تاريخ الاسلام
من كان أشد ظلما على أهل البيت بني أمية ام بني العباس (العباسيين) وماهي جرائم بنو العباس بحق أهل البيت عليهم السلام؟
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم لا يفترق العبّاسيّون عن بني أميّة في شيء، لا في الظلم والقسوة، ولا في الفسوق والفجور، ولا في الاستهتار والزندقة، فالغاية واحدة عند الجميع، وهي الانتفاع والاستقلال، والمبدأ واحد وهو اللامبالاة بالدين والقيم، فالكلّ ركب متون الأهواء وسلك طريق الضلال، من قطع الرؤوس، ونصب المشانق، وهدم الدور على الأحياء، وما إبراهيم وأخوه السفّاح إلا كمعاوية، وما المنصور والرشيد إلاّ كهشام، وما المتوكّل إلا كيزيد بن معاوية، فلقد يتّخذون من القتل وسيلة لتوطيد سلطانهم، أو لحفظ الأمن بزعمهم، وأشار بعض المحققين إلى وجود فرق بين الأُمويّين والعبّاسيّين ،وهو أن الذي دعا الأُمويّين لحرب الهاشميّين شيئان: الانتقام من الرسول، والتسلّق للزعامة، والذي دعا العبّاسيّين: نيل العروش والذبّ عنها فقط، دون أن يكون منهم حرب مع النبيّ وشريعته بقصد، وإن كان حربهم لعلماء الشريعة حرباً للشريعة وللصّادع بها. ولو ألقيت نظرة مستعجلة على ما لقيه أهل البيت من أجل تقمّصهم بالفضائل لعرفت كيف تحارب الدنيا الدين، وكيف انطبع الناس على حبّ الدنيا وحلفائها، وعلى عداء الدين وحلفائه، ولأبصرت أن بني العبّاس جَروا في مضمار بني أُميّة، وإن سبقوهم شوطاً بعيداً في حرب أهل البيت. قتلَ بنو أُميّة الحسين بن علي عليهما السلام في الطفّ ومعه صفوة زاكية من أهل بيته، ونخبة صالحة من أصحابه، حيث وثب مُنكِراً عليهم تلاعبهم بالدين حسب الأهواء، وقتَل بنو العبّاس الحسين بن علي بفخّ ومعه غرانيق من العلويّين عزَّ على وجه الأرض نظيرهم، حين نهض مُنكِراً عليهم ما ارتكبوه من الأعمال التي أغضبوا بها الدين وأهله. سمَّ بنو أُميّة من الأَئمة ثلاثة: الحسن والسجّاد والباقر عليهم السلام، وسمَّ بنو العبّاس منهم ستة: الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام. أرسل هشام بن عبد الملك على الباقر والصادق عليهما السلام إلى الشام لينال منهما سوءً فحين حلا بالشام لم يجد بدّاً من إكرامهما وتسريحهما إلى المدينة حذراً من أن يفتتن بهما الناس، وأمّا بنو العبّاس فلم يتركوا إماماً يقرّ في بيته، أرسل السفّاح خلف الصادق، وأرسل المنصور أيضاً خلفه مرّات عديدة، وأرسل الرشيد خلف الكاظم وحبسه ثمّ أطلقه، ولم يطل العهد حتّى أرسل عليه مرّة أُخرى، فما خرج من الحبس إلا وهو قتيل السمّ، ولا تسل عمّا ارتكبه معه حين إخراجه من السجن والنداء عليه على الجسر، وأرسل المأمون خلف الرضا إلى طوس، فما عاد إلى أهله بل عاجله بالسمّ وهو في خراسان، وأرسل خلف الجواد ثمّ سرَّحه من دون أن يأتي اليه بسوء، وما قبض المعتصم زمام الأمر إِلا وأرسل خلف أبي جعفر الجواد عليه السلام وحبسه، وما أطلقه من السجن حتّى دبَّر الحيلة في قتله بالسمّ، وأرسل المتوكّل خلف أبي الحسن الهادي عليه السلام وجدَّ في النيل من كرامته إلى أن هلك، وما زال يلاقي من ملوك العبّاسيّين ضروب الأذى والتضييق، يسجن مرَّة ويطلق أُخرى إلى أن سقاه المعتز السمّ، وبقي ولده أبو محمّد الحسن عليه السلام في سامراء، لا يأذنون له بالإياب إلى المدينة، ولا يتركونه قارّاً في بيته، بل يحبسونه مرَّة ويطلقونه أُخرى، إلى أن قضي بسمّ المعتمد، وصار يفحص عن ابنه أبي القاسم حين علم أن له ولداً ابن خمس يريد أن يقبضه ليقضي عليه، فتغيّب هارباً من جورهم وفتكهم حتى اليوم. أباد الاُمويّون جماعة من العلويّين بالسمّ والحبس والقتل والصلب أمثال زيد ويحيى وفئة أُخرى يوم الحرَّة، وعبد