في دعاء أبي حمزة الثمالي هناك فقرة (اللهم أني كلما قلت قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك ألقيت عليّ نعاسا اذا انا صليت وسلبت مناجاتك اذا انا ناجيت )
مالمقصود بها هل أن الله تبارك وتعالى لا يرغب أن يقوم العبد بهذه العبادات والسبب يعود للعبد لأن عند تكملة الدعاء يقول (لعلك رأيتني مستخفا بحقك فاقصيتني، أو لعلك رأيتني معرضا عنك فقليتني .....الخ ) .
فماذنب العبد الذي يريد أن يقوم بتلك العبادات من صلاة وقراءة قرآن ودعاء ومناجاة إذا كان الله تبارك وتعالى يلقي عليه النعاس .
تقبل الله صيامكم
السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا
إنّ الإمام ( عليه السلام )، أولا يذكر حالة تعرض للإنسان، ويصفها أولا، ثم يذكر العوامل التي قد تسببها، وهي حالة: الكسل والفتور في العبادة، وعدم القيام بحق الله عز وجل، وهو الحق الأعظم. فإذا كان القرآن الكريم، يقول: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، أي هدف خلقة الإنسان، وثمن خلقة الإنسان، وغاية خلقة الإنسان: هو أن ينشغل بالعبادة. والمراد بالعبادة هنا: معناها الشامل. فأحيانا ذهابك للعمل، مع أنك تكسب المال، إلا أنه عندما يكون بنية الاكتفاء والصرف على العيال، والتمتع بخيرات الله ونعمه، يكون عبادة. أي إذا كان نفس هذا السعي الدنيوي بهذه النية، يصبح عبادة.
وأمر أهلك بأخلاق منشرحة، ومع إخوانك بصدر واسع، ثم تقبل على هذه الحياة. فمثل هذه الضحكة، والمزحة، بإمكانك أن تحولها إلى عبادة. مثلما أن العبادات بالمعنى الاصطلاحي الخاص، مثل: الصلاة، والصيام، هي عبادة. تلك الأمور بإمكانك أن تجعلها عبادة. وهذا صريح أجوبة المعصومين (ع).
فقد جعل ذلك حتى في المقاربة الزوجية: صدقة، وعبادة، وثواب، إذا أراد الإنسان من ذلك إعفاف نفسه عن الحرام. فإذا كانت غاية خلقة الإنسان العبادة، بهذا المعنى الشامل، فمن المطلوب منه أن لا يفتر فيها، وأن لا يتكاسل عنها، وأن لا يتثاقل عن أدائها.
وهنا الحديث، وبشكل أخص، يشير فيه الإمام (ع) إلى حالة تعرض للإنسان، وهي: الكسل في العبادة بالمعنى الخاص: يريد أن يصلي، فيعرض له النوم. لكن لتكن ثمة جلسة ومباسطة، فلا مشكلة. أما ركعتان، تحتاجان إلى خمس دقائق، فبالنسبة إليه، فيها 20 مرة تثاؤب. بينما جلسة وضحكة وإلى آخره، فلا مشكلة فيها، ويمكنه أن يبقى فيها ساعتين. أما دعاء، مناجاة، وليس مقصود بها خصوص الدعاء الجماعي، لا. حتى الدعاء الفردي. فأحيانا الإنسان قد يتأثر في الدعاء الفردي، أكثر مما يتأثر في الدعاء الجماعي. وأحيانا عكس ذلك. فتراه قد يأتي لكي يقرأ، فإذا به يمل، وإذا به يتثاقل.
