( 22 سنة ) - العراق
منذ سنة

التقليد

قال الامام علي (ع): إنّما ننفي القول بالاجتهاد؛ لأنّ الحقّ عندنا فيما قدمنا ذكره من الأمور التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا، كالكتاب والسنة والإمام الحجة، ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها وما خالفها فهو باطل، ثم ذكر (ع) كلاماً طويلاً في الرد على من قال بالاجتهاد. بحار الانوار للعلامة المجلسي ج\90 ص\96 ؟


هذا الكلام ورد في رواية نقل بعضها صاحب الوسائل، والرواية ليست كلها من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بل هي مخلوطة بكلام النعماني أو السيد المرتضى (355-436)؛ حيث إن العلماء القدماء كانوا يخلطون كلامهم بكلام الروايات أحيانا. ولغة الرواية واضحة في أنها ليست كلام الأئمة (عليهم السلام) فأسلوبها أسلوب العلماء. ومع فرض أن هذه العبارة هي للإمام (عليه السلام) فالذين استدلوا بها على بطلان الاجتهاد الذي بمعنى استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة المعتبرة، اقتطعوا هذه العبارة من الرواية واقتصروا عليها وأوهموا القارئ أنها تتكلم عن هذا الاجتهاد، بينما الذي يقرأ الرواية من البداية يدرك جيدا أنها تتكلم عن اجتهاد أبناء العامة الذي يبطله فقهاء الشيعة تبعا لأئمتهم (عليه السلام) كما تقدم. ولأن الرواية طويلة نكتفي بنقل نص منها لكي يتبين لكم كيف أنها لا تتكلم عن الاستنباط من الأدلة الشرعية؛ فقد جاء قبل هذه العبارة المنقولة: «وَأَمَّا الرَّدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالاجْتِهَادِ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ كُلَ‏ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ إِنَّهُمْ مَعَ اجْتِهَادِهِمْ أَصَابُوا مَعْنَى حَقِيقَةِ الْحَقِّ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِأَنَّهُمْ فِي حَالِ اجْتِهَادِهِمْ يَنْتَقِلُونَ عَنِ‏ اجْتِهَادٍ إِلَى اجْتِهَادٍ وَاحْتِجَاجُهُمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِهِ قَاطِعٌ قَوْلٌ بَاطِلٌ مُنْقَطِعٌ مُنْتَقَضٌ فَأَيُّ دَلِيلٍ أَدَلُّ مِنْ هَذَا عَلَى ضَعْفِ اعْتِقَادِ مَنْ قَالَ بِالاجْتِهَادِ وَالرَّأْي». فكما ترى إن الرواية تتكلم على من يقول بأن كل مجتهد مصيب، وعلماؤنا لا يقولون بهذا القول الباطل، ورأيهم معروف مشهور ببطلانه وعدم قبوله، بل يقولون: إنَّ الفقيه عليه أنْ يبذل قصارى جهده في سبيل تحصيل الحكم الشرعيِّ من الكتاب العزيز، وروايات المعصومين (عليهم السلام)، فإنْ أصاب فبها، وإنْ أخطأ كان معذوراً، ولذلك فهم يُصرِّحون بأنَّ المجتهد يُخطئ ويُصيب، ولا يقولون بأنَّ المجتهد مصيب على كلِّ حالٍ، ولذا سُمِّيَ الإماميَّةُ بالمُخَطِّئة، في مقابل من ذكرتهم الرواية، والذين يُسمَّونَ بالمصوِّبة، وهم غير الإماميَّة. وأيضا ترى في آخر الرواية أنه عبر بالرأي، وعلماؤنا لا يجيزون الاجتهاد بالرأي، فالاجتهاد بالرأي كما جاء عند أبي حنيفة باطل عند الشيعة. ولو اقتصرنا على المقطع الذي نقلوه وتأملنا به نجد أنه يدل على أن الكلام عن الاجتهاد بالرأي، لا عن الاستنباط من الأدلة كالقرآن والسنة، بل نفس هذا النص يدل على جواز الاستنباط لأنه قال: «لأنَّ الحقَّ عندنا فيما قدَّمنا ذكره من الأُمور التي نصبها الله تعالى، والدلائل التي أقامها لنا، كالكتاب، والسُّنَّة، والإمام الحجَّة»، وهذه الثلاثة هي التي يرجع إليها فقهاء الإماميَّة، في مقابل ما يرجع إليه المخالفون من القياس، والرأي والاستحسان، فهذه العبارة تدل على أن الاستنباط من الكتاب والسنة لا إشكال فيه، ثم قال: «ولن يخلو الخلق من هذه الوجوه التي ذكرناها، وما خالفها فهو باطل»، وهذا صريح في أن الاجتهاد الذي تكلم عنه في بداية العبارة المنقولة إنما هو الاجتهاد المقابل للكتاب والسنة وهو الذي يقول به علماء العامة، والذي ينفيه الإمامية أنار الله برهانهم. فالمتحصل من العبارة أن استنباط الأحكام لابد أن يكون من الطرق التي جعلها أهل البيت (عليهم السلام) حجة لنا، ولا يجوز أن يعتمد على الرأي المعبر عنه بالاجتهاد عند أبناء العامة، الذي يكون في قبال تلك الطرق. وهذا هو عين ما يقول به فقهاء الشيعة. وأمّا الكلام في العبارة التي نقلوها عن صاحب الوسائل فقد بُتر آخرها فيتوهم القارئ أن الكلام حول الاجتهاد بمعنى استنباط الأحكام الشرعية، وبمجرد أن ترجع للوسائل يتضح لك ذلك جلياً حيث قال: ««ثُمَّ ذَكَرَ ع كَلَاماً طَوِيلًا فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ بِالاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَحَاصِلُهُ الرُّجُوعُ فِيهَا إِلَى الْعَلَامَاتِ الشَّرْعِيَّةِ»؛ لكنك توقفت في النقل في سؤالك أعلاه على كلمة (بالاجتهاد) ولم تُنقل العبارة كاملة فجاء الإشكال، ولو أكملها لعلم أن الكلام في اجتهاد المكلف في القبلة عند عدم معرفة اتجاهها، وليس الكلام عن اجتهاد الفقهاء أصلاً. ومسألة الاجتهاد في القبلة خاصة بما إذا وجدت العلامات التي وضعها الشارع لنا في تحديد القبلة، فلابد من الأخذ بالعلامات ولا يجوز تركها اعتماداً على الرأي والاجتهاد. أما إذا لم توجد العلامات فيجوز الاجتهاد حينئذ، كما ورد في الروايات، كرواية سماعة، أنه سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الصلاة باللَّيل والنهار إذا لم يرَ الشمس، ولا القمر، ولا النجوم، فقال: «اجتهد رأيكَ، وتعمَّد القبلةَ جُهدَكَ».

1