السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
جاء في مجمع البيان ، للشيخ الطبرسي ، ج5 ، ص 132-133:
{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ومعناه : ليس للنبي والمؤمنين أن يطلبوا المغفرة للمشركين الذين يعبدون مع الله إلها آخر ، والذين لا يوحدونه ، ولا يقرون بإلهيته {ولو كانوا أولي قربى} أي : ولو كان الذين يطلبون لهم المغفرة أقرب الناس إليهم {من بعد ما بين لهم أنهم أصحاب الجحيم} أي : من بعد أن يعلموا أنهم كفار مستحقون للخلود في النار .
وفي تفسير الحسن : إن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ألا تستغفر لآبائنا الذين ماتوا في الجاهلية؟ فأنزل الله سبحانه هذه الآية ، وبين أنه لا ينبغي لنبي ، ولا مؤمن ، أن يدعو لكافر ، ويستغفر له وقوله : {ما كان للنبي} أبلغ من أن يقول لا ينبغي للنبي ، لأنه يدل على قبحه ، وأن الحكمة تمنع منه ، ولو قال لا ينبغي ، لم يدل على أن الحكمة تمنع منه ، وإنما كان يدل على أنه لا ينبغي أن يختاره ، ومعناه : لم يجعل الله في دينه ، ولا في حكمه أن يستغفرون للمشركين ، ولو دعتهم رقة القرابة ، وشفقة الرحم إلى الاستغفار لهم بعد ما ظهر {أن لهم عذابا عظيما} ثم بين سبحانه الوجه في استغفار إبراهيم لأبيه مع كونه كافرا سواء كان أباه الذي ولده ، أو جده لأمه ، أو عمه على ما رواه أصحابنا ، فقال : {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه} أي : لم يكن استغفاره له إلا صادرا عن موعدة وعدها إياه .
واختلف في صاحب هذه الموعدة : هل هو إبراهيم وأبوه ، فقيل : إن الموعدة كانت من الأب ، وعد بها إبراهيم ، أنه يؤمن إن استغفر له لذلك {فلما تبين له أنه عدو لله} ولا يفي بما وعد {تبرأ منه} وترك الدعاء له ، وهو المروي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، إلا أنهم قالوا : إنما تبين عداوته لما مات على كفره . وقيل : إن الموعدة كانت من إبراهيم قال لأبيه : إني استغفر لك ما دمت حيا ، وكان يستغفر له مقيدا بشرط الإيمان ، فلما آيس من إيمانه تبرأ منه وهذا يوافق قراءة الحسن : إلا عن موعدة وعدها أباه ، ويقويه قوله : إلا قول إبراهيم لأبيه : لأستغفرن لك ، وما أملك لك من الله من شيء .
{إن إبراهيم لأواه} أي : دعاء كثير الدعاء والبكاء ، عن ابن عباس ، وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام . وقيل : الأواه ، الرحيم بعباد الله ، عن الحسن وقتادة .
وقيل : هو الذي إذا ذكر النار قال : أوه ، عن كعب . وقيل : الأواه المؤمن بلغة الحبشة ، عن ابن عباس . وقيل : الأواه الموقن المستيقن ، عن مجاهد ، وعكرمة .
وقيل : الأواه العفيف عن النخعي . وقيل : هو الراجع عن كل ما يكره الله عز وجل ، عن عطا . وقيل : هو الخاشع المتضرع ، رواه عبد الله بن شداد ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
وقيل : هو المسبح الكثير الذكر لله سبحانه ، عن عقبة بن عامر . وقيل : هو المتأوه شفقا وفرقا ، المتضرع يقينا بالإجابة ، ولزوما للطاعة ، عن أبي عبيدة .
وقال الزجاج : وقد انتظم قول أبي عبيدة أكثر ما روي في الأواه {حليم} يقال بلغ من حلم إبراهيم عليه السلام أن رجلا قد أذاه وشتمه ، فقال له : هداك الله . وقيل : الحليم السيد ، عن ابن عباس ، وأصله أنه الصبور على الأذى ، الصفوح عن الذنب .
النظم : لما تقدم ذكر الكفار والمنافقين ، والمنع من موالاتهم ، والصلاة عليهم ، والقيام على قبرهم للدعاء لهم ، نهي عن دعائهم بعد موتهم . ولما نهى الله النبي والمؤمنين عن الاستغفار للمشركين ، ذكر قصة إبراهيم وعذره في الاستغفار لأبيه . وأما قوله {إن إبراهيم لأواه حليم} : فإنما اتصل بما قبله ، بأنه إذا كان له صفة الرأفة والرحمة ، يكون في دعائه أخلص ، وعلى خلاص أقربائه من العذاب أحرص ، ومع ذلك تبرأ منه لما يئس من فلاحه .
دمتم في رعاية الله