365هـ): ((عن الحسن بن علي الأهوازي، عن معمر بن سهل... الحديث.
ثمّ قال: وهذا قد رواه غير أبي سمرة عن شريك، وروي عن غير شريك أيضاً: عن الأعمش، عن عطية، عن جابر بن عبد الله: ((كنّا نعد عليّاً من خيارنا))، ولا يسنده هكذا إلاّ أبو سلمة سمرة))(60)؛ وعنه ابن عساكر في تاريخه(61)، والحسكاني في (شواهد التنزيل)(62)، والخوارزمي في مناقبه(63).
وقد ضعّفوا الحديث بأحمد بن سالم أبو سمرة، وادّعى ابن عدي أن غير أبي سمرة رواه من قول شريك، ولكنّك عرفت ممّا مضى من طرق أنّه ليس من قوله، فقد رواه عن جابر بن عبد الله، وحذيفة بن اليمان، موقوفاً ومرفوعاً بلفظ: (خير البشر)، ويشهد للحديث ما رواه أبو الزبير عن جابر في مناسبة نزول آية: (( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُم خَيرُ البَرِيَّةِ )).
وفي (المسترشد) للطبري الشيعي، قال: ((وروى المسعودي: قال: حدّثنا محمّد بن سعيد الأنصاري، قال: حدّثنا محمّد بن فضيل، عن أبي هارون، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أفضل أُمّتي) ))(64).
سادساً: روى الخطيب البغدادي في تاريخه، قال: ((حدّثنا عبيد الله بن أبي الفتح وعلي بن أبي علي، قالا: حدّثنا محمّد بن المظفر الحافظ، حدّثنا عبد الله بن جعفر الثعلبي، قال: علي: أبو القاسم، ثمّ اتّفقا، قالا: حدّثنا محمّد بن منصور الطوسي، حدّثنا محمّد بن كثير الكوفي، حدّثنا الأعمش، عن عدي بن ثابت، عن زر، عن عبد الله، عن عليّ، قال: (قال رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): من لم يقل عليّ خير الناس فقد كفر) ))(65)؛ وعنه ابن عساكر في تاريخه(66)، وأورده ابن الجوزي في موضوعاته، واتّهم محمّد بن كثير بوضعه(67)، وردّه الحافظ السيوطي في (اللأليء)، قال: ((قلت: قال في الميزان: مشاه ابن معين، وقال: شيعي لم يكن به بأس، والله أعلم))(68)، وعدّه اليعقوبي صاحب التاريخ من فقهاء أيام الأمين العبّاسي، وقال: محمّد بن كثير الكوفي صاحب التفسير(69).
فالظاهر أنّهم تركوا حديثه لتشيّعه وروايته مثل هذه الأحاديث!
ومن هنا روى الصدوق في أماليه، قال: ((حدّثنا محمّد بن عمر الحافظ البغدادي، قال: حدّثني أبو محمّد الحسن بن عبد الله بن محمّد بن علي بن العبّاس الرازي، قال: حدّثني أبي عبد الله بن محمّد بن عليّ بن العبّاس بن هارون التميمي، قال: حدّثني سيّدي عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، قال: حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أخي الحسن بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب(عليهم السلام)، قال: (قال لي النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنت خير البشر، ولا يشكّ فيك إلاّ كافر) ))(70).
ورواه ابن شاذان في (مائة منقبة)، قال: ((أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن إسحاق بن أبي خطاب السوطي، قال: حدّثني إسماعيل بن علي الدعبلي، عن أبيه، قال: حدّثني عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام)، عن أبيه، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين، عن أبيه، قال: (قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله) لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): يا عليّ! أنت خير البشر، لا يشكّ فيك إلاّ من كفر) ))(71).
سابعاً: روى الموفّق الخوارزمي (ت567هـ) في مناقبه، قال: ((أنبأني مهذّب الأئمّة أبو المظفّر عبد الملك بن علي بن محمّد الهمداني - نزيل بغداد - أنبأنا محمّد بن علي بن ميمون النرسي، حدّثنا محمّد بن علي بن عبد الرحمن، حدّثنا محمّد بن الحسين بن النحاس، حدّثنا عبد الله بن زيدان، حدّثنا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، حدّثنا مفضل، حدّثنا جابر، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله): (قم بنا يا أبا بريدة نعود فاطمة)، فلمّا أن دخلنا عليها أبصرت أباها، دمعت عيناها.
