( 22 سنة ) - العراق
منذ سنتين

شجرة النبي آدم

وما حقيقة «الشجرة» التي أكل منها آدم و زوجه، هل هي فعلاً شجرة فاكهة، أم هي رمزاً لمعصيتهم أمر الله؟


ماذا كانت الشّجرة الممنوعة؟ جاءت الإشارة إلى الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم، من دون أن يجري حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة، و أنها ماذا كانت؟ و ماذا كان ثمرها؟ بيد أنّه ورد في المصادر الإسلامية تفسيران لها، أحدهما «ماديّ» و هو أنّها كانت «الحنطة» كما هو المعروف في الرّوايات. و يجب الانتباه إلى نقطة، و هي أن العرب تطلق لفظة «الشجرة» حتى على النبتة، و لهذا أطلقت- في القرآن الكريم- لفظة الشجرة على نبتة اليقطين، إذ قال‏ سبحانه: ﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَ‌ةً مِّن يَقْطِينٍ﴾. (الصافات، ۱۴۶) و التّفسير الآخر «معنوي» و هو أنّ المقصود من تلك الشجرة- كما في الرّوايات- هو ما عبّر عنها ب«شجرة الحسد» لأنّ آدم طبقا لهذه الرّوايات- بعد ملاحظة مكانته و مقامه- تصوّر أنّه لا يوجد فوق مقامه مقام، و لا فوق مكانته مكانة، و لكن اللّه تعالى أطلعه على مقام ثلة من الأولياء من ذريته و أبنائه (رسول الإسلام و أهل بيته)، فحصل عند ما يشبه الحسد، و كانت هذه هي الشجرة الممنوعة التي أمر آدم بأن لا يقربها. و في الحقيقة تناول آدم- طبقا لهذه الرّوايات- من شجرتين، كانت إحداهما أقلّ منه مرتبة و أدنى منه منزلة، و قد قادته إلى العالم المادي، و كانت هي «الحنطة». و الأخرى هي الشجرة المعنوية التي كانت تمثل مقام ثلة من أولياء اللّه، و الذي كان أعلى و أسمى من مقامه و مرتبته، و حيث أنّه تعدّى حدّه في كلا الصعيدين ابتلي بذلك المصير المؤلم. و لكن يجب أن نعلم أن هذا الحسد لم يكن من النوع الحرام منه، بل كان مجرّد إحساس نفساني من دون أن تتبعه أية خطوة عملية على طبقه. و حيث إنّ للآيات القرآنية- كما أسلفنا مرارا- معان متعدّدة، فلا مانع من أن يكون كلا المعنيين مرادين من الآية. و من حسن الاتفاق أنّ كلمة «الشجرة» قد استعملت في القرآن الكريم في كلا المعنيين، فحينا استعملت في المعنى المادي التعارف للشجرة مثل: ﴿وَشَجَرَ‌ةً تَخْرُ‌جُ مِن طُورِ‌سَيْنَاءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ (المؤمنون، ٢۰) التي هي إشارة إلى شجرة الزيتون، و تارة استعملت في الشجرة المعنوية مثل وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ التي يكون المراد منها إمّا طائفة من المشركين، أو اليهود، أو الأقوام الطاغية الأخرى مثل‏ بني أمية. على أنّ المفسّرين أبدوا احتمالات متعددة أخرى حول الشجرة الممنوعة، و لكن ما قلناه هو الأبين و الأظهر من الجميع. و لكن النقطة التي يجب أن نذكّر بها هنا، هي أنه وصفت الشجرة الممنوعة في التّوراة المختلفة- المعترف بها اليوم من قبل جميع مسيحيي العالم و يهودييه- بشجرة العلم و المعرفة و شجرة الحياة (التّوراة، سفر التكوين الإصحاح الثاني الفقرة رقم ۱۷.) تقول التّوراة: إن آدم لم يكن عالما و لا عارفا قبل أكله من شجرة العلم و المعرفة، حتى أنّه لا يعرف و لم يميّز عريه، و عند ما أكل من تلك الشجرة، و صار إنسانا بمعنى الكلمة طرد من الجنّة خشية أن يأكل من شجرة الحياة أيضا فيخلد كما الآلهة. و هذا من أوضح القرائن الشاهدة على أنّ التّوراة الرائجة ليست كتابا سماويا، بل هي من نسيج العقل البشري القاصر المحدود، الذي يعتبر العلم و المعرفة عيبا و شينا للإنسان، و يعتبر آدم بسبب ارتكابه معصية تحصيل العلم و المعرفة مستحقا للطرد من جنة اللّه، و كأنّ الجنّة لم تكن مكان العقلاء الفاهمين و منزل العلماء العارفين!! و لملفت للنظر أنّ الدّكتور «ويليم ميلر» الذي يعدّ من مفسري الإنجيل القديرين و البارزين بل من مفسّري العهدين (التّوراة و الإنجيل معا) يقول في كتابه المسمى «ما هي المسيحية»: «إنّ الشيطان تسلّل إلى الجنّة في صورة حيّة، و أقنع حواء بأن تأكل من ثمرة تلك الشجرة، ثمّ أعطت حواء من تلك الثمرة إلى آدم، فأكل منها آدم أيضا، و لم يكن فعل أبوينا الأوليين مجرّد خطأ عادي، أو غلطة ناشئة من عدم التفكير، بل كان معصية متعمّدة ضدّ الخالق، و بعبارة أخرى: إنّ آدم و حواء كانا يريدان بهذا الصنيع أن يصيرا آلهة، إنّهما لم يرغبا في أن يطيعا اللّه، بل كانا يريدان أن يعملا وفق رغباتهما و ميولهما الشخصية، فما ذا كانت‏ النتيجة؟ لقد وبّخهما اللّه تعالى بشدّة، و أخرجهما من الجنّة، ليعيشا في عالم ملي‏ء بالعذاب و الألم و المحنة». لقد أراد مفسّر التّوراة و الإنجيل هذا أن يبرر شجرة التّوراة الممنوعة، و لكنّه نسب أعظم الذنوب و هو مضادة اللّه و محاربته- إلى آدم ... أمّا كان من الأفضل أن يعترف- بدل إعطاء مثل هذه التّفسيرات- بتطرّق التحريف و التلاعب إلى هذه الكتب المسماة بالكتب المقدّسة؟! الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏۴، ص: ۵۹۸