( 20 سنة ) - العراق
منذ سنة

الإسلام والرحمة

إنّ ما فهمته من الإسلام عن الدنيا أنّه كلما زاد المسلم هَمّاً وغَمّاً وبُؤساً وإبتلاءً في الدنيا صار ذا درجة عالية في الآخرة، إذاً ما المقصود من أنَّ الإسلام دين الرحمة، أين هي الرحمة؟ لماذا أجد أحاديث تنصح بلبس الملابس الجميلة والتعطّر والتجمّل وأجد أحاديث أخرى تنصح بالزهد في الدنيا والإبتعاد عن ملذّات الحياة؟ لماذا أجد أحاديث تنصح بالعمل في الدنيا ومصادقة الأصدقاء والسرور وأجد أحاديث أخرى تنصح بالإكثار من العبادة وترك متاع الدنيا؟ إنني كلما أريد ان ابدع في الدنيا واتذكر هذه الاحاديث يذهب شغفي.


بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته اهلا بكم في تطبيقكم المجيب اخي الكريم لا يوجد هكذا فكر في الاسلام فالاسلام هو من يدعو للعلم والعمل الصالحين ما بقي الانسان ومساحة العمل بكل ما يمكن والسعي في هذه الدنيا مفتوحة ولا حدود لها ماداامت لم تكن في معصية الله تعالى يقول الله عز وجل: ((وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)) (القصص:77) فنصيبك من الدنيا مطلوب ولكن ليس هو الغاية القصوى التي ينشدها الانسان وانما الغاية القصوى هي ما يناله العبد في الاخرة ومن هنا يكون كل سعيه في الدنيا ونيله الدنيا مرحلة انتقالية الى الاخرة اما قضية الهم والبؤس على الانسان فليس الله تعالى يريد لعباده الهم والبؤس حاشا لله انما خلق بني ادم واراد لهم كل الخير نعم الدنيا بما لها من خصوصية ففيها الابتلاءات وفيها الآلام وفيها الحزن فمن اصابه شيء من هذا فعليه الصبر واياك ان تجزع فان كل هذا سوف ينقضي وينتهي وعليك السعي في نيل اعلى المراتب ولا تدخر جهدا في طاعة الله تعالى فليس المطلوب ان يذهب الانسان للبؤس او للهم ابدا وانما لو اصابه شيء من هذا فلا يجزع ولا يخنع ولا ييأس بل عليه ان يجمع قوته ويعد العدة للاقدام والتواصل الى ما هو افضل وافضل ومن هنا يتضح ما ذكره جنابكم الكريم من تلك الروايات التي تحث على العمل في الدنيا وان يكون الانسان بالمظهر الجميل والرائحة العطرة وكل ما يرتبط بالدنيا ولكن شريطة ان لا تكون هي الغاية وان لا يتعلق بالدنيا بما هي دنيا والا فالدنيا بما هي دنيا بلحاظ الاخرة ينبغي ان يزهد بها الانسان نعم الدنيا بما هي طريق للاخرة هي محببة ومطلوبة ومن هنا وردت الاحاديث الشريفة لا رهبانية في الاسلام فمن يدعو الى الرهبنة فهو على غير دين الاسلام وانما المطلوب هو الحياة والعيش الرغيد بما في طاعة الله لا في معصيته فالدنيا التي تؤدي الى معصية الله تعالى لا خير فيها وعليك ان تزهد فيها بكل ما فيها اما الدنيا التي تؤدي الى طاعة الله تعالى فهذه هي دنيا ممدوحة ومطلوبة وهي في الحقيقة بكل ما تصل فيها وترتقي فيها في المال والجاه وكل ما يرتبط بها انما هو ارتباط بالاخرة وبالله تعالى فالاسلام دين الامل الامل بلحاظ ما ينفعك حقيقة لا بما هو فناء وضياع فحدد بوصلتك ووجهتك بشكل دقيق وصحيح وانطلق الى اعلى المراتب والمقامات ومن هنا وردت بعض الروايات ان المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف في كل مجالات القوة والضعف مادام اللحاظ فيها هو الايمان فكل ما يعلو بالايمان فهو مطلوب في اعلى مراتبه ولا يوجد ما يحبّط من معنوياتك في تحصيله نعم ما يؤدي الى الضلال فالضعيف خير من القوي لان اي قوة تفترضها في الضلال هي في الحقيقة قوة ضياع للانسان بكل معنى الكلمة. والتعلق بالدنيا بما هي دنيا لا حرمة فيه مادام لا يؤدي الى الضلال والمعصية فملذات الدنيا لكم ولكن شريطة ان لا تضيع بكم ومن اخذ الدنيا طريقا للاخرة بكل تفاصيلها فقد فاز فوزا عظيما فان ما يناله هناك هو ننتاج سعيه هنا ومثلكم ان شاء الله وانتم اتباع اهل البيت عليهم السلام لا ترضون الا بما هو في اعلى المراتب هناك مما يحتم علينا ان نبذلك كل الجهد هنا في طاعة الله تعالى. ومن لم يقدر على هذا المقام الراقي والعالي فلا اقل من وجود موازنة بين مساعي الدنيا بما هي دنيا والدنيا بما هي طريق للاخرة وهذا يكون بمقدار اداء الواجبات والابتعاد عن المحرمات والملذات يمكن تصحيلها عن طريق الحلال وهذا المقدار ليس عسيرا عليكم بل هو يسير على امثالكم المؤمنين والله تعالى ولي التوفيق. تحياتي لكم ودمتم بحفظ الله ورعايته

1