زهراء احمد ( 19 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

السلام عليكم نقرأ في القرآن الكريم. في قصص الانبياء كقصة النبي زكريا والنبي ابراهيم وقصة السيدة مريم عندما بشرهم الله بالبشرى انهم تعجبوا كقوله تعالى ( قالت انى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر والم اك بغيا ) لماذا تعجبت السيدة مريم علما ان النبي آدم خلقه الله من غير اب وام وكذلك النبي زكريا عندما بشره الله بيحيى والنبي ابراهيم عندما بشره الله باسحاق. عليهم السلام اجمعين. البشرى في قصصهم عليهم السلام جاءت خارقة للعادة والقوانين الطبيعية. وانهم على علم ودراية ان الله سبحانه قادر على كل شي كما مر في قصة النبي آدم وزوجه حواء. اذأ ما نوع التعجب هنا مع علمهم بقدرة الله سبحانه. وجزاكم الله خيرا.


عليكم السلام ١/ إنّنا نعلم أنّ هذه الدنيا هي دنيا العلل والأسباب، وأنّ الله قد دبّر أمر الخلق بحيث إنّ خلق كلّ كائن يتمّ ضمن سلسلة من العوامل. فلِكي يولد إنسان قرّر الله أن يكون ذلك عن طريق الإتّصال الجنسي، ونفوذ الحيمن في البويضة. لذلك حقّ لمريم أن تصيبها الدهشة وأن تتقدّم بسؤالها: كيف يمكن أن تحمل وتلد ويكون لها ولد بغير أن يكون لها أيّ اتّصال جنسي مع أيّ بشر؟ (قالت ربّ أنّى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر). فجاءتها الملائكة بأمر ربّها تخبرها بأنّ الله يخلق ما يشاء وكيفما يشاء، فنظام الطبيعة هذا من خلق الله وهو يأتمر بأمره، والله قادر على تغيير هذا النظام وقتمايشاء، فيخلق وفق أسباب وعوامل أُخرى غير عادية ما يشاء: (كذلك الله يخلق مايشاء). ٢/كان إِبراهيم يعلم جيداً أنّه من المستبعد أن يحصل له ولد ضمن الموازين الطبيعية، (ومع أن كل شيء مقدوراً للّه عزَّ وجلّ)، ولهذا أجابهم بصيغة التعجب: (قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون)... هل البشارة منكم أم من اللّه عزَّوجلّ وبأمره، أجيبوني كي أزداد اطمئناناً؟ إِنّ تعبير "مسّني الكبر" إِشارة الى ما كان يجده من بياض في شعره وتجاعيد في وجهه وبقية آثار الكبر فيه. ويمكن لأحد أن يشكل: بأنّ إِبراهيم (عليه السلام) قد سبق بحالة مشابهة حينما ولد له إِسماعيل (عليه السلام) وهو في الكبر... فَلِمَ التعجب من تكرار ذلك؟ والجواب: أوّلاً: كان بين ولادة إِسماعيل وإِسحاق (على ما يقول بعض المفسّرين) أكثر من عشر سنوات، وبذلك يكون تكرار الولادة مع مضي هذه المدّة ضعيف الإحتمال. وثانياً: إنّ حدوث ووقوع حالة مخالفة للموازين الطبيعية مدعاة للتعجب، وإِذا ما تكررت فلا يمنع من التعجب لحدوثها وتكرارها مرّة أُخرى. فولادة مولود جديد في هكذا سن أمر غير متوقع، وإِذا ما وقع فهو غريب وعجيب في كل الأحوال، وعلى أية حال... لم يدع الملائكة مجالا لشك أو تعجب إِبراهيم حيث (قالوا بشرناك بالحق) فهي بشارة من اللّه وبأمره، فهي حقُّ مُسَلَّمٌ به. وتأكيداً للأمر ودفعاً لأي احتمال في غلبة اليأس على إِبراهيم، قالت الملائكة: (فلا تكن من القانطين). لكنّ إِبراهيم (عليه السلام) طمأنهم بعدم دخول اليأس من رحمة اللّه إِليه، وإنّما هو في أمر تلك القدرة التي تجعل من اختراق النواميس الطبيعية أمر حاصل وبدون الخلل في الموازنة، (قال ومن يقنط من رحمة ربّه إِلاّ الضّالون). إِنّ الضالين هم الذين لا يعرفون اللّه وقدرته المطلقة، اللّه الذي خلق الانسان ببناءه العجيب المحير من ذرة تراب ومن نطفة حقيرة ليخرجه ولداً سوياً، اللّه الذي حوّل نخلة يابسة الى حاملة للثمر بإِذنه، اللّه الذي جعل النّار برداً وسلاماً... هل من شك بأنّه سبحانه قادر على كل شيء، بل وهل يصح ممن آمن به وعرفه حق معرفته أن ييأس من رحمته!!؟!! ٣/أمّا زكريا الذي كان يرى أن الأسباب الظاهرية لا تساعد على الوصول إِلى مثل هذه الأمنية، فإِنّه طلب توضيحاً لهذه الحالة من الله سبحانه: (قال رب أَنَّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقراً وقد بلغت من الكبر عتياً). "عاقر" في الأصل من لفظة "عقر" بمعنى الجذر والنهاية، أو بمعنى الحبس، وإِنّما يقال للمرأة: عاقر، لأنّ قابليتها على الولادة قد انتهت، أو لأنّ إِنجاب الأولاد محبوس عنها. "العتيّ" تعني الشخص الذي نحل جسمه وضعف هيكله، وهي الحالة التي تظهر على الإِنسان عند شيخوخته. إِلاّ أنّ زكريا سمع في جواب سؤاله قول الله سبحانه: (قال كذلك قال ربّك هو علي هين)(1). إِن هذه ليست بالمسألة العجيبة، أن يولد مولود من رجل طاعن في السن مثلك، وامرأة عقيم ظاهراً (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً)، فإِنّ الله قادر على أن يخلق كل شيء من العدم، فلا عجب أن يتلطف عليك بولد في هذا السن وفي هذه الظروف. لا شك أنّ زكريا كان مؤمناً بوعد الله، وكان مطمئناً لذلك، إِلاَّ أنّه لزيادة الإِطمئنان - كما أنّ إِبراهيم الذي كان مؤمناً بالمعاد طلب مشاهدة صورة وكيفية المعاد في هذه الحياة ليطمئن قلبه - طلب منربّه مثل هذه العلامة والآية، فخاطبه الله: (قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليالِ سوياً) واشغل لسانك بذكر الله ومناجاته. لكن، أية آية عجيبة هذه! آية تنسجم من جهة مع حال مناجاته ودعائه، ومن جهة أُخرى فإِنّها تعزله عن جميع الخلائق وتقطعه إِلى الله حتى يشكر الله على هذه النعمة الكبيرة، ويتوجه إِلى مناجاة الله أكثر فأكثر.

4