الإمام (ع) يصف هذه الحالة، يقول: ""اللهُمَّ إِنِّي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ تَهَيَّأْتُ وَتَعَبَّأْتُ"، أي: تجهزت، واستعديت، "وَقُمْتُ لِلصَّلَاةِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَنَاجَيْتُكَ"، فهذا كله استعداد، تعبئة، تهيئة. أذهب إلى البيت الحرام، يعني، أنا الآن آت إلى مكة المكرمة، بجوار الكعبة، فلأحيي الليل بالعبادة، لكن لا ألبث أن أذهب إلى هناك، فأصلي ركعتين، وأتعبد، حتى أكلُّ! أريد أن أبدأ مناجاة، أقرأ سطرين، ثم بعد ذلك أنشغل بهاتفي وما فيه من أمور! أو أبدأ بالتفرج هنا وهناك على الطائفين والراكعين! وأحيانا لا، الإنسان بينه وبين نفسه، "أَلْقَيْتَ عَلَيَّ نُعَاسًا إِذَا أَنَا صَلَّيْتُ، وَسَلَبْتَنِي مُنَاجَاتَكَ إِذَا أَنَا نَاجَيْتُ"، هذا هو ظاهر الأمر، أن النعاس ألقي علي، فما هو السبب؟ لذة المناجاة لا تكون عندي حتى أستمر فيها، فلماذا هذا؟ ما هي العوامل؟
"مَالِي كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ صَلُحَتْ سَرِيرَتِي، وَقَرُبَ مِنْ مَجَالِسِ التَّوَّابِينَ مَجْلِسِي عَرَضَتْ لِي بَلِيَّةٌ أَزَالَتْ قَدَمِي وَحَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ سَيِّدِي"، هذا توصيف للحالة. فما هي العوامل؟ لاحظوا تعبير الإمام (ع) في جهتين، الجهة الأولى: تعبير، لعل، لعل. وهذا يعلمنا عدم الجزميات، مع أن الإمام (ع) يعرف بالنسبة إلى هذا الشخص ما هي مشكلته تحديدا، ولكن يطرحها بصورة: لعله، أي: ربما. أما نحن فطريقتنا ماذا؟ أي خبر، انظر أنت، وامتحن نفسك مع نفسك ومع غيرك، لما تقول: فلان حدث قد وقع. فلان كان – مثلا - مستقيما، أصبح منحرفا. ففورا لديك جواب، وجواب جزمي وحتمي وليس من جواب آخر أصلا. فلان واحد قال هذه الكلمة، ففورا لديك جواب جزمي وحتمي، وليس من محل إلى: لعل، ولا مجال للتردد.
فالإمام كأنما يريد أن يعلمنا، أنه: إذا أردنا أن نحلل ظاهرة أو قضية، أن نضع احتمالات لها، ولا نطرح هذه الاحتمالات على أساس أنها جزمية، فنقول: ليس هناك غير هذا، فإما هكذا أو هكذا، إما جاهل أو مغرض. ونقفل الباب. إما هذا السبب أو ذاك السبب! من أين؟ هل نحن أحطنا علما بكل الأسباب والعوامل والجهات حتى نأتي ونقول: هذا هو فقط لا غير، أو إما هذا أو إما ذاك.
لعل - والله العالم - الإمام عندما يريد أن يبين لنا بهذا الأسلوب، أسلوب لعل، هو يريد أن يقول لنا: أنتم - يا أيها الناس - مع قلة علمكم، ونقص معارفكم، وعدم إحاطتكم بالأشياء، لا تجعلوا الأمور عندكم جزمية. لا تقولوا: بيس هناك إلا هذا السبب، ولا توجد إلا هذه الجهة. فما يدريكم أنه ليس هناك إلا هذا السبب، وما يدريكم أن هذا الترديد إما هكذا وإما كذاك، وانتهى. هل نحن عالمون بالغيوب؟! هذا واحد من الأمور.
الأمر الآخر: والله العالم، أن هذه الطريقة، "لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي،"، أَوْ لَعَلَّكَ رَأَيْتَنِي آلَفُ مَجَالِسَ ... المزید"، ستلاحظون 11 فقرة، أي 11 عاملا من العوامل، جاءت كلها بصيغة لعل. وهذا قد يعلمنا شيئا آخر، وهو أن الظواهر، سواء النفسية أو الاجتماعية، لا تعلل بشيء واحد، ولا تتأثر بشيء واحد، وقد يكون لها جهات متعددة.
فظاهرة معينة، قد يكون فيها جهة اقتصادية، وقد يكون فيها جهة اجتماعية، وقد يكون فيها جهة نفسية، وقد يكون فيها جهة نظرية وعلمية، وقد يكون فيها جهة شخصية خاصة بهذا الإنسان؛ لذلك – ربما - الإمام (ع) عدَّد عوامل مختلفة، وأوصلها إلى أحد عشر عاملا في هذه الظاهرة، ظاهرة أنه: لماذا أكون كسولا عن العبادة أو في العبادة؟
لأن الإنسان – أحيانا – لا يقوم أصلا وراء العبادة. فزيد من الناس، يقول لك: أنا من سنتين، لم أذهب إلى المسجد لصلاة الجماعة، كلها صلواتي فرادى، وهذا كسل عن العبادة. مثلا: أنا مقتصر فقط على الفرائض، هذا كسل أيضا عن العبادة.