قال: (ما يبكيك يا بنتي)؟
قالت: قلّة الطعم، وكثرة الهم، وشدة السقم.
قال لها: (أما والله، ما عند الله خير ممّا ترغبين إليه، يا فاطمة! أما ترضين إنّ زوجك خير أُمّتي، أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً. والله، إنّ ابنيك لسيّدا شباب أهل الجنّة) ))(72).
والعجب! أنّ الخطيب رواه في (المتّفق والمفترق) عن بريدة بغير اللفظ بما لا تصح معه الضمائر بعده معناً، قال: ((أخبرني أبو الحسن محمّد بن عبد الواحد بن محمّد بن جعفر، قال: أخبرني علي بن عمر بن أحمد الحافظ، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدّثنا يحيى بن زكريا بن شيبان، قال: حدّثنا أحمد بن أسد بن شمر العبدي، قال: حدّثنا الربيع بن المنذر الثوري، عن أبيه، عن عبد الله بن البريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله لفاطمة الزهراء(رضي الله عنها): (زوّجتك خير أهلي، أعلمهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأوّلهم سلماً(رضي الله عنه وكرّم وجهه) )) )(73).
ولفظه بـ(خير أهلي) لا يتّفق مع ما يعود عليه من ضمائر الجمع في (أعلمهم، أفضلهم، أوّلهم)، ولا يتصادقان في المعنى، وذلك لكثرة ما روي من أحاديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أنّ عليّاً (عليه السلام) أعلم من سائر الأُمّة وأحلمها، لا أهله فقط! وامّا كونه أوّلها إسلاماً، فمن المقطوع به، ولا يناقش فيه إلاّ المتعصّب العنيد.
ثم إنّ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (خير أهلي) على الفرض، لا يتم الاعتذار به لفاطمة(عليها السلام) منه (صلى الله عليه وآله)! إذ لفاطمة(عليها السلام) أن تقول - وحاشاها -: (لِم لَم تزوّجني من هو خير منه من غير أهلك، كما زوّجت زينب، ورقية، وأمّ كلثوم؟)،فإنّ الأخيرتين زوّجهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) ممّن هو خير من عليّ (عليه السلام) كما يدّعون! أو تقول له - وحاشاها -: (لِم رددت أبا بكر وعمر عندما طلباني؟)، وهما خير من عليّ حسب دعواهم.
وهناك شاهد على عود الضمائر إلى جميع الأُمّة روي عن عدّة من الصحابة بألفاظ متقاربة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، منها: ما رواه أحمد بن حنبل، قال: ((ثنا أبو أحمد، ثنا خالد يعني ابن طهمان، عن نافع بن أبي نافع، عن معقل بن يسار، قال: وضأت النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) ذات يوم، فقال: (هل لك في فاطمة(رضي الله عنها) تعودها)؟
فقلت: نعم.
فقام متوكئاً عليَّ، فقال: (أما أنّه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك).
قال: فكأنه لم يكن عليَّ شيء حتّى دخلنا على فاطمة(عليها السلام).
فقال لها: (كيف تجدينك)؟
قالت: والله لقد اشتدّ حزني، واشتدت فاقتي، وطال سقمي.
قال أبو عبد الرحمن: وجدت في كتاب أبي بخطّ يده في هذا الحديث: قال: (أو ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً) ))(74)؛ وقال فيه الهيثمي: ((رواه أحمد والطبراني، وفيه خالد بن طهمان، وثّقه أبو حاتم وغيره، وبقيّة رجاله ثقات))(75).
والأعجب من ذلك!! أنّ ابن عساكر روى رواية الخوارزمي وقد حُذف منها ما تعود عليه ضمائر الجمع، فلا يفهم إلاّ بالتخمين والتقدير، قال: ((أخبرنا أبو نصر بن رضوان وأبو غالب بن البنا وأبو محمّد عبد الله بن محمّد بن نجا، قالوا: أنا أبو محمّد الجوهري، أنا أبو بكر بن مالك، نا العبّاس بن إبراهيم القراطيسي، نا محمّد بن إسماعيل الأحمسي، نا مفضل بن صالح، نا جابر الجعفي، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: قال لي رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم): (قم بنا يا أبا بريدة! نعود فاطمة)، فلمّا أن دخلنا عليها أبصرت أباها ودمعت عيناها.
