عليكم السلام ورحمة الله وبركاته أخي العزيز..
لا تقلقوا من هذه المسألة ولا تضطربوا؛ فإن الوسوسة القلبية يمكن أن تحصل للإنسان، ولا يحاسبه الله تعالى عليها، بل يحاسبه على ما يعتقد به، وأنتم لا شك تعتقدون بالعقائد الدينية ولا تشكون بها، وإنما يحصل عندكم مجرد وساوس.
ولعل هذه الحالات ونحوها تنشأ عن الاطلاع على بعض الشبهات ولو بشكل عابر، مع عدم وجود عقيدة قوية مبنية على الدليل، وكذلك قد تنشأ عن وجود كآبة عند الإنسان أو عزلة أو فراغ؛ فعليكم بالعناية بهذه الأمور:
أولا: الترويح عن النفس؛ فإن الترويح عن النفس و(كسر الروتين) كما يعبرون، من أهم الأمور المعينة للإنسان على عمله في مختلف المجالات؛ فعن النبي (صلى الله عليه وآله): «في صحف إبراهيم: على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون له (أربع ساعات):
ساعة يناجي فيها ربه عز وجل.
وساعة يحاسب فيها نفسه.
وساعة يتفكر فيما صنع الله عز وجل إليه.
وساعة يخلو فيها بحظ نفسه من الحلال فإن هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب وتوزيع لها».
فحاولوا الخروج إلى بعض الأماكن الترفيهية، والذهاب للزيارة، وعزيمة الأقارب وما إلى ذلك مما يريح النفس ويغير الجو.
ثانيا: مارسوا الرياضة بشكل منتظم (ساعة في اليوم)؛ فإن لها أثرا إيجابيا كبيرا على الصحة النفسية للإنسان؛ فلا تهملوها أبدا.
ثالثا: عالجوا المشاكل الصحية التي تسبب الكآبة، كنقص فيتامين (د) الذي صار شائعا جدا في السنين الأخيرة خصوصا لدى النساء، وله آثار سلبية جدا على مسألة الكآبة. وإن لزم الأمر أن تراجعوا الطبيب فذلك ضروري.
رابعا: لا تبقوا في يومكم فراغا أبدا، بل اشغلوا كل وقت لكم بالعمل والنشاط، بحيث إذا أردتم النوم تنامون بسرعة من التعب والنشاط الذي بذلتموه فلا تجدون وقتا للتفكير بالأفكار السلبية. ومهما أمكن لا تبقوا وحدكم في غرفة ونحوها.
خامسا: اجعلوا لحياتكم هدفا تسعون إلى تحقيقه بجد واجتهاد، بحيث يأخذ مجالا واسعا من فكركم. والمجالات والأهداف كثيرة يمكنكم البحث فيها عما يناسبكم، كأن يكون هدفكم إكمال الدراسة إذا لم تكونوا أكملتموها، أو العمل في بعض المجالات التي فيها فائدة لكم أو خدمة للآخرين، أو تعلم علوم أهل البيت عليهم السلام وتقوية الثقافة الدينية، وما إلى ذلك. المهم أن يكون لكم هدف نافع تسعون إلى تحقيقه.
سادسا: تقوية المعرفة الدينية عن طريق مطالعة الكتب النافعة، واستماع المحاضرات أو الدروس الدينية، وإن أمكن أن تسجلوا في حوزة نسوية (موثوقة) فذلك أفضل.
وكذلك اعتنوا كثيرا بالصدقة وفعل الخيرات وإدخال السرور على الناس -كإخوانكم الصغار أو والديكم أو أقاربكم- فإن ذلك له دخالة في تقويم الإنسان وتوفيقه وحل مشاكله؛ فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: «الصدقة تدفع البلاء المبرم، فداووا مرضاكم بالصدقة»، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة:
- «سُوسُوا إِيمَانَكُمْ بِالصَّدَقَةِ»؛ أي: احفظوا إيمانكم بها.
- «وَالَّذِي وسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ مَا مِنْ أَحَدٍ أَوْدَعَ قَلْباً سُرُوراً إِلَّا وخَلَقَ اللَّهُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ السُّرُورِ لُطْفاً فَإِذَا نَزَلَتْ بِهِ نَائِبَةٌ جَرَى إِلَيْهَا كَالْمَاءِ فِي انْحِدَارِهِ حَتَّى يَطْرُدَهَا عَنْهُ كَمَا تُطْرَدُ غَرِيبَةُ الْإِبِلِ».
والتزموا بقراءة المعوذتين مع الشعور بالالتجاء إلى الله فيهما بأن يعيذكم من شر الشيطان وجميع المخلوقات.
وقبل كل هذا عليكم بالحذر الشديد من الوقوع في المعاصي خصوصا ما يكون فيها إصرار -كقطيعة الرحم والعقوق- فقد قال تعالى: {كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوءَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُون}، وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}، و{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً}.
وإذا كانت الحالة قوية فضروري جدا مراجعة الطبيب المختص؛ كي لا تتفاقم الحالة وتصل إلى مرحلة لا يمكن السيطرة عليها.
أدام الله توفيقكم..