( 45 سنة ) - العراق
منذ سنتين

شرح تفسير الاية

ماتفسير الآيات الكريمة: (21) إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط (22) إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة وحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب (23)


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا جاء في تفسير الميزان ،للسيد الطباطبائي - ج ١٧ - ص ١٩١-١٩٤: قوله تعالى : {وهل أتاك نبؤا الخصم إذ تسوروا المحراب} الخصم مصدر كالخصومة أريد به القوم الذي استقر فيهم الخصومة ، والتسور الارتقاء إلى أعلى السور وهو الحائط الرفيع كالتسنم بمعنى الارتقاء إلى سنام البعير والتذري بمعنى الارتقاء إلى ذروة الجبل ، وقد فسر المحراب بالغرفة والعلية ، والاستفهام للتعجيب والتشويق إلى استماع الخبر . والمعنى هل أتاك يا محمد خبر القوم المتخاصمين إذ علوا سور المحراب محراب داود (عليه السلام) . قوله تعالى : {إذ دخلوا على داود ففزع منهم} إلى آخر الآية لفظة {إذ} هذه ظرف لقوله : {تسوروا} كما أن {إذ} الأولى ظرف لقوله : {نبؤا الخصم} ومحصل المعنى أنهم دخلوا على داود وهو في محرابه لا من الطريق العادي بل بتسوره بالارتقاء إلى سوره والورود عليه منه ولذا فزع منهم لما رآهم دخلوا عليه من غير الطريق العادي وبغير إذن . وقوله : {ففزع منهم} قال الراغب : الفزع انقباض ونفار يعتري الإنسان من الشيء المخيف وهومن جنس الجزع ولا يقال : فزعت من الله كما يقال : خفت منه . انتهى . وقد تقدم أن الخشية تأثير القلب بحيث يستتبع الاضطراب والقلق وهي رذيلة مذمومة إلا الخشية من الله سبحانه ولذا كان الأنبياء (عليهم السلام) لا يخشون غيره قال تعالى : {وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب : 39] . وأن الخوف هو التأثير عن المكروه في مقام العمل بتهيئة ما يتحرز به من الشر ويدفع به المكروه لا في مقام الإدراك فليس برذيلة مذمومة لذاته بل هو حسن فيما يحسن الاتقاء قال تعالى خطابا لرسوله : {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً } [الأنفال : 58] . وإذا كان الفزع هو الانقباض والنفار الحاصل من الشيء المخوف كان أمرا راجعا إلى مقام العمل دون الإدراك فلم يكن رذيلة بذاته بل كان فضيلة عند تحقق مكروه ينبغي التحرز منه فلا ضير في نسبته إلى داود (عليه السلام) في قوله : {ففزع منهم} وهومن الأنبياء الذين لا يخشون إلا الله . وقوله : {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض} لما رأوا ما عليه داود (عليه السلام) من الفزع أرادوا تطييب نفسه وإسكان روعه فقالوا : {لا تخف} وهو نهي عن الفزع بالنهي عن سببه الذي هو الخوف {خصمان بغى} إلخ أي نحن خصمان أي فريقان متخاصمان تجاوز بعضنا ظلما على بعض . وقوله : {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط} إلخ الشطط الجور أي فاحكم بيننا حكما مصاحبا للحق ولا تجر في حكمك ودلنا على وسط العدل من الطريق . قوله تعالى : {إن هذا أخي} إلى آخر الآية بيان لخصومتهم وقوله : {إن هذا أخي} كلام لواحد من أحد الفريقين يشير إلى آخر من الفريق الآخر بأن هذا أخ له} إلخ . وبهذا يظهر فساد ما استدل بعضهم بالآية على أن أقل الجمع اثنان لظهور قوله : {إذ تسوروا} {إذ دخلوا} في كونهم جمعا ودلالة قوله : {خصمان} {هذا أخي} على الاثنينية . وذلك لجواز أن يكون في كل واحد من جانبي التثنية أكثر من فرد واحد قال تعالى : {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا } [الحج : 19] وجواز أن يكون أصل الخصومة بين فردين ثم يلحق بكل منهما غيره لإعانته في دعواه . وقوله : {له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب} النعجة الأنثى من الضأن ، و{أكفلنيها} أي اجعلها في كفالتي وتحت سلطتي و{عزني في الخطاب} أي غلبني فيه والباقي ظاهر . قوله تعالى : {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه - إلى قوله - وقليل ما هم} جواب داود (عليه السلام) ، ولعله