logo-img
السیاسات و الشروط
Saif Alsalom ( 44 سنة ) - العراق
منذ 3 سنوات

تفسير : قل يا عبادي الذين اسرفوا...

السلام عليكم ماتفسير قوله تعالى (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)؟ وهل تغفر جميع الذنوب حتى الشرك باللّه؟


السلام عليكم ورحمة الله و بركاته ، مرحبًا بك أيها السائل الكريم ، نشكر تواصلك معنا جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٥ - الصفحة ١١٧-١٢١: التدقيق في عبارات هذه الآية يبيّن أنّها من أكثر آيات القرآن الكريم التي تعطي الأمل للمذنبين ، فشموليتها وسعتها وصلت إلى درجة قال بشأنّها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) : «ما في القرآن آية أوسع من يا عبادي الذين أسرفوا . . .» (2) . والدليل على ذلك واضح من وجوه : 1 ـ التعبير بـ (يا عبادي) هي بداية لطف الباريء عزّوجلّ . 2 ـ التعبير بـ (إسراف)بدلا من (الظلم والذنب والجريمة) هو لطف آخر . 3 ـ التعبير بـ (على أنفسهم) يبيّن أنّ ذنوب الإنسان تعود كلّها عليه ، وهذا التعبير هو علامة اُخرى من علامات محبّة الله لعباده ، وهو يشبه خطاب الأب الحريص لولده ، عندما يقول : لا تظلم نفسك أكثر من هذا! 4 ـ التعبير بـ (لا تقنطوا)مع الأخذ بنظر الاعتبار أن «القنوط» يعني ـ في الأصل ـ اليأس من الخير ، فإنّها لوحدها دليل على أن المذنبين يجب أن لا يقنطوا من اللطف الإلهي . 5 ـ عبارة (من رحمة الله) التي وردت بعد عبارة (لا تقنطوا) تأكيد آخر على هذا الخير والمحبّة . 6 ـ عندما نصل إلى عبارة (إنّ الله يغفر الذنوب) التي بدأت بتأكيد ، وكلمة «الذنوب» التي جمعت بالألف واللام تشمل كلّ الذنوب من دون أيّ استثناء ، فإنّ الكلام يصل إلى أوجه ، وعندها تتلاطم أمواج بحر الرحمة الالهية . 7 ـ إنّ ورود كلمة (جميعاً) كتأكيد آخر للتأكيد السابق يوصل الإنسان إلى أقصى درجات الأمل . 8 و9 ـ وصف الباريء عزّوجلّ بالغفور والرحيم في آخر الآية ، وهما وصفان من أوصاف الله الباعثة على الأمل ، فلا يبقى عند الإنسان أدنى شعور باليأس أو فقدان الأمل . نعم ، لهذا السبب فإنّ الآية المذكورة أعلاه من أوسع وأشمل آيات القرآن المجيد ، حيث تعطي الأمل بغفران كلّ أنواع الذنوب ، ولهذا السبب فإنّها تبعث الأمل في النفوس أكثر من بقية الآيات القرآنية . وحقّاً ، فإنّ الذي لانهاية لبحر لطفه ، وشعاع فيضه غير محدود ، لا يتوقع منه أقل من ذلك . وقد شغلت أذهان المفسّرين مسألتان ، رغم أن حلهما كامنة في هذه الآية والآية التي تليها : الأولى : هل أنّ عمومية الآية تشمل كّل الذنوب حتّى الشرك والذنوب الكبيرة الأُخرى ، فإذا كان كذلك فلم تقول الآية (48) من سورة النساء : إنّ الشرك من الذنوب التي لا تغتفر {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 48] . والثّانية : هل أنّ الوعد الذي أعطاه الله بغفران الذنوب مطلق أم مشروط بالتوبة ونظير ذلك؟ وبالطبع فإنّ السؤال الأوّل مرتبط بالسؤال الثّاني ، والجواب عليهما سيتّضح خلال الآيات التالية بصورة جيدة ، لأنّ هناك ثلاثة أوامر وردت في الآيات التالية وضحت كلّ شيء {انيبوا إلى ربّكم} والثّانية {وأسلموا له} والثّالثة {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربّكم} . هذه الأوامر الثّلاثة تقول : إنّ أبواب المغفرة والرحمة مفتوحة للجميع من دون أي استثناء ، ولكن شريطة أن يعودوا إلى أنفسهم بعد ارتكاب الذنب ، ويتوجهوا في مسيرهم نحو الباريء عزّوجلّ ، ويستسلموا لأوامره ، ويظهروا صدق توبتهم وأنابتهم بالعمل ، وبهذا الشكل فلا الشرك مستثنى من المغفرة ولا غيره ، وكما قلنا فإنّ هذا العفو العام والرحمة الواسعة مشروطان بشروط لا يمكن تجاهلها . وإذا كانت الآية (48) من سورة النساء تستثني المشركين من هذا العفو والرحمة ، فإنّها تقصد المشركين الذين ماتوا على شركهم ، وليس أُولئك الذين صحوا من غفلتهم واتبعوا سبيل الله ، لأنّ أكثر مسلمي صدر الإسلام كانوا كذلك ، أي أنّهم تركوا عبادة الأصنام والشرك بالله ، وآمنوا بالله الواحد القهار بعد دخولهم الدين الإسلامي . اذا طالعنا الحالة النفسية عند الكثير من المجرمين بعد ارتكابهم للذنب الكبير ، نرى أن حالة من الألم والندم تصيبهم بحيث لا يتصورون بقاء طريق العودة مفتوحاً أمامهم ، ويعتبرون أنفسهم ملوثين بشكل لا يمكن تطهيره ، ويتسألون : هل من الممكن أن تغفر ذنوبنا؟ وهل أن الطريق إلى الله مفتوح أمامنا؟ وهل بقي خلفنا جسر غير مدمّر؟ إنّهم يدركون معنى الآية جيداً ، ومستعدون للتوبة ، ولكنّهم يتصورون استحالة غفران ذنوبهم ، خاصّة إذا كانوا قد تابوا مرات عديدة من قبل ثمّ عادوا إلى إرتكاب الذنب مرّة اُخرى . هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أنّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم . لذا فإنّ (وحشي) المجرم المعروف في التأريخ الإسلامي والذي قتل حمزة سيد الشهداء (عليه السلام) ، كان خائفاً من عدم قبول توبته ، لأنّ ذنبه كان عظيماً ، مجموعة من المفسّرين قالوا : إن هذه الآية عندما نزلت على الرّسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم) فتحت أبواب الرحمة الإلهية أمام وحشي التائب وأمثاله! ولكن لا يمكن أن تكون هذه الحادثة سبب نزول هذه الآية ، لأن هذه السورة من السور المكّية ، ولم تكن معركة أحد قد وقعت يوم نزول هذه الآيات ، ولم تكن أيضاً قصة شهادة حمزة ولا توبة وحشي ، وإنّما هي من قبيل تطبيق قانون عام على أحد المصاديق ، وعلى أية حال فإنّ شمول معنى الآية يمكن أن يشخص هذا المعنى . يتضح ممّا تقدم أنّ إصرار بعض المفسّرين كالآلوسي في تفسيره (روح المعاني) على أنّ الوعد بالمغفرة الذي ورد في الآية المذكورة أعلاه ليس مشروطاً بشيء غير صحيح ، حتّى أنّ الأدلّة السبعة عشر التي ذكرها بشأن هذا الموضوع غير مقبولة ، لأنّ فيها تعارضاً واضحاً مع الآيات التالية ، والكثير من هذه الأدلة السبعة عشر يمكن ادغامها في بعضها البعض ، ولا يفهم منها سوى أنّ رحمة الله واسعة تشمل حتّى المذنبين ، وهذا لا يتعارض مع كون الوعد الإلهي مشروطاً ، بقرائن الآيات التالية …. ترشد المجرمين والمذنبين على أبواب الدخول إلى بحر الرحمة الإلهية الواسع إذ تقول : (وانيبوا إلى ربّكم) واصلحوا أُموركم ومسير حياتكم (واسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثمّ لا تنصرون) . دمتم في رعاية الله

2