قال: (ما يبكيك يا بنية)؟
قالت: قلّة الطعام، وكثرة الهمّ، وشدّة السقم.
قال: (أما والله، لما عند الله خير ممّا ترغبين إليه، يا فاطمة! أما ترضين أنّي زوّجتك أقدمهم سلماً، وأكثرهم علماً، وأفضلهم حلماً، وأنّ ابنيك لمن شباب أهل الجنّة) ))(76).
فأنت ترى أنّه لا متعلّق لضمائر الجمع في (أقدمهم، أكثرهم، أفضلهم) في هذا المتن برواية ابن عساكر! ولا يعرف على ما تعود إلاّ بالحدس والتخمين، وحاشا لسيّد الناطقين بالضّاد (صلى الله عليه وآله) أن يبهم أو يجمل كلامه.
ونحن لا نعلم من الذي جنى بالحذف على هذا الحديث، ابن عساكر أو غيره من الرواة، ولكن يتّضح منه ومن رواية الخطيب لكلّ ذي عينين ما وقع على هذا الحديث من تلاعب في طرقه الأُخر عند القوم، فلا نطيل.
وأخيراً: إن قلت: إنّ (خير أُمّتي) في حديث بريدة لا يعطي معنى (خير البشر)، أو (خير الخليقة)، أو (خير البرية)، أو (خير الناس)؟
قلنا: نعم، ولكن أوردناه هنا لما جاء عن المخالفين في تكذيبهم لحديث (خير البشر) انّه لا يصحّ، لأنّه قد ثبت حسب مدّعاهم خيرية أبو بكر وعمر وعثمان عليه (عليه السلام)، فأوردنا حديث بريدة هنا لردّ هذا الوجه. ومن هذا الوجه ايضاً ما سنورده من حديث سلمان الفارسي(رضي الله عليه) الآتي.
ثامناً: روى الطبراني (ت360هـ) في (الكبير)، قال: ((حدّثنا محمّد بن عبد الله الحضرمي، ثنا إبراهيم بن الحسن الثعلبي، ثنا يحيى بن يعلى، عن ناصح بن عبد الله، عن سماك بن حرب، عن أبي سعيد الخدري، عن سلمان، قال: قلت: يا رسول الله لكلّ نبيّ وصيّ، فمن وصيّك؟ فسكت عنّي، فلمّا كان بعد رآني، فقال: (يا سلمان)! فأسرعت إليه، قلت: لبيك.
قال: (تعلم من وصيّ موسى)؟
قلت: نعم، يوشع بن نون.
قال: (لِمَ)؟
قلت: لأنّه كان أعلمهم.
قال: (فإنّ وصيي، وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي، وينجز عدّتي، ويقضي ديني، عليّ بن أبي طالب).
قال أبو القاسم [أي الطبراني]: قوله (وصيي)، يعني أنّه أوصاه في أهله لا بالخلافة.
وقوله: (خير من أترك بعدي)، يعني من أهل بيته(صلّى الله عليه وسلّم) ))(77).
ونحن هنا لسنا بصدد الكلام عن معنى الوصاية الذي حرّفه الطبراني! وإلاّ أي مناسبة بين سؤال سلمان لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عن وصيّه وبين المعنى الذي حاوله الطبراني، بل أي مناسبة بين التشبيه بيوشع والأعلمية وبين ذلك؟!
ولكن نقول: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) عندما أطلق في قوله: (خير من أترك بعدي) أكان عاجزاً - نعوذ بالله - عن تقييده حتّى يأتي الطبراني فيقيّده بأهل بيته (صلى الله عليه وآله)؟! أم كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا يبيّن - نعوذ بالله - حتّى يأتي الطبراني فيبيّن له (صلى الله عليه وآله)؟! سبحان الله!!
ومن ثمّ فإنّ محاولة الطبراني حرف المعنى في الحديث فرع التسليم بصحّته، ولكن من جاء بعده حاول تضعيف السند بناصح بن عبد الله، إذ قال ابن كثير في (جامع المسانيد): ((إنّ هذا الحديث منكر جدّاً، ولا يصح سنده قولاً واحداً، وأمراً وأكداً، ففي رجاله من لا يعرف رأساً، وفيهم المتكلّم فيه بأساً، وفي تأويل الطبراني يبدو صحّة الحديث وإن كان غير صحيح نظر، واللّه أعلم))(78).
