السلام عليكم ورحمة الله قرأت عدة اسئلة واجاباتكم الكريمة حول قضية السيدة مارية القبطية سؤالي هل يعقل ان رسول الله ص واله الحكيم الرحيم يإمر الامام علي بقتل جريح القبطي لمجرد ادعاء عائشة ان ابراهيم هو لجريح وليس لرسول الله دون التأكد ووجود دليل قاطع. دمتم برعاية الله
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم
ننقل لكم جوابا تفصيليا حول القضية في رسالة حول خبر مارية - للشيخ المفيد - الصفحة ١٦-٢٤:
بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين سألني - أطال الله بقاء السيد الشريف، الفاضل الجليل، وأدام الله تأييده ونعمته وتوفيقه - رجل من المعتزلة عن الخبر المروي عن النبي - صلى الله عليه وآله - في قصة (1) مارية القبطية - رحمها الله - وما كان من قذف (2) بعض الأزواج (3) لها بابن عمها، وقول النبي - صلى الله عليه وآله - لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام - خذ سيفك يا علي وامض. إلى بيت مارية، فإن وجدت القبطي فيه فاضرب عنقه.
فقال له أمير المؤمنين - عليه السلام -: إنك تأمرني يا رسول الله بالأمر، فأكون فيه كالسكة المحماة في ذات الوبر؟، فأمضي لأمرك في القبطي، أو يرى الشاهد ما لا يرى الغائب؟
فقال له النبي - صلى الله عليه وآله -: بل يرى الشاهد ما لا يرى الغائب.
فمضى أمير المؤمنين - عليه السلام - إلى بيت مارية القبطية، فوجد القبطي فيه، فلما رأى السيف بيد أمير المؤمنين - عليه السلام - صعد إلى نخلة في الدار، فهبت ريح كشفت عنه ثوبه، فإذا هو ممسوح، ليس له ما للرجال، فتركه أمير المؤمنين - عليه السلام - وعاد إلى النبي - صلى الله عليه وآله - فأخبره الخبر، فسري عنه، وقال: الحمد لله الذي نزهنا أهل البيت عما يرمينا به أشرار الناس من السوء والحديث مشهور وتفصيله عند أهل العلم مذكور.
فقال السائل: هذا الخبر عندكم ثابت، صحيح؟.
قلت: أجل، هو خبر مسلم، يصطلح على ثبوته الجميع.
فقال: خبرني إذن (1) ما وجه إطلاق النبي (2) - صلى الله عليه وآله - الأمر بقتل نفس على التهمة، من غير يقين (3) لما يوجب ذلك منها؟
وما وجه اشتراط (4) علي - عليه السلام - الرأي عند المشاهدة، وسؤاله عن امتثال الأمر على كل حال، أو على بعض الأحوال؟
وهل لاختلاف الحال في هذين المعنيين عندك وجه تذكره ببرهان (5)؟
فقلت له: قد تعلق بمضمون هذا الخبر طوائف من الناس، كل طائفة تبني (6) مذهبا لها، تأسيسه على الفساد:
فمنهم: الغلاة، المنتحلة للزيغ، زعمت أن أمير المؤمنين - عليه السلام - رمز بذكر: " الشاهد الغائب "، وعنى بمقاله: أنه مشاهد جميع الأشياء، وأن الأمر له في الباطن والتدبير، دون النبي - صلى الله عليه وآله -.
ومنهم: العامة والمعتزلة، المجوزة على النبي - صلى الله عليه وآله - الخطأ في الأحكام، زعموا أن إطلاق الأمر منه بقتل القبطي كان غلطا، عرفه أمير المؤمنين - عليه السلام - فنبهه بالاشتراط عليه، فلما سمع النبي - صلى الله عليه وآله - منه، رجع (7) إلى الصواب. ومنهم: الفرقة المنتسبة إلى موسى بن عمران (1)، القائلة بأن النبي -صلى الله عليه وآله - كان يشرع (1) بالنص تارة، وبالاختيار (2) أخرى. وأنه كان مفوضا إليه القول في الأحكام بما شاء وكيف شاء.
ومنهم:؟ أصحاب الرأي والاستحسان من متفقهة العوام - الذاهبين إلى أن النبي صلى الله عليه وآله - كان يحكم بالرأي ثم يرجع عنه، ويقول بالاستحسان ثم يتعقبه بالخلاف لما (3)، حسب ما يراه في كل حال.
ومنهم: مخالفوا الملة، من الزنادقة وأهل الذمة، فإنهم جعلوا ذلك حجة لهم فيما طعنوا به في نبوته - صلى الله عليه وآله.
فصل وقد ذهب جميع من ذكرناه عن الصواب في مضمون الخبر، وأسسوا قولهم فيه على مبنى (4) ظاهر الفساد.
ولأمر النبي صلى الله عليه وآله - بقتل القبطي واشتراط أمير المؤمنين - عليه السلام - الرأي فيه واستفهامه عن المراد، وجوه واضحة في الحق، لائحة لمن وقف عليها من ذوي الإنصاف - أنا أذكرها على التفصيل، لتعلم أيها السائل بها ما التمست علمه، وتبطل بها شبهة أهل الضلال، إن شاء الله.
فأول ذلك: أن أمر الحكماء في الاطلاق والتقييد، والاجمال والتفصيل بحسب معرفة المأمور، وحكمته وذكائه والاختصار (5)، فإن كان في الوسط منه احتاج إلى تأكيد وزيادة بيان (1). وإن كان دون ذلك احتيج معه إلى الشرح والتفصيل والإعادة للمقام والتكرار، حالا بعد حال.
