محمد كنج ( 34 سنة ) - العراق
منذ سنة

ايات

السلام عليكم.. بعض المسيحيين يقولون أن القران فيه ايات قتل مثل اية إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .. يعني هل الاسلام الرحيم يدعو قتل وصلب وتقطيع ايدي وارجل ؟؟؟ ارجو التوضيحح


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم لابد من معرفة سبب نزول الآية والمعنى المقصود منها،ومدى ارتباطها بالآية الاخرى حتى يتضح المعنى المراد منها ،فالآيتان إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم (33) إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم (34) وورد في سبب نزول هاتين الآيتين الكريمتين، أن جماعة من المشركين قدموا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأعلنوا إسلامهم لكنهم - لعدم تعودهم على طقس ومناخ المدينة - أصيبوا ببعض الأمراض، فنصحهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يذهبوا إلى منطقة ذات مناخ جيد من الصحراء خارج المدينة، كانت مرتعا لإبل الزكاة، وأجاز لهم الانتفاع بلبن تلك الإبل بما يكفيهم، ففعلوا وتعافوا مما كانوا يعانون منه من الأمراض، لكنهم بدل أن يقدموا الشكر على صنيع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معهم، وعمدوا إلى قتل الرعاة المسلمين والتمثيل بهم وسمل عيونهم، ونهبوا إبل الزكاة وارتدوا عن الإسلام إلى الشرك، فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بإلقاء القبض عليهم والقصاص منهم بمثل ما ارتكبوه بحق أولئك الرعاة الأبرياء، وجزاء لهم على جرائمهم فسملت عيونهم وقطعت أوصالهم وقتلوا، لكي يصبحوا عبرة لغيرهم فلا تسول لأحد نفسه أن يرتكب مثل هذه الجرائم الوحشية البشعة، وقد نزلت الآيتان الأخيرتان وهما تبينان حكم الإسلام في هذه الجماعة (1). 3 جزاء مرتكب العدوان: تكمل الآية الأولى - من الآيتين الأخيرتين - البحث الذي تناولته الآيات السابقة حول قتل النفس، وتبين جزاء وعقاب من يشهر السلاح بوجه المسلمين، وينهب أموالهم عن طريق التهديد بالقتل أو بارتكاب القتل، فتقول: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض. ومعنى قطع الأيدي والأرجل من خلاف هو أن تقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى. ويجدر الانتباه هنا إلى عدة أمور، وهي: 1 - إن المراد جملة الذين يحاربون الله ورسوله الواردة في الآية - كما تشير إليه أحاديث أهل البيت ويدل عليه سبب نزول الآية - هو ارتكاب العدوان ضد أرواح أو أموال الناس باستخدام السلاح والتهديد به، سواء كان هذا العدوان من قبل قطاع الطرق خارج المدن أو داخلها، وعلى هذا الأساس فإن الآية تشمل أيضا الأشرار الذين يعتدون على أرواح الناس وأموالهم ونواميسهم. والذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنها اعتبرت العدوان الممارس ضد البشر بمثابة إعلان الحرب وممارسة العدوان ضد الله ورسوله، وهذه النقطة تبين بل تثبت مدى إهتمام الإسلام العظيم بحقوق البشر ورعاية أمنهم وسلامتهم. 2 - المراد بقطع اليد أو الرجل - المذكور في الآية، وكما أشارت إليه كتب الفقه - هو القطع بنفس المقدار الذي ينفذ بحق السارق لدى قطع يده، أي مجرد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرجل 3 - هل أن العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييري؟ أي هل أن الحكومة الإسلامية مخيرة في استخدام أي منهما بحق الفرد الذي تراه يستحق ذلك، أم أن العقوبة يجب أن تتناسب ونوع الجريمة التي ارتكبها الفرد؟ أي إذ ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضد أفراد أبرياء تطبق بحقه عقوبة الإعدام، وإن ارتكب سرقة عن طريق التهديد بالسلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرجل، وإذا ارتكب الجريمتين معا يكون عقابه الإعدام والصلب على الأعواد لفترة معينة لكي يعتبر به الناس، وإذا شهر الفرد المحارب السلاح على الناس دون أن يراق أي دم أو تتم سرقة شئ يكون عقابه النفي إلى بلد آخر؟ لا شك أن الاحتمال الثاني - وهو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة، وقد أيد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أيضا . وبالرغم من أن بعض الأحاديث أشارت إلى أن الحكومة الإسلامية مخيرة في انتخاب أي من العقوبات الأربع الواردة، لكننا - نظرا للأحاديث التي أشرنا إليها قبل قليل - نرى أن المراد من التخيير لا يعني أن تنتخب الحكومة الإسلامية واحدا من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الاعتبار، حيث من المستبعد كثيرا أن تكون عقوبتا الإعدام والصلب متساويتين مع عقوبة النفي، أو أن تكونا بمنزلة واحدة! ويلاحظ هذا الأمر أيضا في الكثير من القوانين الوضعية المعاصرة بصورة واضحة، حيث تعين عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم، وعلى سبيل المثال نرى أن بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إلى 10 سنين من السجن، والقاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسبا لواقع الحال، وليس وفق ما يشتهيه هو، فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبق العقوبة المشددة، وأخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة، نظرا للظروف المحيطة والملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة. وهذا القانون الإسلامي الذي جاء بحق المحاربين، يتفاوت فيه أسلوب العقاب ونوعه مع اختلاف الجريمة التي يرتكبها الفرد المحارب أو الجماعة المحاربة. وغني عن القول أن العقوبات المشددة التي جاء بها الإسلام لقطاع الطريق تتوضح فلسفتها في الأهمية القصوى التي أعارها هذا الدين للدماء البريئة، لكي يحول دون اعتداء الأفراد الأشقياء الأشرار القتلة على أرواح وأموال وأعراض الناس الأبرياء (1). وفي الختام تشير الآية إلى أن هذه العقوبات هي لفضح المجرمين في الدنيا، وسوف لا يتوقف الأمر على هذه العقوبات، بل سينالون يوم القيامة عقابا أشد وأقسى حيث تقول الآية: ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم. ويستدل من هذه الجملة القرآنية على أن العقوبات الإسلامية الدنيوية التي تنفذ في المجرمين لن تكون حائلا دون نيلهم لعقاب الآخرة، ولكن طريق العودة والتوبة لا يغلق حتى بوجه مجرمين خطيرين كالذين ذكرتهم الآية إن هم عادوا إلى رشدهم وبادروا إلى إصلاح أنفسهم، ولكي يبقى مجال التعويض عن الأخطاء مفتوحا تقول الآية الثانية: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم. والذي يظهر من هذه الآية هو أن العقاب والحد الشرعي يرفعان عن أولئك المجرمين في حالة انصرافهم طوعا عن ارتكاب الجريمة وندمهم قبل أن يلقى القبض عليهم فقط. وبديهي أن توبة هؤلاء لا تسقط العقاب عنهم إن كانوا قد ارتكبوا جريمة قتل أو سرقة، إلا في حالة ارتكاب جريمة التهديد بالسلاح فإن العقوبة تسقط إن هم تابوا وندموا قبل إلقاء القبض عليهم. وبعبارة أخرى فإن التوبة في مثل هذه الجرائم لها تأثير في ما يخص الله فقط، أما حق الناس فلا يسقط بالتوبة ما لم يرض صاحب الحق. وهكذا فإن عقاب المحارب يكون أشد وأقسى من عقاب السارق أو القاتل العادي، فهو إن تاب نجا من العقوبة التي تشمله لكونه محاربا، لكنه لا يتخلص من عقوبة السرقة والقتل العاديين. وقد يطرأ هنا سؤال وهو كيف يمكن إثبات التوبة ما دامت هي عملية قلبية باطنية؟ والجواب هو: أن طرق إثبات التوبة في هذا المجال كثيرة وافرة، وأحدها: أن يشهد عادلان على أنهما سمعا توبة المجرم في مكان ما، وأنه تاب دون أن يرغمه أحد على التوبة، والآخر: أن يغير المجرم أسلوب حياته بشكل تظهر عليه آثار التوبة بجلاء. وجاء في (فقه الصادق(عليه السلام)) للسيّد محمّد الروحاني، ضمن عنوان: (الجهاد بعد إقامة الحجّة): أنّ الجهاد والقتال مع الكفّار والبغاة إنّما هو بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام وإقامة الحجّة عليهم، كما قال تعالى: (( وَلَو أَنَّا أَهلَكنَاهم بعَذَاب مّن قَبله لَقَالوا رَبَّنَا لَولاَ أَرسَلتَ إلَينَا رَسولاً فنَتَّبعَ آيَاتكَ من قَبل أَن نَّذلَّ وَنَخزَى )) (طه:134)، وقال عزّ وجلّ: (( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (النحل:125)، وقال تعالى: (( لّيَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَة وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيّنَة )) (الأنفال:42). وكما جرت عليه السُنّة النبوّية والعلوية والحسينية، (أقول: إيّاك أن تغتر بسُنّة غيرهم)، بل المستفاد من الآية الثانية والسيرة النبوّية: أنّ القتال إنّما هو بعد الدعوة إلى الإسلام بأقسامها الثلاثة، أي: الحكمة، والموعظة، والجدال بالتي هي أحسن؛ إذ الإنسان إمّا أن يكون له قدرة على إدراك المطلوب بالبرهان، أو لا، والثاني إمّا أن يكون له قوّة الجدال والمغالبة أو لا.. فوظيفة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن قام مقامه في هداية الخلق مع الفرقة الأولى: إقامة البرهان واتّباع التصديق الجازم في أذهانهم.. ومع الفرقة الثانية: الإلزام؛ ليلتزموا بما أُمروا به. ومع الفرقة الثالثة: إيقاع المقدّمات الإقناعية في أذهانهم؛ لينقادوا للحقّ، لقصورهم عن رتبة البرهان والجدل، فالحكمة إشارة إلى: البرهان، والموعظة الحسنة إلى: الخطابة، وجادلهم بالتي هي أحسن إلى: علم الجدل، وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (أُمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم الناس على قدر عقولهم). وعلى الجملة، لا يبدأ بالقتال إلاّ بعد إتمام الحجّة. (أقول: لا يشتبه عليك الحال فتقيس على ما وقع من فتوحات بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)! فإنّ قادتها كانوا متغلّبين ولم يكونوا ممّن أهّلهم الله للإمامة، وأمراءهم كانوا أعراباً جفاة، ومع ذلك لا ننكر تأثير تعاليم الإسلام ووجود صحابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الفتوحات, فأصبحت أنظف فتوحات البشرية). ثمّ بعد ذلك إن أسلموا فلا كلام، وإلاّ فإن منعوا من الدعوة وهدّدوا الداعي وقتلوه يجب على المسلمين القتال لحماية الدعاة ونشر الدعوة، لا للإكراه في الدين، والتدبّر في آيات القتال والجهاد يرشدنا إلى ذلك، فهذه آيات القتال في سورة البقرة صريحة في ذلك: (( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلاَ تَعتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعتَدِينَ * وَاقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم )) (البقرة:190-191)، وآيات سورة آل عمران نزلت في غزوة أُحُد وكان المشركون هم المعتدون، وآيات الأنفال نزلت في غزوة بدر الكبرى وكان المشركون هم المعتدون أيضاً، وآيات سورة البراءة نزلت في ناكثي العهد من المشركين، ولذلك قال بعد ذكر نكثهم: (( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أَيمَانَهُم وَهَمُّوا بِإِخرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ )) (التوبة:13). وعلى الجملة، كان المشركون يبدؤون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم، وأخرجوا الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بلده، وآذوا المؤمنين، ومنعوا من الدعوة. فقتال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مدافعة عن الحقّ وأهله، وحماية لدعوة الحقّ. وإن لم يمنعوا من الدعوة ولا هدّدوا الداعي ولم يؤذوا المؤمنين، فإن زاحموهم في تشكيل الحكومة الإسلامية التي هي القوّة المجرية للقوانين الإسلامية يكون القتل واجباً لذلك، وإذا لم يزاحموهم حتّى في ذلك لا يجب القتال والجهاد، وعلى أيّ تقدير: ليس القتال للإكراه في الدين. وبهذا الذي ذكرناه يظهر الجواب: عمّا ربّما يورد على الإسلام في تشريعه الجهاد: بأنّ الإسلام قام بالسيف، وأنّه ليس ديناً إلهياً؛ لأنّ الإله الرحيم لا يأمر بسفك الدماء، وأنّ العقائد الإسلامية خطر على المدنية، ولذلك ربّما سمّاه بعضهم كالمبلغين من النصارى بـ((دين السيف والدم))، وآخرون بـ((دين الإجبار والإكراه)). أضف إلى ما ذكرناه: إنّ دين التوحيد مبني على أساس الفطرة، وهو القيّم على إصلاح الإنسانية في حياتها، كما قال الله تعالى: (( فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ )) (الروم:30).. فالتحفّظ عليه من أهم حقوق الإنسان، التي قضت الفطرة السليمة بأنّها مشروعة وجائزة، وممّا يوجب التحفظ عليه ويكون دفاعاً عن حقّ الإنسانية في حياتها القتال، كان دفاعاً عن المسلمين أو عن بيضة الإسلام أو ابتدائياً، كما قال تعالى بعد آيات القتال من سورة الأنفال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم )) (الأنفال:24). فجعل القتال إحياءً لهم، فالقتال بهذا المعنى عبارة عن استخدام الإنسان ما يحفظ به حياته الاجتماعية الصالحة، ومن الضروري أنّ الفطرة السليمة قاضية بأنّ للإنسان التصرّف في كلّ ما ينتفع به في حياته. وإن شئت قلت: أنّه بعدما لا ريب في أنّ للإنسان فطرة، ولفطرته حكم وقضاوة، لا شبهة في أنّ فطرته تقضي قطعياً بأنّه لا بدّ أن يكون للإسلام حكم دفاعي في تطهير الأرض من لوث الشرك بالله، الذي فيه هلاك الإنسانية وموت الفطرة، وفي القتال دفاع عن حقّها، فالقتال مع المشركين إنّما يكون لإماتة الشرك وإحياء التوحيد, وهذه جهة أُخرى في الردّ على ما ذكروه إيراداً على الإسلام. وممّا أوردنا لك من كلام السيّد الروحاني يظهر لك أنّ القتال الذي يدعو له الإسلام من أجل إعلاء كلمته، هو قتال الجماعات التي تكوّن كياناً خاصاً بها، كالدولة والقبيلة والقرية، وهذا ما كان يفعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غزواته الكثيرة، وأمّا أن يقتل كلّ فرد بعد إسقاط كيان تلك الجماعة فهذا ما لم يفعله, كما في مشركي قريش, ذلك أنّ أثر هؤلاء الأفراد لا يُعتدّ به على الإسلام، أمّا لو كان هنالك أشخاصاً خطرين على الإسلام كان لا بدّ من قتلهم، كما فعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع بعض مشركي قريش؛ إذ أمر بإهدار دمهم حتّى لو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة. والذي يذكره الفقهاء هو هذا المعنى من إسقاط دولة الكفر وتعريضهم للقتل أو للإسلام فإنّه يطبّق على بعض الأفراد الخطرين الذين يحاربون الإسلام. وقال العلامة الطباطبائي في (الميزان): ((ثمّ القتال الابتدائي الذي هو دفاع عن حقّ الإنسانية وكلمة التوحيد لم يبدأ بشيء من القتال إلاّ بعد إتمام الحجّة بالدعوة الحسنة كما جرت عليه السُنّة النبوية، قال تعالى: (( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (النحل:125)، والآية مطلقة، وقال تعالى: (( لّيَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَة وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيّنَة )) (الأنفال:42). وأمّا ما ذكروه من استلزامه الإكراه عند الغلبة، فلا ضير فيه بعد توقّف إحياء الإنسانية على تحميل الحقّ المشروع على عدّة من الأفراد، بعد البيان وإقامة الحجّة البالغة عليهم، وهذه الطريقة دائرة بين الملل والدول؛ فإنّ المتمرّد المتخلّف عن القوانين المدنية يُدعى إلى تبعيّتها، ثمّ يُحمل عليه بأي وسيلة أمكنت، ولو انجرّ إلى القتال حتّى يطيع وينقاد طوعاً أو كرهاً، على أنّ الكره إنّما يعيش ويدوم في طبقة واحدة من النسل، ثمّ التعليم والتربية الدينيان يصلحان الطبقات الآتية بإنشائها على الدين الفطري وكلمة التوحيد طوعاً)). ثمّ إنّ الإسلام لا يدعو إلى قتل الأطفال والنساء وضعاف العقول. ولو فرض مع كلّ ذلك أن كانت هناك مفسدة كبيرة من وراء قتلهم، فهناك رخصة إلى حكم آخر، كالمهادنة والمصالحة، لضرورات يقتضيها ذلك الظرف. دمتم في رعاية الله