ولكن قوله: ((ففي رجاله من لا يعرف رأساً))، غير صحيح، فليس فيهم مجهول!
وامّا (ناصح)، فقد ضعّفوه برواية المناكير، واتّهم بالرفض، ونحن نعرف أنّ ما يعد عندهم من المناكير أحاديث خصائص عليّ (عليه السلام)، وهذا الحديث منها، فإذا عرف سبب التضعيف بطل العجب!!
ورواه بالسند محمّد بن سليمان الكوفي في مناقبه، وفيه: (فإنّي أشهدك أنّ عليّاً خيرهم وأفضلهم وأعلمهم، قال: فهو وليي ووصيي ووارثي)(79).
وللحديث طرق أُخر عن سلمان غير طريق أبي سعيد الخدري، فقد روي بطريقين عن أنس بن مالك عن سلمان، قال ابن حبّان في (المجروحين) في ترجمة خالد بن عبيد العتكي البصري أبو عاصم، قال: ((يروى عن أنس بن مالك بنسخة موضوعة مالها أصل، يعرفها من ليس الحديث صناعته أنّها موضوعة، منها عن أنس، عن سلمان، عن النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم) أنّه قال لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام): (هذا وصيي، وموضع سرّي، وخير من أترك بعدي)، حدّثناه عبد الله بن محمود بن سليمان، ثنا العلاء بن عمران، عنه، لا تحلّ كتابة حديثه إلاّ على جهة التعجب))(80).
ولكن لنرى من هو العتكي الذي اتّهمه ابن حبّان برواية نسخة موضوعة عن أنس؟
قال المزي في تهذيبه: ((روى عن: أنس بن مالك، والحسن البصري، وعبد الله بن بريدة، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أسيد، وعمرو بن عبيد.
روى عنه: الحارث بن عمرو بن حمّاد، وعبد الله بن المبارك، والعلاء بن عمران، والفضل بن موسى السيناني، ومخلّد بن الضحّاك الشيباني والد أبي عاصم النيل، وأبو تميلة يحيى بن واضح.
قال أحمد بن سيار المروزي: كان شيخاً نبيلاً أحمر الرأس واللحية، وكان العلماء في ذلك الزمان يعظّمونه، ويكرّمونه، وكان ابن المبارك ربّما سوى عليه الثياب إذا ركب.
وقال أبو رجاء محمّد بن حمدويه المروزي: أخبرنا محمّد بن عمرو، قال: سمعت العلاء بن عمران يقول: كان خالد بن عبيد عتكيا كنيته أبو عصام. وكانوا يكرمون خالداً لحال روايته عن أنس، ولا ينكرون روايته عن أنس، وكان إذا صار إلى مجلس الحسين بن واقد، وأبي حمزة، وابن المبارك، صار صدر المجلس))(81).
وقال ابن عدي بعد أن روى عنه عدّة روايات عن انس، منها حديث الطير: ((وليس حديثه منكراً جدّاً))(82).
فظهر أنّ كبار القوم رووا عنه، وكانوا يعظّمونه، ويقبلون روايته عن أنس ولا ينكرونها. ولكن لمّا رأى من جاء بعدهم - كابن حبّان هذا - أنّ رواياته عن أنس تنقض عقيدتهم أنكروها واتهموه برواية الموضوعات! ولكن ماذا يفعلون وأبو عاصم هذا له رواية عند مسلم، وروى عنه شعبة، وهشام الدستوائي؟ فجعلوه اثنان؟!! إذ ترجموه مرّة باسم خالد بن عبيد العتكي أبو عاصم البصري، وانكروا أحاديثه عن أنس، ومرّة أُخرى بأبي عاصم المزني البصري، وثقوه وصحّحوا روايته عن أنس(83).
ومن العجب - وعجبهم كثير كما سترى - !! بعد أن اتّهم ابن حبّان عبيد العتكي برواية هذا الحديث الموضوع عنده عن أنس، أورد له متابعاً هو مطر بن ميمون الإسكاف، قال في ترجمته من (المجروحين): ((كان ممّن يروي الموضوعات عن الأثبات، يروي عن أنس ما ليس من حديثه في فضل عليّ بن أبي طالب وغيره. لا تحلّ الرواية عنه.
