هناك دعاء يتكرر في كل ادعية شهر رمضان الواردة عن النبي و اهل بيته عليهم السلام " و ارزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا و في كل عام " فلا يخلو دعاء من ادعية هذا الشهر الا و يوجد فيه هذا الدعاء ، لماذا ؟ ما هي ضرورة ذلك ؟ كثير من الامور الانسان يطلبها لماذا هذا الاصرار من النبي و اهل بيته على و ارزقني حج بيتك الحرام ؟!
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
المستفاد من الأدعية الواردة في شهر رمضان وذكر الحجّ فيه وطلب التوفيق له، أهميّة الحجّ من جوانب متعدّدة، اجتماعيّة، وأخلاقيّة، ودينيّة، ومعنويّة، والآثار والبركات التي تشمل الحاجّ أهمّها غفران ذنبه ويكون كيوم ولدته أمّه، وتوفيق لقاء الحجّة (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف)، وإن لم تره فهو يراك كما هو المستفاد من الرّوايات، وهو يدعو لشيعته ومحبّيه من حجّاج بيت الله الحرام، وكما أنّ محبّيه ومنتظري ظهوره يدعون له بالفرج، فهو بدوره يفرح لدعائهم له ويدعو لهم، وهذا توفيق عظيم. وهناك أمر آخر، وهو أنّ من أهميّة الحجّ وما يترتّب عليه من آثار، أنّ المؤمن يدعو في شهر رمضان وهو شهر الدّعاء والتّضرّع إلى الله -تعالى- بالأخصّ في ليالي القدر التي تقدّر فيها الأمور فتكتب من حجّاج بيته الحرام ووفده، وبما أنّ الشّخص ربما لم يكن مكتوباً من الحجّاج، فيكتب ذلك ليلة القدر؛ لأنّها ليلة التّقدير وليلة المحو والإثبات كما ورد في أدعية ليالي القدر: «اللهمّ اجعل فيما تقضي وتقدّر من الأمر الحكيم في ليلة القدر من القضاء الذي لا يردّ ولا يُبدّل أن تكتبني من حجّاج بيتك الحرام المبرور حجّهم، المشكور سعيهم، المغفور ذنوبهم، المكفّر عنهم سيّئاتهم ... المزید». فينبغي أن يدعو في ليلة القدر ليكون من الحجّاج، وليحصل على التوفيق بأن يكون مبرور الحجّ، مشكور السعي، مغفور الذنب، وقد كفّر الله سيّئاته. وهناك أمر وهو: أنّ الحجّ عبادة تحتاج إلى تحمّل جهد وعناء أكثر وليست كالصّلاة أو الصّوم، فإنّ الحجّ بحاجة إلى تهيئة مقدّمات وبعضها صعبة، منها: تحمّل المشاقّ والزاد والرّاحلة، ومنها: أن يكون للحاجّ مالٌ كافٍ للذّهاب والإياب، أمّا بقيّة العبادات فلا تحتاج إلى هذا العناء وصرف المال. فالتّأكيد عليه في أدعية شهر رمضان؛ لأنّه شهر دعاء، ولأنّ أنفاس الصّائمين ونومهم كلّها عبادة فيكون الدّعاء أقرب للإجابة، ولتحصيل توفيق الحجّ. يُمكن أن يُقال أنّ الهدف من ضيافة الله لعباده في شهره هو تهيئة النّفوس والأرضيّة لضيافته لهم في الحجّ وذلك عبر أدعية شهر رمضان وبركاتها. فالباري -تعالى- لمّا استضاف عباده في شهر رمضان وهيّأ لهم الأرضيّة في ضيافة شهر الحجّ كانت بداية الضّيافة في شهر رمضان، والنّهاية في موسم الحجّ بعد الانتهاء من المناسك. فالحجّ ضيافة الله، والحجّاج كالصّائمين ضيوف الرّحمن، فكما أنّ الصّائم في ضيافة الله فكذلك الحاجّ كما ورد عن الإمام الصّادق (عليه السلام): «دُعيتم إلى ضيافته إن ضيف الله (عزَّ وجلَّ) رجل حجّ واعتمر فهو ضيف الله حتّى يرجع إلى منزله...». فضيافة الله على مرحلتين، الأولى: أنّ الدّاعي إلى الضّيف يقول له: اُدعو واطلب حاجتك. وفي الثّانية: يعطي المضيف ما سأله الدّاعي. وفي شهر رمضان الدّاعي والمضيف هو الله -تعالى- حيث يقول: «اسألوا منّي الحجّ»، وفي ذي الحجّة لا يقول اطلب منّي بل يُعطى الحاجّ. ففي شهر رمضان الضّيف يطلب، وفي الحجّ يُعطى ويوفّق الضّيف لما طلبه. والعبد المؤمن إذا سأل الله فأعطاه -سبحانه- وأوصله إلى مراده يزداد العبد في السؤال ويطمع في رحمة الله -تعالى- ويذكر حوائجه، فيحصل له تحوّل روحيّ تتعدّد مراتبه بحسب المسألة، بحيث يهديه -تعالى- إلى ما ينبغي له مسألته، وما يقدّمه في المسألة على غيره، حتّى يصل إلى المرحلة الأسمى من قبيل ما يرتبط بالمعارف الإلهيّة والحجّ ولا يقنع بالقليل، وهذه وظيفة العبد تجاه مولاه -كما قال تعالى- {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا}. وكلّما ازداد في المسألة الخوف والطمع كان أكثر خلوصاً وتقرّباً إلى الله -تعالى-، وخزائن الله لا تنتهي بل تزداد؛ لأنّه كلّما سئل ازداد جوده وكرمه، بل يزداد شرح صدر السّائل، وتتهيّأ ظرفيّة الطّلب، فيطلب الأفضل والأهم والأكثر ويحصل على عطاء أكثر، وهذا السّير التصاعديّ مستمرّ. وقد ورد في دعاء الافتتاح: «الحمد لله الذي لا تنقص خزائنه ولا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً...»؛ لأنّ الخزينة الإلهيّة تؤمّن بإرادته -تعالى- وإرادته غير قابلة للانتهاء بل مستمرّة. وروح الحجّ متوقّفة على قبوله، وقبوله متوقّف على الإقرار بولاية أهل البيت (عليهم السلام)، وقد ورد أنّ الإسلام بني على خمس، منّها الولاية وهي أحد الأركان الخمسة وأهمّها؛ لأنّها كما قال الإمام الصّادق (عليه السلام) مفتاحهنّ، بل ورد في أدعية شهر رمضان بعد الدّعاء للحجّ «اللهمّ ارزقني زيارة قبر نبيّك (صلَّى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) ولا تخلني يا ربّ من تلك المشاهد الشّريفة والمواقف الكريمة».
دمتم في رعاية الله