وبحسب الثقة به في الطاعة أيضا، والسكون إلى سداده يختلف ما ذكرناه.
فهذا بين يتفق عليه كافة أهل النظر وجمهور العقلاء، فلا حاجة بنا إلى تكليف دليل عليه، لما (2) وصفعناه.
فإذا كان الأمر فيه على ما قدمناه لم ينكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وآله - أطلق الأمر بقتل القبطي - وإن كان الشرط لازما - لعلمه بأن أمير المؤمنين - عليه السلام - يعرف ذلك ولا يحتاج فيه إلى ذكره له في نفس الكلام.
ولو كان غير أمير المؤمنين - عليه السلام - المأمور - ممن لا يؤمن عليه فهل (3) الشرط والتعليق (4) بمطلق الأمر بالإقدام، على غير الصواب - يقيد له (5) الكلام، بجعل (6) الشرط فيه ظاهرا، ولم يجد عنه محيصا.
ولترك النبي صلى الله عليه وآله - التقييد في الأمر فائدة في الإبانة عن فضل أمير المؤمنين - عليه السلام - على الجماعة، بإظهار الاشتراط فيه والاستخبار عن المراد، لتعلم الجماعة أنه قد عرف من باطن الحال ما كشفها لهم بالسؤال. ولأمير المؤمنين - عليه السلام - به فضيلة من جهة (1) أخرى:
وهي رفع الشبهة عمن لا بصيرة له بحق النبي صلى الله عليه وآله - ومنزلته من الله في غلطه، وإقدامه على قتل من هو برئ محقون الدم عند الله، ليبين له مراده في الاشتراط، ويعلمه أنه - وإن أطلق الأمر - فإنما قصد به ما ظهر فيه بالبيان. ولو كان النبي - صلى الله عليه وآله - اشترط في الكلام ما كان فيه في الجواب لم (2) يبن لأمير المؤمنين - عليه السلام - الفضل الذي أبانه (3) الاشتراط والاستفهام.
ولو ترك أمير المؤمنين - عليه السلام - الاشتراط والاستفهام وعمل على علم بالباطن وكف عن قتل القبطي لمشاهدته الحال، لم يبن (4) من فضل رسول الله - صلى الله عليه وآله - للكافة ما أبانه الاستفهام، ولظن كثير من الناس أنه - عليه السلام - أخطأ في الأمر المطلق بقتل الرجل، وإن عليا أصاب في خلافه الظاهر بشاهد الحال، وكان في إطلاق النبي صلى الله عليه وآله - الأمر لعلي - عليه السلام -، واستفهام أمير المؤمنين - عليه السلام - له عن المراد وكشفه لذلك ما استنبطه من الكلام، من الفوائد في فضلهما وعصمتهما ونطقهما عن الله - عز وجل - ما بيناه عنه (5) وأوضحناه، ولم يبق لمخالف الحق طريق معه إلى إثبات شئ من الشبه التي تعلق بها فيما حكيناه.
ووجه آخر: وهو أنه قد كان جايزا من الله تعالى أن يأمر نبيه - صلوات الله عليه - بقتل القبطي على جميع الأحوال، لدخوله بيت النبي - صلى الله عليه وآله - بغير إذنه له في ذلك، وعلى غير اختيار منه له ورأي، فاستفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - لهذه الحال، فأخبره بما عرف الحكم فيه وأنه غير مباح دمه على كل حال.
ويجوز ويمكن أن يكون الحكم فيه مفوضا إليه (1) - عليه السلام - فلما استفهمه أمير المؤمنين - عليه السلام - بان له حال التفويض إليه. فقال: إن شاهدته بريئا، فلك فيه الرأي، الآن اقتضت الحال التي تشاهدها منه قتله أو العفو عنه فذلك إليك (2)] (3)، وقد فوضت ما فوض إلي إليك، فاعمل فيه بما تراه.
وهذا - أيضا - مما دل الله - تعالى - به الأنام على مشاكلة أمير المؤمنين لنبيه - صلوات الله عليهما - في العصمة والكمال، ومشابهته (4) له في تدبير الدين والحكم في العباد.
ولو لم يقع الاطلاق في الأمر والاشتراط من أمير المؤمنين - عليه السلام - لما عرف ذلك، حسب ما بيناه. والله الموفق للصواب.
فقال السائل: هذا قد فهمته، وهو كلام واضح البيان في معناه، فما القول في نقض شبه من قدمت ذكره في الضلال؟
فقلت له: ثبوته على الوجه الذي أوضحت، كافي في إبطال جميع تلك الشبهات، إذ يهي دعاوى مجردة من بيان، لجا أصحابها في التعلق بها إلى الاضطرار إليها، لعدم الحجة بما ذكرناه لهم (5) فيها على زعمهم وتوهمهم الفاسد وظنهم المحال. فإذا ثبت لمضمون (1) الخبر من الأوجه الصحيحة ما أثبتناه، وكان في الامكان على ما ذكرناه، لم يكن للعدول (2) عنه طريق إلا التحكم (3) بالأماني الخائبات، والحمد لله.
فقال السائل: هو كذلك، ولا ينبغي للعاقل أن يظلم نفسه بمكابرة الحق واللجاج. وبالله التوفيق وصلواته على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.
دمتم في رعاية الله