اللّه أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة على قول وغيرهم، وأين هؤلاء من تلك العدَّة التي أبادها العبّاسيّون وكفى منهم قتلى فخ والعصابة التي قضوا في قعر السجون، وما ارتقى العرش عبّاسي إلا وقتل جماعة من العلويّين. هرب من جور الأمويّين أمثال يحيى وعبد اللّه الجعفري وعدّة اُخرى ولكن أنَّى تُقاس كثرة بالذين هربوا واختفوا خوفاً من العبّاسيّين، وأين أنت عن القاسم وأحمد ابني الامام الكاظم عليه السلام وعيسى بن زيد وغيرهم، بل لم ينتشر العلويّون في الأقطار النائية كالهند وايران إلا هرباً من بني العبّاس وحذراً من بطشهم، وكان الكثير منهم يخفي نسبه حذراً من ولاتهم. ولئن غدر الاُمويّون ببعض العلويّين والعبّاسيّين فقتلوهم سمّاً فلا تسل عمّن غدر به العبّاسيّون من العلويّين، ولو تصفَّحت «مقاتل الطالبيّين» لعرفت ما ارتكبه منهم بنو العبّاس. ولئن أحرق الاُمويّون بيوت أبناء الرسالة يوم الطف، فلقد أحرق العبّاسيّون دار الصادق عليه وعلى عياله، حتّى خرج الصادق اليها فأطفأها وقد سرت في الدهليز. ولئن سلب الاُمويّون بنات الرسالة يوم الطف، فلقد أرسل الرشيد قائده الجلودي إلى المدينة ليسلب ما على الطالبيّات من حليّ وحلل، فكان الجلودي أقسى من الجلمد في إمضاء ما أراده فلم يترك لعلويّة ولا طالبيّة حلَّة ولا حلية. وسيَّر هشام بعد حادثة زيد كل علوي من العراق إلى المدينة وأقام لهم الكفلاء ألا يخرجوا منها، وسيَّر موسى الهادي بعد حادثة فخ كلّ علوي من المدينة إلى بغداد حتى الأطفال فأُدخلوا عليه وقد علتهم الصفرة ممّا شاهدوه من الرعب والتعب والأحداث. وهكذا لو أردنا أن نقايس بين أعمال الدولتين، فلا نجد للاُمويّين حدثاً في الإساءة لأهل البيت إلا وللعبّاسيّين مثله مضاعفاً، فكأَنما اتخذوا تلك الخطّة مثالاً لهم يسيرون عليها، وزاد العبّاسيّون أن اختصّوا بأشياء من فوادحهم مع العلويّين لم يكن للاُمويّين مثلها، كجعلهم العلويّين بالأبنية والاسطوانات حتّى جعل المنصور أساس بغداد عليهم، ولا تنسل عمّن وضعه الرشيد في تلك المباني من الفتية العلوية البهاليل. وقطع الرشيد شجرة عن قبر الحسين عليه السلام كان يستظلّ بها زائروه، وهدم المتوكّل قبره وما حوله من الأبنية والبيوت، وحرث أرض كربلاء وزرعها ليخفي القبر وتنطمس آثاره، حتّى قيل في ذلك: تـاللّه إِن كانت اُميّــــــة قد أتت *** قتل ابن بنت نبيّها مظلوما فلقــــد أتتــــــه بنو أبيه بمثله *** فغدا لعمــرُك قبره مهـدوما أسفوا على ألا يكونوا شاركوا *** في قتلــه فتتبعــــوه رميما ولقد كانت أيام بني اُميّة ألف شهر وقد قتلوا فيها الأماثل من العلويّين ولو حسبت من بدء أيام بني العبّاس إلى ألف شهر لوجدت إن العبّاسيّين قد قتلوا من العلويين أضعاف ما قتله الاُمويّون، وما قتلوهم إلا وهم عالمون بما لهم من فضل وقربى، وهذا موسى بن عيسى الذي حارب أهل فخ يقول عن الحسين صاحب فخ وأصحابه: هم واللّه أكرم خلق اللّه وأحقّ بما في أيدينا منّا ولكنّ المُلك عقيم، لو أنّ صاحب هذا القبر - يعني النبي صلّى اللّه عليه وآله - نازعنا المُلك ضربنا خيشومه بالسيف. على أن هذا الآثم الجريء اعترف بذنبه، ولكنه لم يذكر الحقيقة كلّها لأن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والصفوة من آله لم يطلبوا المُلك للمُلك، وإِنَّما يطلبونه للدين وللأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولإزالة البدع والضلالات ولو طلبوا المُلك للمُلك لما رشقنا الاُمويّين والعبّاسيّين بنبال اللوم على ما جنوه مع الطالبيّين، وهل يُلام الظافر بقرينه إِذا تجالدا على السلطان. أترى أن الحسين في نهضته، وزيداً