أعلم أنه قد وقع النزاع في أن دم المعصوم (عليه السلام) طاهر أو لا، وهذه المسألة وإن كان العلماء غير محتاجين إلى البحث عنها؛ لعدم حصول الابتلاء بها في هذه الأزمنة، فلو اتفق حضور المعصوم، واتفق الملاقاة بدمه المطهر، فهو حاضر يسأل عن حكم المسألة.
بل يمكن أن يقال بعدم جواز البحث عنها في حال الغيبة؛ لأن المعصوم (عليه السلام) غير حاضر حتى يؤخذ منه الأحكام الشرعية، وإنما يلزم استنباط الأحكام بالظنون المطلقة أو الخاصة من باب أكل الميتة والعمل بحكم الضرورة، حيث إنّا نعلم بعدم ارتفاع التكليف حينئذ، وأنه لابد من العمل بالأحكام الشرعية.
والمسألة في دم الإمام أو المعصوم(عليه السلام) لا ضرورة داعية إلى تحقيقها واستنباط حكمها، وإن الضرورات تتقدر بقدرها.
ولكن لما كانت تلك المسألة مشتملة على بعض المطالب الأصولية، والمعارف الدينية مع اشتهار البحث عنها في هذه الأزمنة، لا بأس في الإشارة إلى بعض ما قيل فيها دفعاً للشبهة عن الأذهان الضعيفة.
فنقول: حكم الشريعة في الدم نوعين نجس وطاهر، ولا معنى للقول بأصالة النجاسة في الدم إلّا دم ما له نفس سائله، وما يخرج منها عند الذبح أو كان غير مأكول اللحم، أمّا ما يتخلف في مأكول اللحم فطاهر، لكنه حرام أكله، إلا ما كان في اللحم مما يعد جزءاً منه.
وأدعى الفاضل الدربندي (رحمه الله) على طهارة دم المعصوم( عليه السلام) الاجماع - بل الضرورة - على طهارته، وقال: إن المخالف كان ضعيفاً نادرا، بل سرى حكم الطهارة إلى دماء المستشهدين بين يدي سيد الشهداء (عليه السلام) التي سفكت في كربلاء، وكذا الدم الموجود تحت الأحجار عند قتل سيد الشهداء أرواحنا فداه، ولسنا هنا بصدد بيان تفصيل هذه المسألة، واستدلالات الطرفين، والترجيح بين الأدلة الموهونة وغير الموهونة الصادرة من الفريقين، وذكر أسماء القائلين من الطائفتين، ولكن نبين هنا دقيقة لطيفة يتبين بها حقيقة المسألة.
وهي ليس في دم المعصوم (عليه السلام) خباثة بالمرة لا ظاهرية ولا باطنية، بل هو طهر طاهر مطهر من طهر طاهر مطهر في غاية الطهارة، وآية التطهير أيضاً تدل على حكم المسألة، فكما أن السكر المغصوب ليس فيه خباثة ذاتية، بل هو في غاية اللطافة، لكن عرض عليه حكم الاجتناب عنه من جهة الغصب والمصالح الخارجية، فيقال: إن وجوب الاجتناب فيه إنما هو من الأحكام التعبدية لا أنه من جهة الخباثة والنجاسة.
فيتبين أن المراد من الحكم بنجاسته، ليس إلّا وجوب الإحتراز عنه في الصلاة مثلاً، أو الأكل والشرب ونحو ذلك، بحسب القواعد الشرعية من جهة المصالح الخارجية، كما في اجتناب السكر المغصوب، وحرمة أكل الدم الطاهر المتخلف في الذبيحة، ودم ما لا نفس سائله لها، إذ لو بني على عدم غسله مثلاً والحكم بالطهارة لزم الهرج والمرج في الشريعة، لا من جهة نجاسة دمهم(عليهم السلام) ذاتاً والعياذ بالله بل من جهة حفظ المصالح الخارجية.
فدماؤهم (عليهم السلام) أطهر وألطف من كل لطيف ونظيف بمراتب كثيرة.
فالأنوار اللطيفة في غاية اللطافة لا تعرضها الخباثة، ولذا كانت رائحته من المعصوم (عليه السلام) كالمسك الأذفر.