وهناك - أحيانا - كسل في العبادة، مثلا: نفس الصلاة التي أصليها، أقرأها بتثاؤب يرقع تثاؤب، أو: ترى من يصلي مشغول بكل شيء إلا بالصلاة. فمرة يعدل لحيته، ومرة يعدل عقاله، ومرة يجر غترته، وأخرى يحك فخذه، وثالثة كذا، ورابعة كذا، وهذا شيء من الكسل والتثاقل في داخل العبادة، فليس فيها توجه، ولا التفات.
فالإمام (ع) يبين أحد عشر جهة. ، سنتعرض إليها بشكل سريع: "لَعَلَّكَ عَنْ بَابِكَ طَرَدْتَنِي، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَنِي"، وهذه عقوبة من العقوبات، نعوذ بالله منها. فإذا رأى إنسان نفسه غير مقبل على باب الله عز وجل، وغير طارق لبيت من بيوت الله، وغير قائم، وغير موفق للنوافل: لصلاة الليل، للدعاء، للمناجاة، للتوسل، فليعلم أنه يُحتمل أن يكون هذا عقابا من الله.
عقوبة، لا يعني أني يأتي الله ويصفعك على وجهك. يكفي أنه يجعلك لا تقبل على الدعاء، على المناجاة. لا تقبل على الله، بل تقبل على أعداء الله. لا تطلب من الله، بل تطلب من خلق الله. لا ترتاح إلى ذكر الله، بل تجلس إلى عامة الناس وتكلمهم في نكات وهرج وتعليقات وسخرية، فأنسك بهذا. أما إذا أنت منعم من الله، فأنسك بمناجاة الله عز وجل، وأنسك بذكر الله عز وجل، فإذا ما كان هكذا، فاحذر أن يكون ذلك عقوبة.
فلذلك واحد من الأسباب التي قد يتورط فيها الإنسان: أنه مطرود من رحمة الله عز وجل، مطرود من باب الله، مطرود من خدمة الله. فخدمة الله شرف، والناس، أو الدنيا، يتشرفون – مثلا - بخدمة هذا الرئيس، وهذا السلطان، فإذا جاؤوا مكانا، قالوا فيه: أنا نائب الرئيس الفلاني، فتمشي أموره. أنا نائب السلطان الفلاني، أنا نائب الملك الفلاني، أنا نائب السياسي الكذائي، فتمشي أمورهم.
أنا خادم زيد وعبيد، فكيف يكون خادم الله عز وجل؟ فإذا نُحِّيَ عن هذه الخدمة، عن هذه العبادة، فيقال له: أنت لست عبدي، لست بخادمي، لست قريبا مني. أنت مطرود عن بابي. فهذا شيء يحصل للإنسان، فيتثاقل عن العبادة، ويتكاسل عنها.
"
وأنت تلاحظ هنا ،ان الإمام (ع) يحمل الإنسان نفسه كل هذه المسؤولية. فلا يقول: أنت يا ربي صنعتني هكذا، وإنما أنا في مجالس البطالين، فأنت أيضا تركتني معهم، أنا يا رب كنت غير مستأهل للرحمة، فأنت أيضا حجبت رحمتك عني، وليس أن هناك أمرا جبريا علي. فأنا من قمت بالمقدمة، فترتبت عليها النتيجة. "رَأَيْتَنِي غَيْرَ شَاكِرٍ لِنُعْمَائِكَ"، فهذا ينتج نتيجة. "رَأَيْتَنِي آلَفُ مَجَالِسَ البَطَّالِينَ"، ينتج نتيجة. "رأيتني غير شاكر لنعمائك"، ينتج نتيجة. فالمسؤول الأول عن هذه النتائج، هو أنا الداعي، وهذا من أساليب التربية في الدعاء.
دمتم في رعاية الله