في وثبته، ويحيى في جهاده، والحسين بفخّ في دفاعه، وأمثالهم من الطالبيّين أهل الدين والبصائر، كانوا يضحُّون بالنفس والنفائس لأجل السلطان، وكيف يتطلّبون الدنيا محضاً وهم دُعاة الدين، وأدلاء الهدى، ومصابيح الرشاد، وكيف يتطلّبون المُلك وهم يعلمون أن ما لديهم من قوَّة لا يفوز بها الناهض بالظفر والنصر، نعم ضحّوا بتلك النفوس الثمينة والنفائس لما عرفوه من أن الدين أنفس من نفوسهم، ومن استغلى الثمن هان عليه البيع، وهل عرف الناس الحقّ صراحاً، والدين يقيناً، إِلا بعد تلك القرابين، وهل ظهر الحقّ على الباطل في الحجّة والبرهان إِلا بعد ذلك الفداء. كانت واقعة الطفّ وتضحيات العلويّين مثالاً لأرباب الدين وتعليماً لرجال الحقّ عند المنافسة بين الهدى والضلال، والحقّ والباطل، ولم تدع عذراً لدعاة الدين عن الفداء في سبيل النصرة، فإنهم بأعمالهم علّموهم كيف يكون الانتصار في هذه التضحية، وكيف تكون الحياة في هذا الممات، وإِنَّ تلك التجارب للجام الأفواه عن العذر بالعجز، إِذ ليس النصر لفوز العاجل وإِلا فإن يوم الحسين وأيام العلويّين كانت أيام الظفر لأعدائهم، ولكن ما عرف النّاس إلا بعد حين أن الظفر والفوز كانا لأُولئك العلويين الناهضين الذين بذلوا ما لديهم في سبيل الدين، وأن الخسران في الدنيا والدين لأعدائهم الظافرين في يومهم. وبتلك الحوادث بانَ للعالم ما كان عليه أهل البيت من الدين والجهاد في إِحياء الشريعة، وما كان عليه أعداؤهم من الدنيا والحرب للدين، واتضحت نوايا الفريقين، وبانت أقصى غاياتهم من أعمالهم هاتيك، وإِلا فأيّ ذنب للطفل الرضيع وقد جفَّ لبنه وذبلت شفتاه عطشاً أن يقتل على صدر أبيه، حتّى يتركه السهم يرفرف كالطير المذبوح. وأيّ ذنب للأطفال الذين لم يحملوا السلاح، ولم يلجوا حومة الحرب أن يُذبحوا صبراً، أو يُداسوا بالخيل قسراً. وأيّ ذنب للنساء عقائل الرسول صلّى اللّه عليه وآله أن تسبى على الهزل بعد السلب والسبّ الضرب، ولماذا تُحمل من بلد لآخر كما تساق الإماء. ولو أن الحسين ورهطه قد حاربوا طلباً للسلطان لما استحقَّ بعد القتل أن يُداس جسمه ويُرفع على القناة رأسه، وتُسبى على المهازيل أهله، أترى أن قطع الرؤوس، ورضّ الصدور والظهور بسنابك الخيل، وسلب الجثث وتركها عارية، وإِبقاءها بالعراء بلا دفن، وأخذ النساء أسارى مّما يُجازى به القتيل الناهض للمُلك والسلطان. إِن الذي يذر الملح على الجرح، وينكأ القرحة، ويزيد في النكبة أن القوم لم يفعلوا بالحسين وأهله تلك الفعلة النكراء الفظيعة عن جهل بمقامه، واعتقاد بخروجه عن الدين، بل إِنهم ليعلمون أنه صاحب الدين، وربّ الخلافة والامامة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة الرسول، بل يعلمون بكل ما له من سابقة وفضل. وهكذا لو فتّشت عن الأمر في غير الحسين عليه السّلام فإنك لتجد الحال في زيد ويحيى وأهل فخ، وما سواهم من أمثال أهل البيت الذين كانوا طعمة للسيوف، ومنتجعاً للسمّ، ووقفاً على الحبوس، كالحال في الحسين في المعرفة بهم والعمد على ظلمهم. فلا بدع إِذن لو وضح للعالَم من تلك المواقف المشهودة، والمشاهد المعلومة، أن الحرب بين أهل البيت وبين أعدائهم من نوع حرب الفضيلة والرذيلة، وأن الذين يريدون العروش لا يستطيعون نيلها إِلا بمحاربة أهل البيت ومحوهم من صفحة الوجود، لأنهم يعتقدون أنهم لا يصلون إِلى الغاية ولأهل البيت شبح قائم، وظلّ يتفيّأه الناس، فما كانت جناية أهل البيت إِذن لدى الناس إِلا أنهم أهل الدين، وأرباب الفضائل، فلا ترتقي الناس أرائك الخلافة وأهل البيت أكفاؤها الذين خُلقت لهم وخُلقوا لها تعرفهم الأُمّة قياماً بين أبناء الاسلام. دمتم في رعاية الله