روى عن أنس بن مالك: أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهلي وخير من أترك بعدي يقضى ديني وينجز موعدي عليّ بن أبي طالب)، أخبرناه محمّد بن سهل أبو تراب، قال: حدّثنا عمّار بن رجاء، قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى، قال: حدّثنا مطر، عن أنس بن مالك))(84).
فلا نعرف من هو المتّهم بوضع الحديث عند ابن حبّان؟! ولكن هذا ليس مهماً عندهم، انّما المهم هو وسم الحديث بالوضع! ولذا قال ابن الجوزي في (الموضوعات): ((أحد الرجلين وضع الحديث والآخر سرقه منه))(85)، مع أنّه أورد له طرقين آخرين عن سلمان(رضي الله عنه)، وسيأتي.
وأصل حديث أنس أخذه من سلمان(رضي الله عنه)، رواه الموفّق الخوارزمي في مناقبه، قال: ((وأخبرني شهردار هذا إجازة، أخبرنا عبدوس بن عبد الله هذا كتابة، حدّثنا أبو منصور، حدّثنا علي، حدّثنا القاسم، حدّثنا إبراهيم، حدّثنا الحكم بن سليمان الجبلي، أبو محمّد، حدّثنا علي بن هاشم، عن مطر بن ميمون: أنّه سمع أنس بن مالك يقول: حدّثني سلمان الفارسي: أنّه سمع النبيّ(صلّى الله عليه وآله) يقول: (إنّ أخي ووزيري وخير من أخلفه بعدي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ))(86)، ورواه الصدوق في أماليه(87).
وروى ابن عساكر في تاريخه، قال: ((قرأت على أبي محمّد بن حمزة، عن أبي بكر الخطيب، أنا الحسن بن أبي بكر، أنا أبو سهل أحمد بن محمّد بن عبد الله القطان، نا الحسن بن العباس الرازي، نا القاسم بن خليفة أبو محمّد، نا أبو يحيى التيمي إسماعيل بن إبراهيم، عن مطير [بن] أبي خالد، عن أنس بن مالك، قال: كنّا إذا أردنا أن نسأل رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) أمرنا عليّ بن أبي طالب، أو سلمان الفارسي، أو ثابت بن معاذ الأنصاري، لأنّهم كانوا أجرأ أصحابه على سؤاله، فلما نزلت: (( إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَالفَتحُ )) (النصر:1)، وعلمنا أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) نعيت إليه نفسه، قلنا لسلمان: سل رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من نسند إليه أمورنا ويكون مفزعنا، ومن أحبّ الناس إليه؟ فلقيه فسأله فأعرض عنه، ثمّ سأله فأعرض عنه، فخشي سلمان أن يكون رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) قد مقته ووجد عليه.
فلمّا كان بعد لقيه، قال: (يا سلمان، يا أبا عبد الله! ألا أحدّثك عمّا كنت سألتني)؟
فقال: يا رسول الله! إنّي خشيت أن تكون قد مقتني ووجدت علَيَّ؟
قال: (كلا يا سلمان! إنّ أخي ووزيري وخليفتي في أهل بيتي، وخير من تركت بعدي، يقضي ديني، وينجز موعدي، عليّ بن أبي طالب).
قال الخطيب: مطير هذا مجهول))(88).
ورواه محمّد بن سليمان الكوفي (ق4هـ) في مناقبه، قال: ((محمّد بن منصور، عن عباد، عن علي بن هاشم، عن مطير [بن] أبي خالد: أنّه سمع أنساً يقول: حدّثنا سلمان الفارسي: أنّه أتى النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، فقال: يا نبيّ الله! بأبي أنت وأُمّي، عمّن نأخذ بعدك وبمن نثق؟ قال: فسكت، ثمّ سألته من الغد؟ فسكت، ثمّ سألته اليوم الثالث؟ فسكت عنّي عشراً.
ثمّ قال: (يا أبا عبد الله! ألا أحدّثك عمّا سألتني عنه)؟
فقلت: بلى بأبي أنت وأُمّي، حدّثني، لقد خشيت أن تكون قد وجدت علَيَّ.
