تيمورلنك والتشيع
قرأت إحدى القصص عن تاريخ الإسلام القديم، ووجدت أن القائد المغولي تيمورلانك عندما علم بقصة قتل الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء بكى ودخل الإسلام، وقاد جيشاً جراراً نحو الشام، فقام بهدم قبر يزيد، وأمر (١٥٠٠) ألف مقاتل من جيشه بالتبول على قبر يزيد، وأمر باغتصاب جميع نساء بني أميه وحرقها، وقال: قتلت نساءكم ورجالكم إذ قتلتم ابن نبيكم. فما مدى صحة هذه الحادثة؟
لم نعثر على رواية صحيحة في كتبنا المعتبرة بهذا المعنى، نعم المُستفادُ مِن بعضِ الرواياتِ التاريخيّة أنَّ تيمورلنك كانَ مُحبّاً لأميرِ المؤمنينَ (عليه السّلام) ولأهلِ البيتِ (عليهم السّلام) ـ الذينَ تجبُ مودّتُهم ومحبّتُهم بنصِّ القرآنِ الكريم ـ، وكانَ مُبغِضاً لمعاويةَ بنِ أبي سفيان وابنِه يزيد لحربِهما ونصبِهما العداءَ لأهلِ البيتِ (عليهم السّلام)، ونحوِ ذلكَ من الاعتقاداتِ التي قد تُسمّى تشيّعاً بالمعنى الأعم.
ولكن لا يخفى أنَّ هذا المقدارَ من الاعتقاداتِ لا يدلُّ على كونِه إماميّاً اثني عشريّاً، بمعنى: الاعتقادِ بالإمامةِ الإلهيّةِ للأئمّةِ الاثني عشر (عليهم السلام) وخلافتِهم للنبي (صلى اللهُ عليه وآله)، والاعتقادِ بوجوبِ طاعتِهم ومتابعتِهم، والاعتقادِ بعصمتِهم، والتبرّي مِن ظالميهم وأعدائِهم، ونحوِ ذلكَ من الاعتقاداتِ التي تميّزُ الإماميّ عَن غيره.
ولم نعثر على ما يدلّ على كونِ تيمورلنك يعتقدُ بهذه العقائد، وقولهُ بمحبّةِ أهلِ البيت (عليهم السلام) والتبرّي مِن معاويةَ ويزيدَ ليسَ كافياً للقولِ بتشيّعهِ بالمعنى الأخصّ كما هوَ واضح.
وقد جاءَ في كتابِ [كيفَ ردَّ الشيعةُ غزوَ المغول ص280]: أنّ تيمورلنك وغيرَه منَ المغول ـ عدا جماعةٍ منهم كالسّلطانِ قازان ومحمّد خدابنده والشيخِ أويس وأولادِه ـ كان تشيّعُهم سياسيّاً نظريّاً، ولم يكُن عقائديّاً بأيّ درجةٍ مقبولة، وممّا يشهدُ على ضعفِ تشيّعِهم: أنّ تيمور غزا دولةَ السبداريّينَ الشيعةِ وغدرَ بمُلكِهم، كما غزا دولةَ المغولِ الإيلخانيّينَ الشيعةِ في بغداد.
وجاءَ فيهِ أيضاً: أنّ المغولَ ككلّ يحترمونَ الدينَ أيُّ دينٍ كما يُفهمُ مِن صحيفةِ شريعتِهم (الياسة)، لكنّهم لا ينظرونَ إلى الدينِ كما ينظرُ المؤمنونَ الصّادقونَ منَ الشعوبِ الأخرى، فالمغوليُّ الصّادقُ في تديّنِه خارجٌ عن القاعدةِ السائدةِ عندَهم وعن القيمِ العميقةِ التي ينشؤونَ عليها في عوائلِهم ومجتمعِهم، وهيَ المادّيّةُ والعنفُ والغرورُ القومي، ولهذا لم يتحسَّن سلوكُهم وتصرّفُهم بدخولِهم في الإسلامِ إلّا قليلاً.
وقد ذكرَ السيّدُ الأمينُ في [أعيانِ الشيعةِ ج3 ص649]: أنّه بالغَ جلُّ مَن ذكرَ تيمور منَ المؤرّخين َخصوصاً ابنُ عربشاه والقرمانيُّ في سبِّه وشتمِه ولعنِه، ووصفِه بأقبحِ الصّفاتِ، ونعتِه بأبشعِ النعّوت