قضاء تقديري قبل استماع كلام المتخاصم الآخر فإن من الجائز أن يكون عنده من القول ما يكشف عن كونه محقا فيما يطلبه ويقترحه على صاحبه لكن صاحب النعجة الواحدة ألقى كلامه بوجه هيج الرحمة والعطوفة منه (عليه السلام) فبادر إلى هذا التصديق التقديري فقال : {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} . فاللام للقسم ، والسؤال - على ما قيل - مضمن معنى الإضافة ولذا عدي إلى المفعول الثاني بإلى ، والمعنى أقسم لقد ظلمك بسؤال إضافة نعجتك إلى نعاجه . وقوله : {وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم} من تمام كلام داود (عليه السلام) يقرر به كلامه الأول والخلطاء الشركاء المخالطون . قوله تعالى : {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} أي علم داود أنما فتناه بهذه الواقعة أي أنها إنما كانت فتنة فتناه بها والفتنة الامتحان ، وقيل : ظن بمعناه المعروف الذي هو خلاف اليقين وذكر استغفاره وتوبته مطلقين يؤيد ما قدمناه ولوكان الظن بمعناه المعروف كان الاستغفار والتوبة على تقدير كونها فتنة واقعا وإطلاق اللفظة يدفعه ، والخر على ما ذكره الراغب سقوط يسمع منه خرير والخرير يقال لصوت الماء والريح وغير ذلك مما يسقط من علو ، والركوع - على ما ذكره - مطلق الانحناء . والإنابة إلى الله - على ما ذكره الراغب - الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل وهي من النوب بمعنى رجوع الشيء مرة بعد أخرى . والمعنى : وعلم داود أن هذه الواقعة إنما كانت امتحانا امتحناه وأنه أخطأ فاستغفر ربه - مما وقع منه - وخر منحنيا وتاب إليه . وأكثر المفسرين تبعا للروايات على أن هؤلاء الخصم الداخلين على داود (عليه السلام) كانوا ملائكة أرسلهم الله سبحانه إليه ليمتحنه وستعرف حال الروايات . لكن خصوصيات القصة كتسورهم المحراب ودخولهم عليه دخولا غير عادي بحيث أفزعوه ، وكذا تنبهه بأنه إنما كان فتنة من الله له لا واقعة عادية ، وقوله تعالى بعد : {فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى} الظاهر في أن الله ابتلاه بما ابتلى لينبهه ويسدده في خلافته وحكمه بين الناس ، كل ذلك يؤيد كونهم من الملائكة وقد تمثلوا له في صورة رجال من الإنس . وعلى هذا فالواقعة تمثل تمثل فيه الملائكة في صورة متخاصمين لأحدهما نعجة واحدة يسألها آخر له تسع وتسعون نعجة وسألوه القضاء فقال لصاحب النعجة الواحدة : {لقد ظلمك} إلخ وكان قوله (عليه السلام) - لوكان قضاء منجزا - حكما منه في ظرف التمثل كما لوكان رآهم فيما يرى النائم فقال لهم ما قال وحكم فيهم بما حكم ومن المعلوم أن لا تكليف في ظرف التمثل كما لا تكليف في عالم الرؤيا وإنما التكليف في عالمنا المشهود وهو عالم المادة ولم تقع الواقعة فيه ولا كان هناك متخاصمان ولا نعجة ولا نعاج إلا في ظرف التمثل فكانت خطيئة داود (عليه السلام) في هذا الظرف من التمثل ولا تكليف هناك كخطيئة آدم (عليه السلام) في الجنة من أكل الشجرة قبل الهبوط إلى الأرض وتشريع الشرائع وجعل التكاليف ، واستغفاره وتوبته مما صدر منه كاستغفار آدم وتوبته مما صدر منه وقد صرح الله بخلافته في كلامه كما صرح بخلافة آدم (عليه السلام) في كلامه وقد مر توضيح ذلك في قصة آدم (عليه السلام) من سورة البقرة في الجزء الأول من الكتاب . وأما على قول بعض المفسرين من أن المتخاصمين الداخلين عليه كانوا بشرا والقصة على ظاهرها فينبغي أن يؤخذ قوله : {لقد ظلمك} إلخ قضاء تقديريا أي إنك مظلوم لولم يأت خصيمك بحجة بينة ، وإنما ذلك لحفظ على ما قامت عليه الحجة من طريقي العقل والنقل أن الأنبياء معصومون بعصمة من الله لا يجوز عليهم كبيرة ولا صغيرة . على أن الله سبحانه صرح قبلا بأنه آتاه الحكمة وفصل الخطاب ولا يلائم ذلك خطأه في القضاء . قوله تعالى : {وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب} الزلفة والزلفى المنزلة والحظوة ، والمآب المرجع ، وتنكير {زلفى} و{مآب} للتفخيم ، والباقي ظاهر . دمتم في رعاية الله