فقال: (يا أبا عبد الله! إنّ أخي ووارثي وخليفتي، وخير من أترك بعدي، عليّ بن أبي طالب، يقضي ديني، وينجز موعودي) ))(89).
ورواه بثلاث طرق أُخر، مرّة عن مطير بن ثعلبة (والظاهر أنّه تصحيف)، عن أنس، عن سلمان، قريب من رواية ابن عساكر(90)، ومرّة ثانية عن مطير، عن أنس، عن سلمان(91)، ومرّة ثالثة عن مطر الإسكاف، عن أنس(92).
وهناك عدّة آخرين رووه عن مطر، عن أنس مرفوعاً(93).
ومن العجب الكثير أيضاً! أنّ كلّ من رواه عن مطر أورد فيه (خير من أترك بعدي)، إلاّ القطيعي في زياداته على فضائل أحمد(94)، كأنّه غص به لأنّ ابن الجوزي رواه بالسند وفيه (وخير من أخلف بعدي)(95).
وأمّا مطر أو مطير، فهو مطر بن ميمون الإسكاف أبو خالد المحاربي، أورد ابن حبّان وابن عدي في ترجمته عدّة روايات في فضائل عليّ (عليه السلام)، منها هذه الرواية كشاهد على نكارة حديثه(96)، ولم يذكر كلّ من ترجم له مناكير بزعمهم غيرها! فعرف انّ سبب تضعيفه وترك حديثه روايته لفضائل عليّ (عليه السلام)، كما صرّح به بعضهم!(97)، وهذا خير مثال لتضعيف الرجال بروايتهم ما يخالف عقيدتهم، وهو تضعيف غير مقبول حسب قواعد علم الرجال.
وجاء بطريق ثالث عن سلمان، رواه الحسكاني في (شواهد التنزيل)، قال في معرض بيانه لكون عليّاً (عليه السلام) ثالث من استخلفهم الله في الأرض بعد آدم وداود(عليهما السلام): ((وبه حدّثنا محمّد بن عبد الله، قال: حدّثنا محمّد بن حماد الأثرم بالبصرة، قال: حدّثنا علي بن داود القنطري، قال: حدّثنا سفيان الثوري، عن منصور، عن مجاهد، عن سلمان الفارسي، قال: سمعت رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) يقول: (إنّ وصيي وخليفتي، وخير من أترك بعدي، ينجز موعدي، ويقضي ديني، عليّ بن أبي طالب) ))(98)، وأورده ابن شهر آشوب في مناقبه(99). ولم نجد من تعرّض لسنده.
وبطريق رابع عن سلمان، رواه عبد الغني سعيد الأزدي (ت409هت) في (المؤتلف والمختلف)، قال بعد أن ذكر جرير بن عبد الحميد الضبّي: ((جرير بن عبد الحميد آخر، حدّثنا بحديثه أبو بكر أحمد بن محمّد النرسي، قال: حدّثنا محمّد بن الحسين الأشناني، قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى السدي، قال: حدّثنا عمر بن سعيد البصري، عن إسماعيل بن زياد البزّاز، عن جرير بن عبد الحميد الكندي، عن أشياخ من قومه، قالوا: أتينا سليمان، فقلنا له: من وصيّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)؟
قال: سألت رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم) من وصيّك؟
قال: (وصييّ وموضع سرّي، وخليفتي في أهلي، وخير من أخلف بعدي عليّ بن أبي طالب) ))(100)، وعنه الخطيب البغدادي في (المتّفق والمختلف)(101)، والجورقاني (ت543هـ) في (الأباطيل)، وقال: ((مداره على إسماعيل بن زياد، عن جرير بن عبد الحميد الكندي، عن أشياخ من قومه، قال أبو حاتم محمّد بن حبّان: هو شيخ دجّال لا يحلّ ذكره إلاّ على سبيل القدح فيه، وجرير وأشياخ من قومه مجهولون، وجرير هذا ليس هو بجرير بن عبد الحميد الذي روى عنه سهيل بن أبي صالح))(102)، وتبعه ابن الجوزي في (الموضوعات)، وأعاد كلام ابن حبّان في إسماعيل بن زياد، ونسب إلى الدارقطني قوله فيه: متروك(103)…….
(( مركز الابحاث العقائدية ))