( 22 سنة ) - العراق
منذ سنتين

سبب خلق البشرية

لماذا خلق الله الناس أجمعين؟ ولماذا أعطاهم الله العقل؟


الهدف من الخلق: في الوقت الذي لا يعترف المادّيون بهدف للخلق، لأنّهم يعتقدون أنّ الطبيعة الفاقدة للعقل و الشعور و الهدف هي التي ابتدأت الخلق، و لهذا فإنّهم يؤيّدون اللغوية و عدم الفائدة في مجموعة الوجود، فإنّ الفلاسفة الإلهيين و إتباع الأديان جميعا يعتقدون بوجود هدف سام للمخلوقات، لأنّ المبدئ للخلق قادر و حكيم و عالم، فمن المستحيل أن يقوم بعمل لا فائدة فيه. و هنا ينقدح هذا السؤال: ما هو الهدف؟ قد نتوهّم أحيانا نتيجة قياس اللّه سبحانه على ذواتنا و أنفسنا و نتساءل: هل كان اللّه محتاجا و ينقصه شي‏ء، و كان يريد بخلق الوجود، و من جملته الإنسان، أن يسدّ ذلك النقص و يرفع تلك الحاجة؟ هل هو محتاج لعبادتنا و دعائنا و مناجاتنا؟ هل كان يريد أن يعرف فخلق الخلق ليعرف؟ إلّا أنّ هذا كما قلنا خطأ كبير ناشئ من المقارنة بين اللّه و خلقه، في حين أنّ هذه المقارنة و القياس غير الصحيح هو أكبر سدّ و مانع في بحث معرفة صفات اللّه، و لذلك فإنّ أوّل أصل في هذا البحث هو أن نعلم أنّ اللّه سبحانه لا يشبهنا في أي شي‏ء. فالإنسان موجود محدود من كلّ النواحي، و لذلك فإنّ كلّ مساعينا هي من أجل رفع نواقصنا و احتياجاتنا، ندرس لنتعلّم فنمحو نقص جهلنا، و نسعى للعمل و الكسب لدفع الفقر و نكسب الثروة، نهيّئ الجيوش و القوى لنسدّ النقص في قوانا أمام العدوّ، و حتّى في الأمور المعنوية أو تهذيب النفس أو التكامل المعنوي و الروحي، فإنّ السعي و الجدّ في كلّ ذلك من أجل رفع النواقص ... المزید ولكن، هل من المعقول أن يقوم الوجود المطلق غير المتناهي في كلّ الجهات (فعلمه و قدرته و قوّته غير محدودة، و لا يعاني أي نقص في الوجود) بعمل لرفع حاجته؟ يتّضح من هذا التحليل أنّ الخلق ليس عبثا من جهة، و من جهة أخرى فإنّ الهدف من الخلق لا يعود إلى الخالق. و هنا يمكن أن نصل ببساطة إلى نتيجة، و هي: أنّ الهدف، حتما و بلا شكّ، أمر يرتبط بنا. و مع ملاحظة هذه المقدّمة يمكن التوصّل إلى أنّ هدف الخلقة هو تكاملنا و ارتقاؤنا و لا شي‏ء سواه. و بتعبير آخر فإنّ عالم الوجود بمثابة مدرسة لتكاملنا في مجال العلم. و دار حضانة لتربية و تهذيب نفوسنا. و متجر لكسب الموارد المعنوية، و أرض زراعية غنيّة صالحة لإنتاج أنواع المحصولات الإنسانية. أجل‏ «الدنيا مزرعة الآخرة ... الدنيا دار صدق لمن صدقها، و دار غنى لمن تزوّد منها، و دار موعظة لمن اتّعظ بها» (نهج البلاغة، الكلمات القصار، رقم ۱۳۱). إنّ هذه القافلة قد تحركت من عالم العدم، و هي تسير دائما إلى ما لا نهاية له. و يشير القرآن المجيد إشارات قصيرة عميقة المعنى جدّا في آيات مختلفة إلى وجود هدف معيّن من الخلق من جهة، و من جهة أخرى فإنّه يشخّص هذا الهدف و يوضّحه. فيقول في الجانب الأوّل: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَ‌كَ سُدًى﴾ (القيامة، ۳۶) ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْ‌جَعُونَ﴾ (المؤمنون، ۱۱۵) ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْ‌ضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُ‌وا﴾ (سورة ص، ٢۷) و في الجانب الآخر، فإنّه جعل هدف الخلق في بعض الآيات عبودية اللّه و عبادته: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات، ۵۶)، و من البديهي أنّ العبادة منهج لتربية الإنسان في الأبعاد المختلفة ... العبادة بمعناها الشمولي التي هي التسليم لأمر اللّه ستهب روح الإنسان تكاملا في الأبعاد المختلفة، و قد بيّنا تفصيله في ذيل الآيات المرتبطة بالعبادات المختلفة. و يقول: أحيانا إنّ الهدف من الخلقة هو إيقاظكم و توعيتكم و تقوية إيمانكم و اعتقادكم: ﴿اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْ‌ضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ‌بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌﴾ (الطلاق، ۱٢). و يقول تارة: إنّ الهدف من الخلق هو اختبار حسن عملكم: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ (الملك. ٢). إنّ الآيات الثلاث آنفة الذكر و التي يشير كلّ منها إلى بعد من أبعاد وجود الإنسان الثلاث- بعد الوعي و الإيمان، و بعد الأخلاق، و بعد العمل- تبيّن هدف الخلق التكاملي الذي يعود على الإنسان نفسه. و يجدر أن نشير إلى هذه «اللطيفة»، و هي أنّه لمّا كانت آيات القرآن غير حاوية لكلمة التكامل، فإنّ بعضا يتصوّر أنّها من الأفكار المستوردة، إلّا أنّ الردّ على مثل هذا التصّور أو الإشكال واضح، لأنّنا لسنا في صدد الألفاظ الخاصّة، فمفهوم التكامل و مصاديقه جليّة في الآيات آنفة الذكر، ترى ألم يكن العلم مصداقه الواضح .. أم لم يكن الارتقاء في العبودية و حسن العمل من مصاديقه! فنحن نقرأ في الآية (۱۷) من سورة محمّد قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى﴾ فهل يدلّ التعبير بالزيادة إلّا على التكامل؟ و هنا ينقدح سؤال، و هو: إذا كان الهدف هو التكامل، فلماذا لم يخلق اللّه الإنسان كاملا منذ البداية حتّى لا يكون محتاجا إلى طيّ مراحل التكامل؟ إنّ أساس هذا الإشكال هو الغفلة عن هذه النقطة، و هي أنّ العنصر الأصلي للتكامل هو التكامل الاختياري، و بتعبير آخر فإنّ التكامل يعني أن يطوي الإنسان الطريق بنفسه و إرادته و تصميمه، فإذا أخذوا بيده و أوصلوه بالقوّة و الجبر فليس هذا افتخارا و لا تكاملا. فمثلا: لو أنفق الإنسان فلسا واحدا من ماله بإرادته و تصميمه، فقد طوى من طريق الكمال الأخلاقي بتلك النسبة، في حين أنّه لو أجبر على إنفاق الملايين من ثروته، فإنّه لم يتقدّم خطوة واحدة في ذلك الطريق، و لذلك صرّح القرآن بهذه الحقيقة في الآيات المختلفة، و هي أنّ اللّه سبحانه لو شاء لأجبر الناس على أن يؤمنوا، إلّا أنّ هذا الإيمان لا نفع فيه لهؤلاء: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَ‌بُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْ‌ضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا﴾ (يونس، ۹۹). (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج۱۰ / ۱۳۵ ـ ۱۴۱) ومن هذا البحث نستنتج أن العقل من ضروريات التكامل وبدونه لا يتحقق التكامل اصلاً يصبح الإنسان كسائر الحيوانات من البقر والغنم إلا أنه متفاوت في الهيئة.

4